مسيرة المرأة في السينما السورية قاسية بقدر ما هي متشعبة، وإذا عدنا قليلاً الى الوراء نجد ان المشاركة النسائية بدأت بمعارضة جماعية عطلت من دون شك انطلاقة المرأة في عالم الفن هذا. والمطلع على حال السينما السورية منذ انطلاقتها والى الآن، يجد نفسه امام فراغ، يعقبه استفهام كبير عن خلو الساحة السينمائية من اسماء كاتبات للسيناريو او مخرجات، أو حتى عاملات فنيات في هذا الحقل. واقتصر دور المرأة على التمثيل باعتباره حاجة لشغل دور ما لا علاقة له بتكافؤ الفرص والأدوار في هذا الحقل. وهذا امر ليس ببالغ الجدة على السينما او غيرها من الفنون، ففي مجالات الابداع في الشرق كانت المرأة مقصاة وبعيدة الى حد ما عن الضوء. ولكن ان تشهد مسيرة السينما السورية، على رغم جدتها ودأبها على تقديم الأصيل والمميز بفضل جهود فردية عادة، هذا الفراغ النسائي هو امر يدعو الى السؤال، وحتى في الفاعلية الوحيدة التي ظهرت فيها المرأة التمثيل، دفعت ثمناً غالياً لتمكين نفسها من النجاح، وبخاصة في البدايات. بداية سلبية عندما بدأت المرأة تظهر على الشاشة الكبيرة، وتعلن حضورها الأنثوي، في اوائل النصف الثاني من القرن المنصرم، على رغم العوائق الاجتماعية والدينية التي فرضت نفسها في تلك الفترة، وحصرت المرأة، أو وضعتها عند انتمائها الى عالم التمثيل بصفتهامنحرفة، فالتمثيل يتطلب الاحتكاك بالرجال جسديا، وبصورة يومية وفي مختلف الاوقات، وهذا ما لم يكن المجتمع يتقبله، حتى تلك المرأة الممثلة لم تكن تعنى بالموضوعات التي تقوم بأداء ادوارها، وكانت غالبيتها من وجهة نظر ذكورية، وتخص مسائل خارجية اكثر ما تخص بنية المجتمع وحراكه الانساني. وحين اخذ المجتمع طريقه في التطور، ودخلت المرأة مناحي الحياة كافة، بدأت همومها تطرح بشكل واضح في السينما، سواء عبر جيل جديد من المخرجين الشباب ام من المرأة ذاتها. فقبل السبعينات ركزت غالبية الافلام على هموم وطنية وسياسية عامة، واحياناً اجتماعية لها طابع يخص الجميع، ولم تطرح قضية المرأة كإشكالية اجتماعية، لا تخص المرأة وحدها بل الرجل ايضاً، الا في السبعينات والثمانينات من القرن الماضي. ومن الأفلام التوثيقية البارزة التي تناولت قضية المرأة في شكل مباشر، فيلم "عنها" لسمير ذكرى الذي انتج في بداية السبعينات. وقد جالت الكاميرا في غالبية المناطق السورية تستطلع آراء النساء والرجال في حق المرأة في اختيار الشريك والحرية الشخصية وقضية تعدد الزوجات، اضافة الى اشكاليات عمل المرأة والحضانة. وكانت المرأة هي التي تعبر عن نفسها في مثل هذه الأمور. وكانت الشهادات جميعاً، شهادات المرأة خصوصاً، تنم عن ضيق بهذا الظلم الاجتماعي الواقع عليها، اتفقت في ذلك المتعلمة والأمية. أفكار نسائية وكان دخول المرأة حقل السينما، او دخول الموضوعات التي تخص المرأة، نتيجة قناعة اصبحت شبه شاملة في المجتمع بأنه لا يمكن ان يتطور من دون ايقاظ هذا الجزء النائم، ومن دون سماع رأيه في الحياة وما تطرحه من اشكاليلات سواء انسانية او سياسية او فكرية. والسؤال الذي اود طرحه: لماذا لم يتح للنساء المخرجات ان يكن في الواجهة لتقديم افكارهن؟ هل ثمة خشية من امساك المرأة قضيتها بنفسها، في حقل جماهيري كالسينما؟ وهل تنحصر هذه الاشكالية في السينما فقط، ام تتعداها الى التلفزيون والادب والسياسة وغيرها من الفضاءات؟ والمثال التالي الذي سأسوقه عن الفنانة المخرجة واحة الراهب. نفذت واحة الراهب، قبل سنوات، فيلماً قصيراً بعنوان "جداتنا" يتحدث عن تاريخ المرأة في المنطقة، وكانت المرأة الأولى التي تتاح لها هذه الفرصة. تابعت واحة مشروعها في الاخراج السينمائي وقدمت سيناريو فيلم بعنوان "رؤى حالمة"، وكان ذلك قبل اكثر من خمس سنوات، اي حين كانت السينما السورية ذاتها تعاني من اشكالية كبيرة وهي عدم وجود تموين ودعم كافيين للانتاج السينمائي. والملاحظ ان السينمائيين الرجال يتندرون في الجلسات الخاصة على المرأة المخرجة وقلة كفايتها، الأمر الذي يعطي انطباعاً بعدم ثقة الرجل المجتمع بأهلية المرأة للابداع وقدرتها على ان تنافس الرجل في الحقول الفنية. وهنا تمكن الاشارة الى تجربة نسائية مهمة في العمل السينمائي وهي تجربة "المونتيرة" انطوانيت عازريه التي عملت في مؤسسة السينما منذ زمن طويل، واثبتت حضورها الفاعل عبر الكثير من الافلام. وفي الوقت الحاضر نستطيع القول ان التطور كان بطيئاً جداً، فعدد المخرجات قليل في الاصل، وحتى الآن تعد واحة الراهب المرأة الوحيدة التي استطاعت اقتحام هذا المجال، اي الاخراج السينمائي، والثبات فيه. اما بالنسبة الى واقع الممثلات السينمائيات والعاملات في المجالات الفنية السينمائية، كالاكسسوار والملابس والماكياج، فهناك دخول غير مشروع وغير اختصاصي، لأن النساء اللواتي يقمن بتلك الادوار غير مختصات ويعينّ بمزاج شخصي او بتدخل من المخرج. ولا بد من الاشارة في النهاية الى ان كل هذا الحديث يبدو مبتوراً وغير منصف، اذ لا يمكن لنا الحديث عن تفاصيل جزئية لها علاقة بصناعة غير اصيلة وغير حقيقية لحد الآن في سورية، وهي الصناعة السينمائية، على رغم ملامح الطيف التي ظهرت أخيراً.