في الوقت الذي تشهد فيه السعودية نقاشاً محتدماً حول السينما، احتفلت جامعة عفت قبل أسبوعين بتخريج 14 طالبة يمثلن الدفعة الأولى من الخريجات اللاتي تخصصن في صناعة الأفلام للمرة الأولى في السعودية، في خطوة هامة نحو تحقيق حلم كثيرين في إقامة دور سينما يشاهدون فيها أفلامهم، بدلاً من تكبد عناء السفر إلى دول أخرى. ويأمل سعوديون أن يساهم اقتحام المرأة مجال الإخراج في إقامة دور السينما في ظل حراك نسوي نشط للدخول في مجال صناعة الأفلام، وتدرس سعوديات على مدار ثلاث سنوات عالم «الفن السابع» من خلال جامعة عفت في محافظة جدة، يتلقين دورساً في الإخراج والمونتاج والتمثيل وغيرها من المجالات. وتفاعلون سعوديون مع تخريج الطالبات، من خلال تغريدات أطلقوها عبر حساباتهم في «تويتر»، إذ علق المخرج علي الكلثمي على الخبر ب«السينما قريباً». فيما رأت هزيم أن «السينما قادمة وهذا هو المجرى الصحيح للواقع الحالي»، مطالبة بمناقشة الأمور التفصيلية والتشغيلية لصناعة السينما. ورأة محمد أن عودتها ستفيد الاقتصاد بعدما تتحول ملايين ينفقها السعوديون في دول مجاروة لمشاهدة الأفلام، في حين رأى خالد «إقبال السعوديين على السفر إلى دول مجاروة يؤكد رغبتهم في وجود دور سينما». وكتبت سماهر منتقدة المعارضين «أن من يعترض على السينما هم أنفسهم من يدخلونها في البلاد الأخرى». وتنوعت مطالب السعوديين من صناع السينما، إذ طالب صابر الغامدي ب«إنتاج أفلام يعلو به إسلامنا ويفخر بها أحفادنا» وعدم البقاء «مستهلكين للسينما»، فيما طالب آخر بإنتاج «أفلام تربوية للأطفال لغرس القيم والأخلاق». وبرزت خلال السنوات الأخيرة أسماء مخرجات سعوديات تميزن بأعمال شاركت في محافل فنية عالمية، مثل فيلم «وجدة» للمخرجة هيفاء المنصور الذي رشح لجائزة «أوسكار» العالمية في العام 2013، ليكون الفيلم السعودي الأول الذي يصل إلى أبرز محفل سينمائي في العالم. وحاز الفيلم على ثلاث جوائز عالمية من مهرجان «البندقية السينمائي» في نسخته ال69، وهي: «سينما فناير»، و«الاتحاد الدولي لفن السينما» و«انترفيلم»، إضافة إلى جائزة «المهر الذهبي» لأفضل فيلم روائي عربي في الدورة التاسعة من مهرجان دبي السينمائي الدولي. وحازت المنصور جائزة أفضل فيلم وثائقي خليجي عن فيلمها المثير للجدل «نساء بلا ظل» في العام 2005، الذي تناولت فيه قضايا المرأة السعودية من خلال شخصيات دينية واجتماعية. وبرز اسم المخرجة عهد كامل، ضمن الأسماء السعودية في الإخراج، بعدما شاركت بفيلمها «حرمة» في المسابقة الرسمية للأفلام القصيرة في مهرجان برلين السينمائي في العام 2013، ليكون بذلك أول فيلم سعودي يشارك في هذا المهرجان. وشارك «مُنكير» للمخرجة السعودية مرام طيبة، ضمن زاوية الأفلام القصيرة في مهرجان «كان» السينمائي في العام 2016، ويحكي الفيلم قصة زوجين غير سعيدين يعيشان في جدة، وتحاول الزوجة إعادة الرومانسية إلى حياتها التعيسة. وقدمت المخرجة ريم البيات أفلام عدة رشحت لجوائز دولية، مثل «ظلال» الذي شارك في المسابقة الرسمية للأفلام القصيرة بمهرجان «دبي السينمائي»، و«دمية» ضمن مهرجان «الربيع العربي» في باريس، و«أيقظني» الذي شارك في مهرجان «دبي السينمائي» أيضاً. وشهد العام 2015 مشاركة أصغر مخرجة سعودية جنى صفتي (15 عاماً) في مهرجان «كان» عن فيلمها القصير «هدر الطاقة» وتناولت فيه طرق توفير الكهرباء من خلال الطاقة الشمسية. وعلى الصعيد المحلي، شهدت المهرجانات السينمائية السعودية مشاركة مخرجات بأفلام ناقشن قضايا «ساخنة» في المجتمع، إذ شاركت 30 مخرجة في دورتي مهرجان أفلام السعودية الماضيتين، الذي تستضيفه مدينة الدمام سنوياً، بعضهن فاز بجوائز مثل «شكوى» لهناء العمير، و«حورية البحر» لشهد أمين. وشهد المهرجان في نسختة الرابعة الأخيرة في آذار (مارس) الماضي، مشاركة 59 فيلماً لمخرجين ومخرجات سعوديات، فيما شهدت نسخته الثالثة مشاركة 112 فيلماً، والثانية 66. وشهدت النسخة الأول للمهرجان في العام 2008، تقدم 114 فيلماً، اختير منها 44 للمنافسة على جوائزه. وخطت صناعة الأفلام في السعودية خطوات هامة، منذ أن بدأت قبل أكثر من عقد، وحازت على جوائز في مهرجانات عالمية، إضافة إلى وجود مهرجانات سينمائية عدة داخل المملكة تشهد إقبالاً سنوياً، لكنها ما تزال مقيدة، إذ يلجأ صانعوها إلى دول خليجية وعربية مجاورة لعرضها، لعدم وجود دور عرض سينمائي في السعودية. إلا أن دور السينما لم تكن غريبة عن المجتمع السعودي، إذ عرفها منذ أربعينات القرن الماضي، عندما أنشأتها شركة «أرامكو» لموظفيها، إضافة إلى أخرى في أندية رياضية، واستمرت حتى السبعينات إلى أن أغلقت عقب حادث احتلال الحرم المكي. وتثير قضية دور السينما جدلاً كبيراً لدى المجتمع السعودي، وكان مجرد أي حدث فني قبل سنوات يكفي لإثارة أزمة، إلا أن الآمال تزايدت أخيراً، بعد عودة الحفلات الغنائية إلى البلاد، وإنشاء «الهيئة العامة للترفيه»، ومع ذلك ما تزال توجد معارضة من فئات «محافظة». وتجددت الآمال قبل أسبوع، بعد تداول تصريح منسوب لرئيس الهيئة أحمد الخطيب، أكد فيه أن السعودية ستبني «دور سينما ودار أوبرا عالمية»، وذلك لاستيعاب أكثر من 20 بليون دولار ينفقها السعوديين على الترفيه في الخارج، موضحاً أن «الترفية سيكون على مستويات عالمية، ولن يكون سريعاً بسبب الثقافة السائدة». وأثار الخطيب في تصريح سابق بداية العام الحالي حفيظة سعوديين بعدما أشار إلى قرب افتتاح دور السينما، وثار جدلاً لم تهدأ حدته بين السعوديين المنقسمين، ليخرج بعدها موضحاً أن الهيئة لم تصرح بعد لدور السينما، وأن «الترفيه سيكون وفق ضوابط شرعية تراعي عادات وتقاليد المجتمع السعودي». وأثار التصريح ردود فعل بين مؤيدين يؤكدون ضرورة مواكبة العصر رافضين بقاء السعودية دولة «أفلام بلا سينما»، ومعارضين يرون أنها تفتح أبواب «الاختلاط غير الشرعي» وقد تحمل أفلامها مخالفات دينية.