لا أتذكر الفيلم الاول الذي شاهدته، وربما لا أذكر الفيلم الأخير. الفيلم الجميل يبقى وكأنني شاهدته ليلة أمس. ولعي في السينما طفولي. لكل فيلم دهشة خاصة، واحساس بالاكتشاف... بحلاوة المرة الأولى، والسينما ترفيه خالص، تأخذ منك نحو ساعتين تسحبك من عوالمك الى مكان آخر مختلف تعيشه بدقائقه... تتماهى مع أبطاله، تجد نفسك في واحد منهم. هذا الانسلاب المحبب هو الذي يحرك السينما ويطورها ويجعلها تحتل المرتبة الأولى في صناعة الترفيه. يدخل الممثلون حياتنا اليومية من دون استئذان. تتابع الصحف أخبارهم الخاصة ونقيس عليها. يلتبس علينا أيهما حقيقي: م ا شاهدناه أو ما قرأناه. نظن ان الخبر امتداد للفيلم أحياناً. وفي مرات أخرى نفاجأ كيف تتخلى تلك الممثلة الرومانسية الملامح الرقيقة الكلام، عن زوجها فجأة. تتذكر ان هذه حقيقة والفيلم ليس كذلك. في فيلم "هناك شيء ما عن ماري" There,s Some thing about Mary تسحرك كاميرون دياز. تأسف لأن أربعة رجال فقط يتنافسون على نيل ودها. تتمنى أن تكون خامسهم. دياز ساحرة، شغوفة، عاطفية وتعشق عائلتها. هي في الحقيقة فشلت في أن تستمر في علاقة مع رجل واحد أكثر من بضعة أشهر. توم هانكس حاز أوسكارين. وفي كل دور يلعبه تراهن ان الاوسكار المقبل ذاهب اليه من دون شك. عودنا على الأدوار المعقدة والمركبة. وفجأة يخرج من فيلم حنون مثل "لديك بريد" You, ve Got Mail بعد دور دموي في "انقاذ المجند ريان" Saving Private Ryan ليعود بعدها بعام واحد في فيلم للأطفال "توي ستوري 2" وفيلمين بالغي الأهمية والتعقيد "الميل الأخضر" و"منجرف بعيداً". تحتار كيف ان شخصاً واحداً وفي الصالة نفسها وفي مدة محدودة يؤدي هذه الأدوار كلها بالاقناع والأداء البليغ نفسه. سلسلة "جيمس بوند" وغيرها من أفلام الاثارة والعنف تقزم العالم. تضع مصيره في يد بطل فرد. تختلف مع قيمه وتعتبره غالباً في الصف الآخر، ولكنك أثناء الفيلم وأنت ممسك بكيس "الفوشار" تقرقشه، تتمنى ان تكون مكانه أو على الأقل ألا تكون عدوه. المرأة في السينما الغربية أخذت حقها في الحضور والأدوار ونوع القضايا المطروحة. وحضرت أيضاً ككاتبة قصة وسيناريو. وأبرز مقتحمات هذا القطاع صاحبة سلسلة الفتى هاري بوتر، جي كي راولينغ. ولم تعد المرأة في السينما موضع سجال. انصفت تماماً، واستهلكت تماماً. الأفلام التي تدافع عن قضاياها لا تحصى. أدوار البطولة التي لعبتها لا تعد. السينما الغربية تعاطت مع المرأة مثلما هي تماماً. ساوتها بالرجل. لعبت الأدوار القبيحة والأدوار الجميلة، لم تكن تحت وصاية أو رقابة. كانت سيدة نفسها. في المقابل استغلت السينما الأنثى الى أبعد الحدود. فهي رمز الاغراء والاثارة. وهي اللازمة الجنسية على الأفيشات مهما كان نوع الفيلم أو قصته. ابتذلت وانصفت في آن. صناعة الأفلام الاباحية في هولندا مثلاً تفوق كماً كل ما تنتجه هوليوود والعواصم السينمائية الأخرى. وعلت الأصوات مطالبة بالتوقف عن استغلال المرأة، ولكنها في المقابل وجدت في السينما منبراً مثالياً للمعركة هذه. ولم تخل الصالات يوماً من فيلم تظهر فيه المرأة ربة العائلة العزباء وهي تواجه عادات وتقاليد، وتستمر وحيدة مكتسبة احترام من حولها وفارضة عليهم قبولها ككيان يعطي ويأخذ. من أجمل الأمثلة السينمائية على ذلك فيلم "شوكولا". جولييت بينوش تحدث انقلاباً في بلدة محافظة رفضتها كونها أمّاً غير متزوجة، وتصادق غجرياً رحالاً. روضت البلدة بالشوكولا وهي حلوى أنثوية الرمز. فتوحات المرأة الغربية السينمائية على أهميتها لم تخرق حاجز الاخراج. وبقي هذا الفن حكراً على الرجل على رغم دقات الجنس اللطيف الخجولة على بابه. لكن المرأة الغربية نجحت في مجال ذكوري. وأسست عدداً من شركات الانتاج التي قدمت أفلاماً رسخت في ذاكرة المشاهدين. انجازات المرأة الغربية السينمائية لم تعبر الخط النفسي والعقلي الفاصل بين الشرق والغرب. ولم تتجاوز تجربتها الضفاف الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط. وبقيت المرأة العربية أسيرة انماط محددة في صناعة السينما، تارة لأن "الجمهور يريد كده" وتارة أخرى لأن المجتمع غير مؤهل لتقبل أفكار متطرفة عن الحد الاجتماعي المتعارف عليه. ولم تستطع المرأة الا في حالات نادرة، الخروج من التنميط. هي دائماً ثانوية، وأدوارها المهمة غالباً محصورة في كونها لعوباً. أما الأفلام التي صورتها بصورة مغايرة أو متمردة على التقاليد فانتهت في آخر الفيلم قتيلة أو خاسرة لقضيتها، أو محتجزة في مصح عقلي. ويبقى أن نسجل ان السينما العربية فتحت باباً أوسع للمخرجات وتميز العديد منهن، ونجحن بذلك في مجاراة التطور السينمائي الغربي، ان لم يكنّ تجاوزنه في بعض الحالات. ومنهن مفيدة التلاتلي وايناس الدغيدي وغيرهما. السينما الجميلة حاجة لا غنى عنها بحلوها وتسطيحها. والدراما العربية مؤهلة وقادرة أن تكون أفضل بكثير مما هي عليه الآن. في النهاية هي ترفيه خالص. ويروي مصطفى العقاد المخرج العربي الذي اثبت حضوراً مميزاً في هوليوود انه سأل مرة ابنه الشاب، لماذا يقبل أبناء جيله على أفلام الرعب وهي سيئة الصناعة والنص والحبكة الدرامية. فأجاب الشاب: "في كل مشهد مخيف تقفز صديقتي وتغمرني". وعليه نفَّذ العقاد عشرات أفلام الرعب وكلها أصابت نجاحاً. أحياناً أبسط الأمور أجملها.