فتح برنامج "قضية الاسبوع" الذي يُبث على القناة الفضائية اللبنانية "ال بي سي" موضوعاً شائكاً حول مهنة التعليق الرياضي والصعاب التي تواجه العاملين بها، خصوصاً في القنوات الرسمية، ما يدفع بهم الى الهروب الى الفضائيات لأسباب لخصها ضيوف البرنامج باتساع رقعة الشهرة والانفراج المالي... وأيضاً بالابتعاد عن بعض القيود المفروضة في المحطات كالالتزام بلغة معينة وتنفيذ تعليمات محددة وعدم القدرة على انتقاد الحكام او التعبير بحرية عن وجهة نظر المعلق في لعبة معينة... وأخيراً، وكما قال المعلق الرياضي الشهير رئيس قناة "اي آر تي" الرياضية علي داود، ارضاء المسؤولين كي يتمكن المعلق من نيل فرصة ثانية وثالثة ورابعة... والاكيد ان النقطة الاخيرة هي "مربط الفرس" لأنها دفعت بكثير من المعلقين غير المؤهلين الى الشاشة الصغيرة طالما انهم قادرون على ارضاء هؤلاء المسؤولين وحدهم، اما بقية المشاهدين... فلا يهم! التعليق الرياضي في الوطن العربي يعاني ازمة حادة، لأنه صار مرتعاً لكل من هب ودب وانخرط فيه زيد وعبيد بغض النظر عن امكانات هذا او قدرات ذاك على الاضطلاع بهذا العمل المهم، ليس فقط على صعيد الاقبال الجماهيري وإنما ايضاً على صعيد تطوير اللعبة او الهبوط بها الى السافلين. وللأسف الشديد فإن غالبية معلقينا العرب لا يقدمون اي جديد، بل بدأ بعضهم في ادخال مفردات جديدة على عالم اللعبة ليس لها اي دلالة فنية، لكنها تجيء في سياق "اللغة الحديثة" الرديئة التي يتحدثها الشارع العربي حالياً في شكل عام. التعليق العربي يئن وما ذكرة داود يأتي في مقدم الاسباب التي جعلت الكثيرين من محبي الرياضة عموماً وكرة القدم تحديداً ينفرون من متابعة احداثها اذاعياً وتلفزيونياً، وليس من المعقول حُكماً ان نعمم هذه الوضعية على جميع المعلقين العرب لأن من بينهم طبعاً من هو جدير بحمل لواء هذه المهمة الشاقة... لكن المؤسف بل والمحزن انهم يعدون على اصابع اليد الواحدة. سألني احد الاصدقاء... وما العمل؟ فقلت له هناك حلان: ان يتسلح المعلقون بكل مقومات التعليق الرياضي المتكامل اسلوباً ومعلومات، وأن يسعوا الى تقديم ما يلقونه علينا في شكل رشيق مبني على المعلومات المفيدة وخال من التعقيد في الشرح والالقاء حتى يسهل على المتلقي ان يستقبلهم بشوق لأنه يفهم كلامهم ويسر به بغض النظر عن انتمائه الرياضي الى هذا الفريق او ذاك... لكن الوصول الى ما نطالب به يتطلب السير في طريق طويلة وصعبة جداً يفضل الكثيرون من معلقينا الابتعاد منها، خصوصاً هؤلاء الذين تقدم لهم المباريات على صحون من ذهب لسبب أو لآخر. وأما الحل الثاني، فهو ان تفعل كما يفعل الكثيرون وتغلق زر الصوت في جهازك، وقم بنفسك لنفسك بالتعليق على احداث ما تشاهده! الخطأ في حد ذاته ليس عيباً، وليس هناك بشر معصومون منه... ووقوع المعلقين في هفوات وتجاوزات ليس هو المشكلة في حد ذاته، وانما تكرارها ومن دون اي مبالاة هو المصيبة بعينها. طبيعي جداً ان يخطئ من يعمل، لكن ان يبني العمل على الخطأ فهذا أمر مرفوض تماماً في التعليق الرياضي شأنه شأن أي مجال آخر... والخلاصة تكمن في ان المشاهد يحب المعلق الذي يمده بمعلومات كثيرة في كلمات قليلة واضحة من دون "حكي ما إله معنى" او "رغي واستعراض عضلات وفذلكة" او"سوالف خالتي قماشة" التي لا يستفيد منها المتلقي حتماً. ومن المفترض ان يعتمد التعليق الرياضي على عنصرين اساسيين هما الثقافة الرياضية وفن الالقاء، ومن الضروري جداً توافرهما معاً في كل معلق. واذا اسقطنا احد العنصرين فستهبط نسبة النجاح الى الحد الادنى، لأن المعلق الذي يملك الثقافة الرياضية ولا يجيد فن الالقاء قد يبدد معلوماته بسردها في اوقات غير مناسبة ... ومن يملك موهبة فن الإلقاء من دون تعزيزها بالثقافة الرياضية قد ينجح في كسب ود المتلقي لكن من دون احترامه لأنه لا يمنحه ما يطلبه من معلومات اساسية. والتعليق في التلفزيون هو السهل الممتنع بعينه... سهل لكون عين المشاهد تساعد المعلق على ادراك اصعب الاشياء من دون جهد لشرحها... وممتنع كون المعلق عليه ان يأتي بكلام جميل يناسب حلاوة الصورة بل ويأتي بما هو خلف الصورة متمثلة في المعلومات القيمة التي تتناسب مع الحدث الذي يتابعه المشاهدون. ويعتقد الكثيرون، ونحن من بينهم، ان التخصص في التعليق على لعبة واحدة عامل اساس في نجاح المعلق الرياضي، وهو عندما يتخصص ويكد ويتعب في التحضير للمباريات التي يعلق عليها ويخلص لمهنته حين يقدمها يكون وصل الى درجة خبير. ولا بد من الاستعداد لكل مباراة من الصفر، وأن يتعامل المعلق مع كل منها وكأنها الاولى في حياته. ويجب الا يفوته تجهيز المعلومات المطلوبة لكل مباراة وهي تختلف طبعاً بحسب اهمية المباراة وطرفيها وإيقاعها وسرعتها. نتمنى ان يدرك المعلقون ان الطريق صعبة لأنها لا تتوقف عند ارضائهم المسؤولين عنهم فقط، أو على مدى تقبلهم من الناس وما يقدمونه لهم من كلام قد لا يخرج عن القواعد المرعية فعلاً ولكن بأسلوب تصعب متابعته... وفوق كل ذلك عليهم ان يبتعدوا من الاجتهاد، خصوصاً في الامور الفنية لئلا يخسروا كثيراً من احترام المشاهد الذي يضطر في النهاية الى اغلاق زر الصوت وربما الصورة ايضاً! ورحم الله الكابتن لطيف الذي أدخل اللعبة الى قلوب ملايين العرب بصوته العذب... ومن دون صراخ كالذي يعتمده غالب المعلقين اليوم وسيلة من وسائل النجاح المزعوم.