أكتب مع خلفية اجتماعات جورج بوش وآرييل شارون، فهما بعد ان اتفقا على الفلسطينيين، استدارا الآن الى العراق، وكل بلد عربي بعده. قبل يومين اتصل بي الصديق الدكتور زياد عسلي، رئىس اللجنة الاميركية - العربية لمكافحة التمييز في الولاياتالمتحدة، وذكرني بإعلان نشره يهود اميركيون في "نيويورك تايمز" في 17 تموز يوليو الماضي، ووقعه في حينه حوالى 500 منهم. الاعلان جاء على شكل "رسالة مفتوحة من يهود اميركيين الى حكومتهم"، وانطلق من المواجهة الدامية المستمرة ليقول ان البديل الوحيد للحرب هو تحقيق تسوية شاملة مبنية على اسس بسيطة وجذرية في آن، وتتلخص في: - الاقرار بأن حياة الشعبين الاسرائىلي والفلسطيني عزيزة في شكل متساوٍ. - للشعبين الاسرائىلي والفلسطيني حقوق متساوية في تقرير المصير والعيش بأمن وسلام. - للشعبين الاسرائىلي والفلسطيني حقوق مساوية ونصيب عادل من ارض فلسطين التاريخية ومواردها. والحل الأمثل لتحقيق هذه المبادئ، في رأي موقعي الرسالة، هو: - انشاء دولتين، اسرائىلية وفلسطينية، تتمتعان بسيادة وحقوق ومسؤوليات متساوية. - ترسيم حدود الدولتين على امتداد حدود ما قبل 1967، مع مراعاة تعديلات طفيفة متفق عليها من قبل الطرفين، ضمن مقايضة الارض بالسلام. - اخلاء المستوطنين الاسرائىليين لكل المستوطنات الواقعة داخل الاراضي المحتلة باستثناء تلك الواقعة ضمن الاراضي المتفق على مقايضتها. - اعتراف الفلسطينيين والعرب باسرائىل والكف عن المطالبة بأراضٍ أخرى. - قبول الفلسطينيين بتحديد حل موضوع "حق العودة" من خلال دفع تعويضات مالية للاجئين فقط. الدكتور عسلي ابلغني ان عدد موقعي الرسالة من اليهود الاميركيين ارتفع الآن الى اكثر من ثلاثة آلاف، كل واحد منهم لا يوافق على ما ترتكب حكومة آرييل شارون بحق الفلسيطينيين. والواقع ان وراء الرسالة جهد استاذين جامعيين هما آلان سوكال [email protected] وبروس روبنز من دائرة الانكليزية والادب المقارن في جامعة كولومبيا، [email protected] ولعل من القراء من يريد ان يتصل بهما لشكرهما على عملهما من اجل السلام. طبعاً في مقابل ثلاثة آلاف يهودي طيب، هناك يهود اميركيون متشددون يؤيدون الممارسات الهمجية لحكومة شارون ويشجعونه على ارتكاب المزيد منها، تماماً كما يوجد عرب طيبون، وعرب سيئون. على خلفية كل ما سبق ربما تابع القراء خبراً خلاصته تعاظم الحملة في الجامعات الاميركية لمقاطعة اسرائىل والبضائع الاسرائىلية. وربما استغرب القارئ ان يعرف ان يهوداً اميركيين كثيرين يشاركون في هذه الحملة، بل انهم يقودونها في هذه الجامعات. رئىس وزراء اسرائىل ينطبق عليه القول الاميركي انك لا تستطيع ان تخدع كل الناس كل الوقت، وقد كان بين الاسرائىليين الخائفين من الانتفاضة، واليهود الاميركيين الذين يؤيدون اسرائىل من دون سؤال من حاول ايجاد الاعذار له في البداية، الا انه بات واضحاً ان مجرم الحرب هذا لا يملك برنامجاً سياسياً من اي نوع، وانما يسعى الى حل بالقوة لا يمكن تحقيقه، مهما كانت القدرات غير متكافئة. أتوقف هنا لأقول ان توماس فريدمان الذي يكتب في "نيويورك تايمز" من اليهود الطيبين، فهو يريد حلاً مقبولاً بين الفلسطينيين واسرائىل، الا ان التزامه العضوي باسرائىل يعميه احياناً عن الحقيقة. وهو رد قبل يومين على مقال نشرته "واشنطن بوست" وتحدثت فيه عن الحملة في الجامعات الاميركية لمقاطعة اسرائىل والشركات التي تتعامل معها. ووجدت رده خاطئاً حتى لا اقول اكثر، فقد اعتبر مقاطعة اسرائىل نوعاً من الرياء او النفاق. كيف ذلك؟ هو يقول ان اسرائىل قدمت تنازلات يفصلها بنسب مئوية، وهذا صحيح، الا ان اسرائىل كافأت نفسها على الاحتلال بدل ان تطالب بدفع تعويضات، ولم يعط الفلسطينيون حدوداً، او سيادة على الحرم الشريف. فإذا كان ما قدم ايهود باراك "غير مسبوق"، وهذا صحيح ايضاً، فإنه يبقى غير مقبول. ويزيد فريدمان الذي نفترض فيه المعرفة شيئاً غريباً، فهو يسأل لماذا لا تحاسب مصر بعد سجن المدافع الرئىسي عن الديموقراطية، او سورية على احتلالها لبنان 25 سنة او المملكة العربية السعودية على حرمانها النساء حقوقهن. لو افترضنا ان كل هذا صحيح، وهو ليس كذلك، فإنه لا يبرر جرائم اسرائىل التي جعلت يهوداً اميركيين يهاجمونها. ومنطق فريدمان هو ان مصر وسورية والمملكة العربية السعودية اخطأت، لذلك تستطيع اسرائىل ان "تجرم". غير ان كلامه خطأ مرة ثانية والرد عليه في كلمة ديموقراطية، وأنا قطعاً مع عدم محاكمة الدكتور سعد الدين ابراهيم ومع عدم الحكم عليه، الا انه لو جرى استفتاء حوله لأيّد الحكم. وأوضح من ذلك وضع سورية ولبنان، فأي استفتاء لبناني سيؤيد الوجود السوري في لبنان، طالما ان اكبر طائفتين في البلد، السنة والشيعة، معه بنسبة عالية جداً. وستكون نسبة استفتاء على حقوق النساء في السعودية أعلى منها بكثير من نسبة استفتاء على قضية الدكتور سعد الدين ابراهيم في مصر، او قضية الوجود السوري في لبنان، فالسعوديون محافظون جداً وأي استفتاء ديموقراطي سيثبت ذلك. اعرف ان كثيرين لا يحبون ان يسمعوا هذا الكلام، الا انه الحقيقة، وهي حقيقة لا يغير منها انها لا تعجب فريدمان، او ان الديموقراطية غائبة عن البلدان العربية. واذا استثنينا العراق، فإن الدول العربية غير الديموقراطية لا ترتكب الجرائم كما تفعل اسرائىل الديموقراطية جداً كل يوم، ثم يستقبل الرئىس بوش السفاح شارون كأنه انسان سويّ للاتفاق معه على بقية العرب.