الحرب على الارهاب نجحت عسكرياً وفشلت إعلامياً، مع ان هذه الحرب مشروعة مبررة، بالنظر الى ما تعرضت له الولاياتالمتحدة من ارهاب. ولا يمكن أن نعزو الفشل الاميركي في كسب العرب والمسلمين الى عدم المحاولة، فالادارة الاميركية حاولت جهدها، أو ما تعرف، وقد أنشأت مع بدء العمليات العسكرية مركز اعلام التحالف، للرد على اسئلة الصحافة وممارسة نوع من العلاقات العامة، ولم يبق مسؤول كبير في الادارة إلا وخاطب العرب والمسلمين في مقابلات عبر الصحف والتلفزيون وربما زدنا هنا جهد رئيس الوزراء توني بلير نيابة عن الاميركيين واصراره ان الحرب على الارهاب لا الاسلام. بل ان الادارة الاميركية عينت وكيلة لوزارة الخارجية مسؤولة عن الديبلوماسية والشؤون العامة، وهي صفة رسمية ترجمتها وكيلة وزارة للدعاية. واختير للمنصب الجديد شارلوت بيرز التي ترأست يوماً اثنتين من أكبر شركات الاعلان في البلاد، ونظمت حملات الدعاية لرز "أنكل بن" و"أميركان اكسبرس". واستعانت الوزارة معها بديبلوماسي متقاعد هو كريس روس، السفير السابق في دمشق، وهو صديق قديم يتكلم العربية كأهلها، ويتمتع بثقة المسؤولين العرب الذين تعامل معهم عندما كان الرئيس الراحل حافظ الأسد يسمع ان روس يريد مكالمته كان يسأل: روس تبعنا أو تبعهم؟ ويقصد هل المكالمة من السفير روس او من منسق عملية السلام دنيس روس. شارلوت بيرز بدأت حملتها الدعائية بإعلانات تعرض جوائز مالية لتقديم معلومات صحيحة عن الارهابيين المطلوبين، إلا أن الحملة وقعت في أخطاء فاضحة تناقلتها الصحف، ومنها "الحياة"، فلا أكرر ما نشر، وإنما أستعين بمثل من جريدتنا هذه يوضح عمق المشكلة، فالزميلة راغدة درغام أجرت مقابلة مع مستشارة الأمن القومي كوندوليزا رايس فكانت رسالة الآنسة هذه "لا تعايش مع صدام حسين، وعلى سورية ولبنان وقف دعمهما حزب الله". هناك عرب كثيرون، أنا منهم، يدركون صعوبة التعايش مع صدام حسين، غير ان القضية الأهم هي معاناة شعب العراق بسبب العقوبات المستمرة. ونحن نرى ألف قرار دولي لم ينفذ، خصوصاً القرارات المتعلقة باسرائيل، ثم نجد الولاياتالمتحدة تخوض حرباً باردة يوماً، وحامية يوماً آخر، لتطبيق القرارات على العراق، ثم تتهم حركة تحرر وطني بالارهاب، ولا ترى إرهاب الاحتلال الاسرائيلي. أسأل بعامية تفي بالغرض أكثر من الفصحى: اشمعنى العراق. واشمعنى حزب الله؟ ثم أذكّر الولاياتالمتحدة التي راحت ضحية ارهاب مجرم بأنها تؤيد الارهاب الاسرائيلي كل يوم، ولن توجد حملة دعائية، ولو لفّت العالم، ستقنع العرب والمسلمين ببراءتها من جرائم اسرائيل ضد الفلسطينيين وبقية العرب. ما أقول هو أن المطلوب من الولاياتالمتحدة افعال تعكس موضوعية وفهماً وصداقة متبادلة، لا دعاية ممجوجة من نوع تجاري مجبول بالكذب. واذا كانت فلسطين مثلاً صارخاً دامياً، فإنني أستعين بمثل افغانستان، فقد كانت الحرب على طالبان فيها هي ما جعل الولاياتالمتحدة تخوض حرباً دعائية موازية لشرح موقفها والدفاع عنه. شخصياً، أصدق كلام الرئيس بوش ورئيس الوزراء بلير ان الحملة ليست على الاسلام والمسلمين، وإنما هي على الارهاب. ورأيي أن بوش وبلير يقولان هذا الكلام ويعنيان ما يقولان باخلاص. مع ذلك قائمة القتلى من المدنيين في أفغانستان تتصاعد، وقد كفتني "واشنطن بوست" يوم الجمعة الماضي مؤونة البحث، فهي سجلت في تحقيق طويل عدداً من الغارات التي قتل فيها مدنيون، أي مسلمون، بما في ذلك الغارة التي قتلت 60 من شيوخ القبائل كانوا في قافلة متجهة الى كابول لحضور تنصيب الحكومة الموقتة في 20 من الشهر الماضي. ما استوقفني شخصياً في التحقيق وفي أخبار اخرى بين يديّ وقبله وبعده أن هناك نوعاً من الغطرسة، أو اللامبالاة، بالضحايا، ففي كل مرة تتردد اخبار عن ضحايا من المدنيين تنكر وزارة الدفاع ذلك، وتصر على أن الغارة تبعت معلومات استخبارات أكيدة. الأكيد الذي أعرفه هو أن "النيران الصديقة" في حرب الخليج أوقعت من القتلى بين قوات التحالف أكثر مما أوقعت القوات العراقية، وان هذا الاتجاه استمر في أفغانستان وتضاعف، والقتلى كلهم من المسلمين. وحرب الخليج تذكرني بقصة مشابهة، فقد نفت وزارة الدفاع الاميركية والبريطانية بشدة وحدّة أي علاقة بين تلك الحرب والأمراض التي أصابت جنود التحالف، وأصرت على مدى عشر سنوات على عدم وجود علاقة بين اليورانيوم المستهلك في القنابل وأي مرض. غير ان القارئ ربما فاته وهو مشغول بالحرب على طالبان خبر اميركي وزع في العاشر من الشهر الماضي، فقد أثبتت دراسة رسمية علاقة الحرب بمرض عصبي قاتل اسمه الطبي لو غيرنغ، وتقرر دفع تعويضات للمصابين. اليوم انكار وزارة الدفاع الاميركية اصابة المدنيين يذكرني بإنكارها مرض الخليج، ولا يبقى إلا أن ننتظر اعترافها بالاصابات المدنية غداً أو بعد سنة أو عشر. وأعود الى ما بدأت به، فالولاياتالمتحدة محقة تماماً في حربها على الارهاب، ويجب على العرب والمسلمين كلهم تأييدها وانجاح هذه الحرب. غير أن الولاياتالمتحدة لن تكسب العرب والمسلمين بكلام منمق في حملات دعائية، وإنما بالأفعال، من الاحتلال في فلسطين الى المدنيين في أفغانستان، مروراً بحركات التحرر الوطني الاسلامية وغيرها في البلدان العربية.