عندما طلبت من احد الأصدقاء السعوديين مساعدتي في مقابلة "حاج متولي سعودي" قال لي بالحرف الواحد "امجنون انت" عندها اعتقدت انني أسأت الأدب حتى أكمل بقية جملته "كل من تقابلهم من السعوديين في مجلسنا كل خميس هم حاج متولي، فالقاعدة هي الجمع بين الزوجات وليس الزوجة الواحدة". وعلى رغم ما في هذا القول من مبالغة، إذ يصعب تصديق ان شعباً بكامله يكون جميع رجاله متزوجين بامرأتين او اكثر، أو تكون جميع نسائه "ضرات"، وجدت في هذا القول حيزاً كبيراً من الحقيقة. فغالبية رواد مجلس هذا الصديق الذي يعقد مساء كل خميس من الذين يجمعون بين زوجتين، ومن لم يكونوا كذلك فإنهم يؤيدونه ما خلا قلة ترفض الفكرة. والفقهاء، وإن اختلفوا على الأصل في الزواج، هل هو التعدد ام الزوجة الواحدة إلا انهم جميعاً اتفقوا على ان الجمع بين زوجتين او ثلاث أو أربع لا يخالف الشريعة الإسلامية إذا استطاع الزوج العدل بين زوجاته. جليل بن سميحان الرويحلي، وعلى رغم انه سبق وجمع بين زوجتين، يرفض هذه الفكرة رفضاً مطلقاً ويبرر زواجه بأخرى بانقطاع زوجته عن الإنجاب بعد ابنه الأول ورغبته في ان يكون لديه ابناء اكثر الى أن اكتشف ان زوجته الثانية لن تنجب في الوقت الذي عادت الأولى الى الإنجاب فطلق الثانية. ويتهم الرويحلي كل من يتزوج بأخرى بأنه "لا يفكر في مصلحة الوطن" لأن تعدد الزوجات يسبب الكثير من المشكلات الأسرية وضغطاً على الخدمات الحكومية من تعليم وصحة، إضافة الى تكاثر حالات الطلاق التي يعاني نتائجها السلبية الأولاد والأطفال. ويؤكد انه لا يقبل بزواج ابنته برجل متزوج ولو كان صاحب ثروة لأن العدل بين الزوجات صعب بل يكاد ان يكون مستحيلاً، بحسب ما ورد في القرآن "ولن تستطيعوا ان تعدلوا بين النساء ولو حرصتم فلا تميلوا كل الميل فتذروها كالمعلقة". ويوافقه رأيه تركي بن فيصل الرشيد ويقول: "إذا كنت ذا مقدرة مالية وتزوجت بأخرى فأنت غلطان، وإذا كانت فقيراً وتزوجت بأخرى فأنت مجنون. ولذا لا أفكر في الزواج بأخرى أبداً حتى لو أتاح لي الشرع ذلك لأن الشرع لم يطلق يد الزوج في الزواج باثنتين أو ثلاث أو أربع إلا بشروط أولها وأصعبها ايضاً هو العدل، ولا أظن ان اي رجل يستطيع العدل بين الزوجات في كل شيء، وإذا استطاع ان يعدل في المال فلن يعدل في الأمور الزوجية الأخرى". ويضيف: "إذا كان المرء الآن يجد صعوبة كبيرة في متابعة الأولاد في الدراسة فما بالك اذا تزوج بأخرى وأنجب منها اولاداً يحتاجون الى المتابعة اليومية، فكيف سيوفق بين ابناء الأولى وأبناء الثانية، وهنا سيجد المرء انه يعدل في الظلم فقط بأن يحرم الجميع من حقوقهم وهذا لا يجوز شرعاً". ويستشهد على ذلك بما ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم بأن من الأفضل ترك الأبناء اغنياء بدلاً من تركهم في حاجة للآخرين. اما دعسان هجهوم الخليل الشمري المتزوج باثنتين فيعزو اسباب انتشار تعدد الزوجات الى أن الشرع لا يمنع ذلك وبالتالي فمن الأفضل للزوج ان يتزوج بأخرى بدلاً من الذهاب في طريق الزنا. ويردد المثل الشعبي السعودي "واحدة للعيال وأخرى للفراش" فلكل واحدة متعتها ومذاقها الخاص. ويستمر في شرح اسباب تعدد الزوجات فيقول: "هناك عوامل اخرى كثيرة مثل حرص القبائل على عدم خروج بناتها الى قبيلة اخرى ما يؤدي الى ترغيب ابناء القبيلة في الزواج بأكثر من واحدة، الى جانب الطفرة المالية الكبرى التي شهدتها السعودية في السبعينات وما أدت إليه من وفرة مادية دفعت الناس الى التفكير في فتح اكثر من بيت لاعتقادهم ان المال هو الأساس في ذلك، وأخيراً انتشار العنوسة بين الفتيات السعوديات التي تصل نسبتها الى نحو 30- 35 في المئة ما يستدعي ترغيب الشباب في الزواج بأكثر من واحدة للتخفيف من حدة هذه المشكلة". ولا يمانع في زواج ابنته من رجل متزوج بأخرى إذا كان قادراً مادياً شرط موافقة الابنة على ذلك. ولا ينكر دعسان وجود مساوئ للزواج بأكثر من واحدة مثل كثرة حالات الطلاق والانحراف. ويرجع ذلك الى ضعف شخصية الزوج. ويعتقد ان الزوج القوي القادر سيستطيع منع حصول اي مشكلات بين الزوجتين، بل ويستطيع جمعهما في منزل. اما عايض غازي المتزوج ايضاً باثنتين فيعزو اسباب التعدد الى العشق، فهو السبب الرئيس في الزواج بأكثر من واحدة، والإنسان لا يستطيع ان يتحكم في من يحب. وبدلاً من الاتجاه الى سلوك طريق الحرام فلماذا لا يتزوج بمن يحب في الحلال ولو بأكثر من واحدة. ويضيف: "كما ان الرجل يبحث دائماً عن الانتساب لعوائل وقبائل كبيرة تكون له عزوة وقوة فنحن شعب قبلي وكل منا يفخر بقبيلته وأسرته وهذا احد اسباب الزواج المتعددة". مبررات وأقنعة امل الحسين صحافية ترى أن الخوف من العنوسة ليس مبرراً لزواج الفتاة من رجل متزوج. وتقول: "أنا شخصياً لن اقبل ان اكون زوجة ثانية مهما بلغت سني، حتى لو كان الزوج مليارديراً، وعلينا نحن كبنات ان نزيل الصورة التي طبعت في اذهان الشباب من اننا بضاعة موجودة في السوق يحصلون عليها وقتما شاؤوا وكيفما شاؤوا". وتعتبر ان كل التبريرات التي يسوقها الرجال للزواج بأخرى مثل القضاء على العنوسة أو ان الشرع اباح ذلك كلها مبررات او اقنعة وأن السبب الرئيس في الزواج بأخرى هو البحث عن المتعة فقط بغض النظر عما تجلبه من مشكلات والدليل على ذلك وجود رجال يعيشون على الإعانات ويتزوجون بأربع نساء. وتعتقد الحسين ان مستوى التعليم، وإن كان عاملاً مهماً، فليس هو العامل الوحيد في دفع البنات للزواج برجل متزوج لأن هناك طبيبات وأساتذة جامعة قبلن ان يكن زوجات ثانيات. وتخالفها في ذلك السيدة زهور ام فهد الموظفة في جريدة "الرياض" التي تتساءل: "ما يضر المرأة ان تكون زوجة ثانية ما دام الأمر مباحاً شرعاً وما دام الزوج يستطيع العدل؟". وتحكي قصتها فتقول: "أنا شخصياً تزوجت مرتين وفي كل مرة كنت زوجة ثانية. ففي المرة الأولى تزوجت وعمري 14 عاماً واستمر زواجي نحو 15 عاماً وأنجبت ولدين وابنتين وتم الطلاق، ثم تزوجت زوجي الحالي سائق الذي توفيت زوجته الأولى وتركت له خمسة ابناء، وتزوج بثانية ثم بي لأقوم بتربية ابنائه من الزوجة المتوفية". والغريب ان ام فهد تقول: "لو كنت الزوجة الأولى لاشترطت عليه ألا يتزوج بأخرى لأنني لا أقبل ان اكون ضرة لزوجة بعدي". وتضيف: "اشترطت على زوجي الحالي إذا أراد ان يتزوج ان يتركني في منزلي ولا يطلقني". وتؤكد ان زوجها يعدل بينها وبين زوجته الأخرى وأنهما مقيمتان في منزل واحد في شقتين منفصلتين. وتقول: "زوجي يبيت ليلة عندي وليلة عند زوجته الأخرى وأنا وهي كالأخوات لم نختلف ابداً". غير ان الجمع بين زوجتين لا يخلو من مشكلات يتحملها المجتمع، كما تقول ام فيصل عضو احدى الجمعيات الخيرية التي تؤكد ان معظم حالات التعدد تكون في الريف بسبب انخفاض كلفة الزواج، وعدم وعي البنات بسبب عدم تعليمهن، الى جانب رغبة الأب في التخلص من البنت فيزوجها لأي رجل، شاباً كان او كهلاً، الى جانب الخوف من العنوسة. وأخيراً لأن فكرة التعدد ليست بعيدة عن الفتاة الريفية إذ تجد أباها وجدها متزوجين بأكثر من واحدة وتكون المحصلة في النهاية الكثير من المشكلات المادية والاجتماعية التي قد تؤدي الى الانحراف. وتشير ام فيصل الى بعض الحالات التي تحصل على إعانات من الجمعية مثل احد الرجال المتزوج من اربع نساء ولديه 32 طفلاً ولا يعمل، وآخر تزوج وعمره 60 عاماً ولديه الآن 25 طفلاً من ثلاث زوجات ويعيش على الإعانات، وثالث لديه 17 طفلاً وطفلة من زوجتين ويعيش على الإعانات ايضاً، ورابع راتبه 3 آلاف ريال وأراد ان يتزوج من ثانية فطلق الأولى لعدم قدرته على الإنفاق على اثنتين، وخامس لديه 12 طفلاً من زوجتين ويعيشون جميعاً في شقة من اربع غرف. وتعزو ام فيصل هذا التعدد الى رغبة الرجل في المتعة فقط وإلى رغبته في تغيير المتعة من واحدة الى أخرى وليس لوجود عيوب في زوجته الأولى. اما الدكتورة فوزية البكر الأستاذة المشاركة في كلية التربية في جامعة الملك سعود فترجع هذه الظاهرة الى قبول المجتمع السعودي والخليجي لها ونظرته للزوجة الثانية كنظرته الى الزوجة الأولى عكس الدول الأخرى التي تعتبر الزواج بثانية جريمة أو عيباً أخلاقياً. وتقول ان تعدد الزوجات منتشر في القرى بشكل كبير لأن الناس يحضون الشباب على الزواج بأكثر من واحدة بلا مبرر مع ما يؤدي إليه ذلك من مشكلات كبيرة من صراع بين الزوجات، وتفكك الأسرة، وضعف موقف الزوجة الأولى، اي ان الزواج بأخرى يخلق ميدان صراع للزوج بلا مبرر.