لم أكن أعرف ان تلك الايماءات للفت نظر فتاة الشرفة، المحاذية لمكان عملي في شارع الحمراء، ستكون خطوتي الى أول علاقة حب، ستترك في نفسي أثراً لم يزل يؤلمني. تلك الصبية التي أشعرتني بنبض قلبي حين رأيتها للمرة الأولى، عبر نافذة المكتب، لم تكن تشعر بوقع ناظري، على حركاتها وسكناتها التي كنت اراقبها، وأترقب اللحظة التي تبدو لي خلالها حين تجلس خلف الزجاج في الغرفة أو حين تخرج الى الشرفة. رحت كلما أطلت، أومئ لها أو أفعل أي حركة لألفت انتباهها، وبعد محاولات عدة لاحظتني. فأشرت اليها، موحياً برغبتي في التكلم معها، فهزت رأسها غير مبالية ودخلت! وبعد تكرار المحاولات أومأت إليّ، بأن "أوقف هذه الحركات واجلس مكانك". فأجبتها ايماءً أيضاً، بأنني أريد التكلم معها. فأوحت بأنها تريد رقم هاتفي. أعطيتها الرقم بأصابع اليد، من دون ان أعرف متى ستتصل. حين عدت الى المنزل مساءً، اتصلت فردّ شقيقي. فسألَته هل أنت الذي تعمل في شارع الحمراء؟ وأجابها "ان الذي تقصدينه هو أخي"، وأعطاني سماعة الهاتف. سمعت صوتها فاعتراني شعور لا أعرف له وصفاً. وسألتها ما اسمكِ؟ فأجابت "رانيا". ثم سألت، وأنتَ؟ فقلت "فيصل". اتفقنا على أن نلتقي حين تسنح لها الفرصة بذلك. ابتكرنا لغة بالاشارات. وبهذه اللغة قالت لي بعد أيام، إنها تريد مقابلتي. عند زاوية الشارع الذي يفصل بين مبنى المؤسسة التي أعمل فيها ومنزلها، كان لقاؤنا الأول. وكان مملوءاً بالارتباك والخوف وكذلك التردد الذي زاده حضور رفيقتها معها. تلعثم لساني ولم أعد قادراً على صوغ كلمات حفظتها قبل اللقاء. ما كاد ذاك اللقاء ينتهي، حتى غدونا متحابين. كبر حبنا. تعمقت العلاقة. التقينا كثيراً. عرف أهلها. مانعت أمها. خرجنا سراً مع عمتها. ضبطنا عمها. دعاني والدها الى ملاقاته بعد قداس يوم الأحد، فقصدته وطلب مني أن أبدل ديني. على رغم سوداوية الظروف بقيت الى جانبي. وكان غرامنا أقوى من ضغط أهلها ولكماتهم التي طالتها أحياناً. لكن ذلك الحب أصابه تعب، زاد من مرارته غيرتنا وتكبرنا وعنادنا، الى ان تلاشى وانقطعت حباله غير المرئية بين شرفتها ونافذة المكتب. ولا تزال ستائرهما تخفي وراءها قلبين خفقا لخمس سنوات عبرت ... كخمسة أيام.