* في لحظة قدر، وهو يجلس في المقهى البيروتي رآها، فزّ قلبه لقدومها قبله، وارتعشت أطرافه، تلعثم فلم يدرِ ما يقول، ارتبك وحاس في نفسه.. سرح مع ذاته وكأنه يعيش لحظات حلم، اختفى صوته.. كانت على قدر كبير من الجمال.. عيناها تشعّان بالحيوية.. كانت ترتدي رداءً من الكتان الأبيض، وفى يدها حقيبة جلد من ذات اللون.. وفي أحد أصابعها خاتم من الذهب الأبيض.. شعرها أسدلته على كتفيها.. بدت له إلهة جمال، وأيقونة حسن. * أراد أن يحييها فلم يعرف كيف يبدأ.. ربما تصده وهو لا يقبل الصد.. أو ربما تهمله فتزيده إحراجًا بين أصحابه.. كانت له المرأة التي طالما رآها في أحلامه.. شعر وكأنه يعرفها من سنين.. جمالها سلبه لبه، وأناقتها هزت أحاسيسه.. خاف أن تفوت عليه اللحظة فتتبدد أحلامه. وفيما يشبه المفاجأة جلست إلى الطاولة التي بجواره.. زاد ارتباكه ولم يعد يدرى أيفرح بقربها إلى جواره، أم يتخوف في أن ترى ذلك الارتباك، فتتحول نظراتها إلى شفقة عليه.. لاحظت هي ذلك وفيما يشبه الصدمة له قالت: ألست فلاناً الكاتب.. وقبل أن يرد استرسلت: أنا أقرأ لك، وتعجبني جرأتك في كثير من مواضيعك. * أجاب والعرق يملأ يديه: نعم أنا هو.. أراد أن يسترسل فخذله صوته، وغابت الكلمات من فمه.. أدار وجهه إلى جهة أصدقائه، وكأنه يبحث عن معين.. استجمع شجاعته وهو يعلم أنه في لحظة حاسمة من حياته.. فقال لها: شهادتكِ وسام أعتز به.. لكنني لا أعرفكِ مَن أنتِ..؟!. ستعرف في حينه.. أجابته: ثم التفتت إلى صديقاتها.. وتركته يضرب أخماسًا في أسداس.. يُفكِّر كيف يكمل حديثه معها، ولا يترك مجالاً لتفويت اللحظة القدرية التي ربما لن تتكرر.. لكن خجله حال بينه وبين إكمال الحديث. * تذكَّر حالات السأم وحياة الضجر التي يعيشها.. تذكر كيف كان يبحر دون هدى.. ويهيم بلا وعى.. تذكر جفاف أيامه.. وتيبّس مشاعره.. وفقر عاطفته.. فتساءل مع نفسه: أيعقل أن يكون القدر كريمًا معي.. فتكون هي قدري القادم..؟!. هل هي الصدفة لا غير، أم أنها قطرة الغيث التي طالما حلم بها..؟! أتكون شلال المطر الذي سيروي جفاف أيامه، ويحيى روحه، ويعيد لها بهجتها وسكونها..؟! هل هي الغيمة التي ستروي ظمأ عمره، وعطش روحه.. أم أنها عابرة لا غيث و لا مطر..؟! * مرت أيام وهو لم ينقطع تفكيرًا فيها، وفي كل لحظاته يتساءل: كيف سيراها مرة أخرى؟ وما عساه يقول لها وهو لا يعرف عنها سوى تلك اللحظات الخاطفة والقدرية..؟! هل يسأل عنها؟ ومن أين يبدأ في البحث عنها..؟! تساؤلات لم تزده سوى حيرة. وفى يوم وهو في مكتبة يتصفح رواية أنا كرنينا لعظيم روسيا الروائي تولستوي، سمع صوتها تقول له: رواية رائعة قرأتها عدة مرات.. فتأمَّل غلاف الرواية فإذا فتاة الغلاف شبيهة برفيقته.. قال لها والمفاجأة أكبر ممّا سيقول أتعرفين أنها تشبهكِ كثيرًا.. فردت في دلال أعرف، ولهذا أحببت الرواية.. وبدون أن تودعه تركته في حيرة وارتباك جديد وكثير من التساؤلات تحتاج إلى شرح وإجابات..!! فاكس: 6718388 – جدة [email protected]