إن النظرة العابرة الى واقع عالمنا العربي البائس يؤكد الحال المتردية التي اصبحنا ندفع ثمنها بين ايدي الغريب المتربص، والقريب المتوحش الذي يسوم الشعوب اشد العذاب من تقتيل وتعذيب وتشريد، مما جرّأ البعيد على سحق ما تبقى لشعوبنا من وجود في مهانة تامة. وتلك الصور المهينة "للعرب الأفغان"، مكبلي الأيدي والأرجل داخل اقفاص حديد في طريقهم الى معتقل غوانتنامو علامة على هذا الدرك الذي وصل إليه عالمنا العربي الذي لم يكلف نفسه مجرد تتبع هؤلاء المواطنين، مهما كانت الجرائم الموجهة إليهم. فهم يحملون جنسيات هذا الوطن الكبير، ولهم حقوق، غير ان ساسة حكامنا أداروا وجوههم في خزي وعار وكأنهم غير معنيين جملة وتفصيلاً، على عكس ما فعلته بريطانيا، غير العربية، في متابعة "بريطاني" ضمن العشرين المحتجزين بغوانتنامو، وضغطها لتضمن له حقوقه الكاملة. هذا الوضع العبثي يدفعنا الى طرح سلسلة من الأسئلة جد أليمة وحرجة: هل هذه الحركات التحررية في الدول العربية كانت موفقة حين دفعت الثمن الغالي من اجل ان يتسلط بنو جلدتنا، ويصادروا ثمار تضحيات اجيال؟ هل هذه الحركات كانت على صواب في تغاضيها عن فساد وانتهازية ذوي القربى؟ ألم يكن من الأجدر تطهير الصفوف الداخلية قبل طرد المحتل؟ وهل هو مقبول - على ضوء ما نعيشه اليوم - اعتبارهم قد نجحوا في تحديد اولويتهم في طرد الأجنبي، وإرجاء النظر الى فساد العنصر "المحلي" الى ما بعد، كما اجتهد هؤلاء؟ والفرصة لا تزال سانحة امام الشعب الفلسطيني للإفادة من هذا الدرس الأليم، فيختصر الطريق، ويوفر على البلاد المآسي. فما الجدوى من "استقلال" يتربع فيه الفاسدون والانتهازيون؟ هؤلاء الذين يبذلون اقصى ما يتخيله المرء من وحشية في حق الشعوب، ولو أدى ذلك الى إفنائها، ورهن قضاياها برمتها في مقابل الظفر بهيكل سلطة شكلية مترهل غاية "سيادتها" الاستماتة في القيام بدور المحتل الأجنبي بأيدٍ عربية؟ الخطر القاتل في هذه الحال انه يستحيل معهم خوض معركة "استقلال" حقيقية خشية الوقوع في فتنة الاقتتال الداخلي مع سلطة تحتكر وسائل القمع والتسلط، تارة باسم الشرعية، وتارة اخرى باسم الأسبقية في النضال، وتارة باسم الواقعية. ولا يفوت متتبع مسار هذه السلطة ذلك التشابه المطلق مع مثيلتها في العالم العربي، من حيث استبدادها بالرأي وقمع كل ناقد او معترض على سياستها، كما هو جلي هذه الأيام. ولا يخفى ان "مساندة" هؤلاء الانقلابيين لا الشعوب ليست في الدرجة الأولى، مؤازرة للسلطة بل خشية ان تعصف بهم "الانتفاضة" بعد ان افتضحوا. هناك اسطوانة يرددها بعض المتحدثين التبريريين عن ضرورة عدم "مد" شارون بالذرائع للقيام بجرائمه. وهو ما يفسر وقوفهم ضد عمليات المقاومة، ثم تبرير ملاحقة القائمين بها من اعتقال ومطاردة وقتل. لا بد من توضيح في هذا الباب: ليس الذي يصر على الدفاع عن النفس امام هذا العدوان من يعطي الذرائع لشارون! الذي يعطي الذرائع هو من يقول ان العمليات الفدائية إرهاب، المقاومة إرهاب، والكفاح المسلح إرهاب. فخير للسيد عرفات "ترك" هذه السلطة التي يراد لها أن تقتصر على دور الشرطي الحارس للأمن المحتل ويرتاح من هذه المهمة المهينة، ويترك لشارون مواجهة شعبه في ورطته التي يحاول ان يلصقها بالسلطة وبالشعب من خلال تحميلهما فشله ومجازره وإجرامه. خير للسيد عرفات ان يلتحم بشعبه، ذخره ولحمته الحقيقية، ولا يصغي الى بطانة السوء من حوله. الرباط - عكاشة ابو لقمان