كشفت "وكالة الطيران والفضاء الاميركية" "ناسا"، أخيراً عن أحدث ما بنته في مجال الانسان الآلي الروبوت. وأعلنت عن روبوتها الجديد "كريوبوت"، الذي انهى اخيراً سلسلة من التجارب في القطب الشمالي. والحال ان هذا الروبوت المبتكر متخصص في اكتشاف اعماق الثلوج وبواطن طبقاتها الكثيفة. واشتقت "ناسا" اسم روبوت الثلج هذا من ادماج كلمتين تشيران الى وظيفته. ويشير القسم الاول من الاسم، اي كريو الى البرودة في اللغة اللاتينية، وواضح ان الشطر الثاني "كريوبوت" أُخِذَ من كلمة روبوت. ولأنه متخصص في سبر اغوار الثلوج، تمثل نجاح "كريوبوت" في انه استطاع الغوص الى مسافة 75 قدماً في ثلج القطب الشمالي. وتمكن من الوصول الى هذه المسافة بفضل تزويده ب"انف حار". إذ ثبت مصمموه في نهايته مدفأة معدنية تصل حرارتها الى 195 فهرنهايت. وتذيب الحرارة الثلج، وتتولى شفاطات خاصة سحب المياة ليتسنى للروبوت المضي في الغوص. لماذا غواص الثلج الالي؟ وعلى رغم انفه المرتفع الحرارة، يحتوي جسم "كريوبوت" على كاميرات تصوير دقيقة، تبث مشاهد متواصلة عن طبقات الثلج التي تغوص فيها. وكذلك يضم ملاقط خاصة لجمع عينات ثلجية ومجسات لقياس المسافة ودرجة الحرارة والرطوبة وزود بمسبار حساس، يتجاوب مع وجود اي نشاط بيولوجي حوله. وهذا ما يوصل الى بيت القصيد، فالهم الاول لغواص الثلج الآلي هو محاولة الاجابة عن السؤال التالي: هل يمكن ان يعيش أي شيء حي في الاعماق الجليدية الفائقة البرودة لطبقات الثلج المتراكمة؟ وقد يستغرب كثيرون اذا عرفوا ان الاجابة على هذا السؤال هي "نعم"، ونعم كبيرة ايضاً! وهذا الامر هو اشد ما يغري وكالة "ناسا". فالمعلوم ان المريخ فيه مناطق شديدة البرودة، والمطلوب معرفة امكان ان تكون بعض اشكال الحياة موجودة تحت سطحها. وينطبق التساؤل نفسه على مجموعة اجرام في الفضاء، وخصوصاً القمر "اوروبا" التابع لكوكب المشتري. فقد أظهر كثير من الصور مساحات واسعة من "اوروبا" مغطاة بقشرة جليد؟ هل من الممكن ان تعيش بعض انواع البكتيريا أو الطحالب او حتى النباتات تحت تلك القشرة الباردة؟ ربما يتعين على "كريوبوت"، او أحد انساله ربما، الاجابة على مثل تلك الاسئلة. والحال ان بعضاً من العلماء يأملون في شيء آخر. فاذا كان هناك امكان ان تعيش بعض الاشياء في برد قارس، او تحت الثلج ومن دون توافر الهواء، فلعل هنالك امكان للزراعة على سطح المريخ او في أقمار المشتري. ويعتبر توافر الزراعة من الشروط الاساسية لمشاريع سكن الانسان في الكواكب الاخرى، وهو حلم ما فتئ يراود أدمغة الكثيرين ومخيلاتهم. فهل صنعت "ناسا" غواصها الالي، بتكلفة 3،1 مليون دولار لروبوت طوله متر واحد وعرضه 12 سنتيمتراً ليجيب عن اسئلة الفضاء فقط؟ الارجح ان الجواب هو...لا، هذه المرة. وعلى الارض هنالك اماكن كثيرة تستفيد من المعلومات عن عيش الاشياء في ظروف برد شديد. ولربما يأمل البعض في التوصل الى ابتكار طرق لزراعة بعض المناطق القطبية. وليس النبات وزراعته هما الشواغل الوحيدة في اكتشاف طبقات الثلج. فالمعلوم ان مناخ الارض موضع اهتمام متزايد، وثمة جدال علمي حاد عن مسألة حرارة الارض على سبيل المثال. وظهر هذا الخلاف الى العيان تكراراً، خصوصاً عندما اعلنت اميركا انسحابها لوحدها من بروتوكول "كيوتو" عن المناخ. واستندت اميركا الى وجهة نظر تقول ان ما تشهده الارض من ارتفاع في درجات الحرارة ليس مرده الى التلوث. وساقت في ذلك حججاً منها ان الارض عانت أحقاباً من الحرارة المرتفعة، وقبل ظهور الصناعة وملوثاتها بآلاف السنين. والمعلوم ان الطبقات الكثيفة من الثلج المتراكمة عند قطبي الارض هي بمثابة أرشيف لحال مناخ الارض عبر العصور. فهل يؤيد "كريوبوت" صنَّاعه الاميركيين ام انه يحضر لهم ما قد يفاجئهم؟ وبعتبر "كريوبوت" الاحدث في تطور علم الروبوت المخصص لاستكشاف الفضاء. ومن المعلوم ان وكالة "ناسا" اهتمت دوماً بتطوير روبوتات قادرة على ادارة مركبات الفضاء خلال مهام قد تستغرق سنوات او عقود عدة. ومن غير المتوقع ان تخلو مثل تلك المركبات من انواع روبوتات تكون مهمتها القيام بالاعمال المختلفة التي تتطلبها عمليات استكشاف الكواكب والنجوم والمجرات البعيدة. والجديد في "كريوبوت" انه اول روبوت يتم اعداده ليتوأم مع البيئة الخارجية القاسية في كواكب غير الأرض.