اظهرت معلومات جديدة كشفتها وكالة الفضاء الاميركية "ناسا" امس، بالاستناد الى صور مدهشة بثتها مركبة الفضاء "مارس غلوبال سيرفيور" من المريخ، ان مناخ "الكوكب الأحمر" يزخر بالنشاط، مع ظاهرات تشبه ما نراه على الارض، ربما باستثناء المطر. وهكذا، لم يعد المريخ "صحراء باردة وجافة" كما ترسخ في الاذهان من قبل. فها هي عاصفة وردية اللون تتصاعد كالدوامة في قطبه الشمالي، بينما تنطلق عشرات الاعمدة من الغبار في الجنوب وتتحرك كثبان رملية موشاة بقطع الجليد. واثار فضول العلماء وحيرتهم ما بدت للوهلة الأولى اشكالاً تشبه اشجار صنوبر متناثرة على تلال مترامية في القطب الجنوبي للكوكب، لكنه شيء مستحيل إذ تبلغ درجة الحرارة هناك 150 درجة مئوية تحت الصفر. وتراءى لهم في البداية ان تلك الاشكال، وغيرها من التشكيلات الدائرية، نجمت عن تفجر جيوب غاز صغيرة تحت كثبان الرمل. لكنهم توصلوا اخيراً الى ان الاشكال الداكنة ليست سوى بقع ناتئة من الرمل وسط كثبان يكسوها جليد ذائب. ومع حلول الربيع وارتفاع درجات الحرارة في الجزء الجنوبي من المريخ، يتسامى الجليد ويتحول مباشرةً الى غاز، على نحو ما يفعل "الجليد الجاف" على الارض. وعند هبوب الرياح تصنع من الجليد والرمال اشكالاً تشبه الاشجار عندما يُنظر اليها من الفضاء. وبخلاف الكثبان الرملية الضخمة التي صوّرتها رحلات اخرى لمركبات فضائية في السبعينات، تُظهر الصور الجديدة كثباناً أصغر حجماً. وعند التمعن فيها عن قرب، تبدو أشبه بحديقة يابانية مزينة بالحجارة، بما تحتويه من أشكال دقيقة رسمتها الريح في الرمل. وقال مايكل مايير من مكتب علوم الفضاء في "ناسا" ان "الانطباع الذي كان سائداً لدينا عن المريخ انه شيء بقي جامداً على حاله من دون تغيير على مدى ملايين السنين، لكن معاينة الصور الجديدة تكشف لنا كوكباً حيوياً وناشطاً". ويتكون معظم الجليد على المريخ من ثاني اوكسيد كربون متجمد. لكنه يتحول مع ارتفاع درجة الحرارة الى غاز بسرعة كبيرة. ويظهر الجليد في الليل، عندما تكون المركبة "سيرفيور" عاجزة عن الرؤية، لذا لا يعرف العلماء بعد ما اذا كان ينشأ على سطح الكوكب أم يسقط كثلج من الجو. كما يكسو الجليد قطبي الكوكب، وهو يتمدد ويتقلص تبعاً لتعاقب الفصول. وكانت "مارس غلوبال سيرفيور"، التي بدأت مهمتها في مراقبة الكوكب الاحمر في شباط فبراير الماضي خصصت ثلاثة اسابيع لمراقبة المناخ. وتمكنت كاميرا المركبة من أن تتابع كل ساعتين تنقّل جبهات عواصف ورياح غبارية شديدة تتحرك بشكل دائري باتجاه منطقة القطب الشمالي. وقال بيتر توماس، احد اعضاء الفريق الذي يشرف على الرحلة، أن عواصف الغبار تشكل "ظاهرة مناخية شائعة تحدث كل يوم" في منطقة "امازونيس بلانتيسيا". وأضاف أن اعمدة الغبار الدائرية هذه يمكن ان ترتفع حتى خمسة كيلومترات وتنقل حتى عشرات الاطنان من الغبار. وقد تستمر هذه العواصف عدة ساعات وتتنقل ببطء على السطح خلال الساعات الاكثر دفئاً في يوم المريخ في المساء. وستصل الى المريخ في وقت لاحق السنة الجارية مركبتان فضائيتان اخريان اطلقتهما "ناسا". ويتوقع وصول "مارس كلايمت اوربيتر" اليه الشهر المقبل لتجري المزيد من الدراسة التفصيلية لمناخ الكوكب. وفي كانون الاول ديسمبر المقبل ستقترب منه مركبة "مارس بولار لاندر" لتبعث اليه بمسبارين أصغر حجماً مهمتهما البحث عن الماء تحت سطحه. وستهبط "بولار لاندر" بعدئذ على موقع في القطب الجنوبي لاجراء فحص للتربة.