تتلخص مشكلات خريجي الجامعات السورية، وطابعها خاص، في سببين. الأول، خدمة العلم الالزامية. والثاني، "خدمة الريف"، المطلوبة بعد انتهاء الاختصاص، وقبل منح الإذن الرسمي بالعمل. ودمشق تفتح أبواب العمل أمام خريجيها، بالشهادة والمؤهل العلمي... وبالوساطة. واللافت في التجربة السورية حيوية القطاع الخاص الذي ملأ الفراغ في تحصيل اللغات الاجنبية ومهارات برامج الكومبيوتر، ما وفّر للخريجين السوريين هامشاً تنافسياً أوسع، وفتح أبواب عمل إضافية أمامهم. بالنسبة إلى أ. ي. أ. خريج الحقوق، لم يكشف اسمه لئلا يتضرر في الكلية وهو معيد فيها، لم تؤهله دراسته لممارسة مهنة المحاماة إلا بنسبة 30 في المئة، والحياة العملية تحتاج الى معارف، فحتى الوظيفة العادية تحتاج الى "وساطة ضرورية تماماً مثل المؤهل العلمي الذي بات شرطاً لازماً ولكن غير كاف"، أما السفر للعمل خارجاً فيستوجب "اتقان اللغة الإنكليزية وبرامج الأوفيس". أ. ر. خريج فرع الفيزياء 2001 تختلف مشكلته عن زميله، فاختصاصه يُدرّس جيداً، وربما "الأفضل بين الدول المجاورة"، لكن المشكلة أن العمل محصور في مجال التعليم، وهذا يستدعي وجود شاغر يحتاج الى "وساطة" لملئه، إضافة الى ضرورة اتقان الإنكليزية. ع.ع. خريج سكرتاريا 1998 واجه أيضاً عقبة اللغة الإنكليزية واتقان "الأوفيس" عند التقدم بطلب عمل في شركة خاصة، مع العلم أن "مئات الطلبات تقدم الى وظيفة واحدة، وعلى رغم أنني الأول على دفعتي إلا أن الأفضلية للجنس اللطيف مع أن بعضهن لم يتخرجن بعد". حكايا الخريجين تدعو الى الملل كونها متشابهة، فالجميع غير مؤهل للعمل لقدم المناهج وعدم مواكبتها المستجدات، إضافة لشبه استحالة المنافسة في سوق العمالة العربية ما لم تتقن الإنكليزية، خصوصاً في اختصاص كالسكرتاريا، ولكن، ما قد يشذ عن نمطية السيرة المكررة، هو عقبة إضافية تتمثل في عدم الموافقة على التوظيف، إلا بعد أداء خدمة العلم. ميشيل عربش سنة أولى دراسات عليا، قسم جراحة الفم يضيف الى مشكلة خدمة العلم، مشكلة خاصة بالأطباء وهي "خدمة الريف"، إذ يسعى معظم الأطباء الى الالتحاق بالدراسات العليا لتجنبها، أو إلى "السفر الذي يعتبر أيضاً حلاً لمن لا يريد أداء خدمة العلم، وهو حل يلجأ إليه أيضاً الخريجون ذوو المعدلات المخفوضة، فيما لا يفضل معظم الأطباء السفر لأنهم بعد عودتهم الى بلدهم سيبدأون من الصفر. كذلك العمل في الخليج لم يعد مغرياً لتدني الأجور". رافع العلي خريج فنون جميلة، اختصاص عمارة داخلية وديكور يعتبر أن "الكلية تؤهلك للعمل إذا كنت مجبراً، وهو محصور في القطاع الخاص حيث يتقاضى المهندس أجراً جيداً جداً، أما عند التوجه إلى سوق العمل العربي فهناك حاجة لإتقان الإنكليزية وبرامج الفوتوشوب أو الأوتوكاد و3DMAX، وما يفيدنا في ميدان المنافسة مع خريجي الدول المجاورة، وجود مقابلة عمل لمعرفة مستوى المتقدم". ربما كانت المشكلة الأكبر أنه عندما يتخرج المرء لا يعرف من أين يبدأ حياته المهنية، ويشعر بأنه تائه، وإذا لم يجد مكتباً يعمل فيه، يصبح مصيره مثل كثر من زملائنا الذين يعملون بغير اختصاصهم". 63 في المئة... بالوساطة وفي التقرير النهائي لمسح سوق العمل في سورية لعام 1998 تبين أن 7،34 في المئة لا يعملون في مجال دراستهم أو اختصاصهم، وأن هذه الظاهرة تركزت بين حملة الشهادة الجامعية 35 في المئة والسبب الأول 1،44 في المئة لا وجود لفرصة عمل مناسبة، فيما 9،21 في المئة لعدم كفاية الأجر. وبحسب دراسات نشرت نتائجها في صحيفتي "تشرين" و"البعث" سيلجأ 8،63 في المئة من 16635 خريجاً من جامعات دمشق وحلب واللاذقية وحمص الى أصدقائهم ومعارفهم للبحث عن عمل أي الوساطة، و8،17 في المئة عبر زيارة المنشآت، و1،8 في المئة من طريق وسائل الإعلام، و4،5 في المئة من خلال مكاتب التشغيل، إذ وصل عدد المسجلين في مكتب التشغيل التابع لمديرية الشؤون الاجتماعية والعمل في دمشق حتى 30/11/2001 نحو 18905، بينهم 2022 جامعيًا. بينما وصل عدد المرشحين للعمل لمصلحة الجهات العامة طالبة التعيين الى 1670 مرشحًا منهم 532 جامعيًا. أما المهاجرون الباحثون عن عمل خارج سورية فسيلجأ 71 في المئة منهم لمساعدة قريب أو صديق، و11 في المئة من طريق التعاقد والإعارة، و9 في المئة مكاتب خاصة. ويشكل الشباب بين 18سنة و 39 سنة نحو 72 في المئة من المهاجرين، كما يشكل حملة الإجازات الجامعية والمعاهد المتوسطة 21 في المئة من مجمل المهاجرين. وتأتي الدول النفطية في مقدم الدول الجاذبة للعمالة: السعودية 5،33 في المئة، الكويت 7،27 في المئة، الأميركتان 6،12 في المئة، لبنان 3،8 في المئة، الإمارات 8،6 في المئة، قطر 3،4 في المئة. تغير في بورصة المهن د. فريال ارسلان إدارة أعمال دولية ومديرة "مكتب الخدمات الطالبية" ترى أن سورية بحاجة للانفتاح أكثر، وبحاجة الى تطوير في مجالات كثيرة أهمها المصارف، ومن ثم الاتصالات وعلوم الكومبيوتر وإدارة الأعمال والاختصاصات الإلكترونية، والأغذية والبيئة. و"توجد ضرورة لرفع مستوى معرفة الإنكليزية وهي لغة التواصل العالمي". وتضيف: "يطلب مني أحياناً خريج مدرسة فندقية للعمل في فندق خمس نجوم شرط إجادة الإنكليزية ومثل هذا الخريج لا تتجاوز نسبة وجوده واحد في المئة، والأمر نفسه بالنسبة إلى الأطباء والمهندسين". المهندس عبدالله حسين، مدير مركز الحضارة الدولي للعلوم والكومبيوتر يرى أن "خريجي الجامعات يقبلون على تعلم الإنكليزية والكومبيوتر". ويعتبر هذه المراكز التعليمية من أفضل المشاريع ربحية. ويقول: "بدأنا عام 1996 بأربع أجهزة كومبيوتر في غرفة صغيرة والآن عندنا 65 جهازًا". قوانين ومقترحات وشهد عام 2001 قوانين عدة لمكافحة البطالة، منها إقرار مجلس الشعب لقانون الحفاظ على الكوادر البشرية، وأهمها إصدار الرئيس بشار الأسد قانون مكافحة البطالة الذي يهدف، بحسب المادة الرابعة منه، إلى "دراسة وتمويل وتنفيذ مجموعة من الأنشطة الإنتاجية من شأنها الإسهام في توليد الدخل وتوفير فرص عمل وإيجاد مجالات جديدة للعمل والإنتاج وتنويع هيكل القطاع الاقتصادي والخدماتي واستيعاب قوة العمل المتوافرة والداخلة الى سوق العمل للمرة الأولى". ويعطي القانون أولوية للمشروعات الموجهة للمرأة والشباب بصفة خاصة، حيث خصصت نسبة 80 في المئة أي 40 بليون ليرة سورية من موازنته لتمويل الأنشطة ذات المردود الاقتصادي، وتشمل مشروعات تشغيل الشباب والإسكان التعاوني. د. ارسلان تعتقد أن الحكومة غير قادرة وحدها على محاربة الفساد والروتين المعوّق لتراخيص القروض والمشاريع، ما يستلزم جهود "جمعيات أهلية" تعتمد على الشباب وأفكارهم للتغلب على "القنوات الفاسدة" القادرة على تعطيل جدوى برنامج مكافحة البطالة، خصوصًا في ظل عدم معرفة الأولويات نتيجة نقص الإحصاءات الضرورية و"يوجد تضارب بالمعلومات والأرقام بين المكتب المركزي للإحصاء ومركز الاقتصاد السوري وما ينشر في الصحف". وكانت الورشة الإقليمية حول "تحفيز الاستخدام والتنمية المستدامة" لعام 1998 قدمت مقترحات في دمشق أهمها: - ربط التعليم المهني والتقني بسوق العمل باعتماد "النظام المزدوج" الذي يربط التعليم في المدرسة بالتدرب في المؤسسات الإنتاجية. - تشجيع إحداث الحاضنات الصناعية التي تتبنى الخريجين الجدد، وتكوين صناديق اجتماعية خاصة لإقراض الشباب في بداية حياتهم العملية في مجال الصناعات الصغيرة والمزارع الإنتاجية. - قيام مكتب الاستخدام بتحليل دوري لبطاقات العمل واحتياجات أصحاب العمل لتلمس الاختصاصات والمهن والمهارات المطلوبة ومدى نقص كفاية محتوى برامج التعليم والتدريب، واكتشاف الاختصاصات والمهن الجديدة التي تتطلبها سوق العمل والتطور التكنولوجي وإعلام الجهات المختصة.