يسيطر خدرٌ وخمودٌ على أوراثيو أولفييرا بينما يستمع الى موسيقى الجاز في "لعبة الحجلة". رواية الأرجنتيني خوليو كورتاثار صدرت باللغة الاسبانية للمرة الأولى في بوينس أيرس عام 1963 بعنوان Rayuela. ترجمتها الانكليزية ظهرت عام 1966 بعنوان Hopscotch، بتوقيع غريغوري راباسا. راباسا ترجم الى الانكليزية بعض أهم روايات أميركا اللاتينية. مهاراته اللغوية تبرز على نحو خاص في ترجمته هذه الرواية، وفي ترجمته رواية "مئة عام من العزلة" 1967 عام 1970، أيضاً بعد 3 سنوات من صدورها بالاسبانية. رواية "لعبة الحجلة" وجه اليها غابرييل غارسيا ماركيز تحية في الفصل الأخير من "مئة عام من العزلة"، وظهرت أخيراً في ترجمة عربية عن المجلس الأعلى للثقافة في مصر المشروع القومي للترجمة بتوقيع ابراهيم علي المنوفي. لم تعرف مؤلفات كورتاثار انتشاراً واسعاً في العربية. عام 1988 ظهرت في بيروت ترجمة لإحدى مجموعاته القصصية: "الأسلحة السرية" ترجمها محمد عيتاني. لكن روايته الأهم "لعبة الحجلة" تظهر الآن في القاهرة. ولعل كورتاثار يحضر في العربية اليوم كما يجب ان يحضر: روائياً من طراز غريب وخاص. وصاحب قدرة هائلة على صناعة حوارات جذابة ومحملة بالطاقة والاحتمالات. يعتمد هذا العمود الترجمة الانكليزية المذكورة اعلاه والصادرة عن "راندوم هاوس" في نيويورك. تقع الرواية في ثلاثة أجزاء. كورتاثار يقترح في مقدمة وجيزة طريقتين لقراءة الكتاب. من الفصل الأول الى الفصل السادس والخمسين، وهو الفصل الأخير من الجزء الثاني: هذه هي الطريقة الأولى لقراءة الكتاب وتعني بالتالي حذف الجزء الثالث وعدم قراءته. أما الطريقة الأخرى فتعتمد دليلاً يزودنا به كورتاثار، فنبدأ الرواية بقراءة الفصل الرقم 73 ثم ننتقل الى الفصل الرقم 1 ثم نتابع هكذا: 2 - 116 - 3 - 84 - 4 - 71 - 5 الخ... أحداث الجزء الأول تجرى في باريس. أحداث الجزء الثاني تجري في بوينس أيرس. هذا الجانب، وذاك الجانب. كورتاثار المولود سنة اندلاع الحرب العالمية الأولى، والذي غادر الأرجنتين ليستقر في باريس بدءاً من 1951، يعرف مادة روايته. كان نشر قصصه القصيرة الأولى في الوطن في صفحة أدبية يشرف عليها خورخيه لويس بورخيس. تعلم كورتاثار من "المعلم الأعمى" الدقة والانضباط في استخدام اللغة. التشذيب والاقتضاب لبلوغ الحد الأقصى من البلاغة والقدرة التعبيرية. في باريس تعلم أموراً أخرى. وقع في حبّ السين وشوارع المدينة ليلاً، وأدرك ان ضياعه في هذه المتاهة قد يصنع منه كاتباً حقيقياً: كاتباً لا يقلد الآخرين، بل يكتب كتابه الشخصي. أولفييرا يتجول في شوارع باريس باحثاً عن امرأة تدعى لاماغا. هكذا تبدأ الرواية. امرأة تعرفه ويعرفها فكأنهما يعيشان في أغنية. يدخنان ويسمعان الجاز ويشربان المتّة وتحدثه عن ابنها روكامادور. ابنها الذي سيموت طفلاً في الفصل 28، فيأتي ماركيز على ذكره في الفصل الختامي من "مئة عام من العزلة". الاثنان يقضيان الوقت وسط حلقة رفاق، والحلقة تسمي نفسها "النادي". صداقة مبنية على الحكي والدخان والجاز، وعلى الاحساس بالوحدة. قوة هذه الرواية في الحوارات التي تصنع حبكتها ومناخها وترسم أمامنا الشخصيات. في الجزء الثاني يعود أولفييرا الى وطنه حيث زوجته غيكربتن وصديقه قرينه ترافلر. ترافلر المسافر الذي لا يغادر بلاده أبداً. والعلاقة بين الاثنين وتاليتا زوجة ترافلر بينهما تحول هذا الجزء الى رواية شبه مستقلة عن الجزء الأول. رواية خيالية تكتب حياة حقيقية.