فوجئ الشعب العراقي بظهور صدّام على شاشات التلفزيون في العراق - قبل نهاية الحرب العراقيةالإيرانية بشهور - وهو يبكي بسبب استمرار الحرب مع إيران، وللخسائر البليغة في الجيش العراقي والأرواح والأموال والطاقات، ويدعو الى الصبر والدعاء الى الله لإنهاء الحرب الضروس التي أشعل فتيلها. ولا شك في ان هذه حال غير مسبوقة، إذ لم يسبق لرئيس دولة أو ملك أو حاكم ان يظهر بالصورة التي ظهر عليها. وسبق ان ظهر عام 1979 إبان ادعائه اكتشاف المؤامرة عليه من رفاقه في "البعث"، وهو أعدمهم بعد محاكمات صورية لينفرد بالسلطة ويهدم الدار. ولا يزال الشعب العراقي يعاني نتائج هذه الحرب حتى الآن. وعلى رغم هذه المأساة كان نظام الرئيس صدّام يخطط سراً لموضوع كارثي هو الغدر بالجار الجنوبي بعد أن غدر بالجار الشرقي تحقيقاً للأحلام التوسعية والسيطرة المطلقة. ومن مقدمات هذه الخطة السرية قيام النظام آنذاك بعمليات التمويه، ومنها الإخلاء للسكان المدنيين من بغداد. وقد أشاع النظام، في حينه، احتمال قيام اسرائيل بتوجيه ضربة عسكرية مفاجئة الى بغداد، واحتمال فيضان نهر دجلة. وقام النظام بتكليف المدراء العامين والمسؤولين وعمداء الكليات والقادة الحزبيين والأمنيين وغيرهم بتولي مهام إخفاء، او حفظ الوثائق والسجلات المهمة في بيوتهم، او مزارعهم، او منتجعاتهم، او اي مكان يرونه مناسباً وأميناً، وقاية الخطر القادم من نهري دجلة والفرات، او من اسرائيل وضربتها الجوية المنتظرة على العراق! وفي منتصف شباط فبراير 1989، في حضور اربعة من الرؤساء العرب ألقى الرئيس صدّام خطاباً مطولاً دار حول بنود مجلس التعاون العربي، للدول الأربع، وجاء فيها "عدم جواز استخدام القوة بين الدول العربية لحل أي مشكلة قد تنشأ في ما بينها". وعلى اساس ان هذا المجلس هو نواة لقوة عربية مشتركة تتعاون في المجالات كلها من خلال تزاوج الخبرات والثروات والطاقات العربية. وتضمن الميثاق عدم جواز حل المشكلات بين العرب بالقوة، وعدم جواز التدخل في الشؤون الداخلية للدول العربية. ولم تمضِ إلا مدة قصيرة على إنشاء المجلس حتى قام أمير دولة الكويت بزيارة العراق في شهر نيسان ابريل 1989. وحظي بتكريم القيادة العراقية. وقام الرئيس صدّام بتكريمه بوسام الرافدين من الدرجة الأولى، عرفاناً له وتقديراً لدور دولة الكويت الشقيقة في وقفتها مع العراق في الحرب ضد إيران طوال 8 سنوات. وفي شباط 1990 زار الرئىس صدّام المغفور له الملك حسين، لمناسبة مرور عام على تأسيس مجلس التعاون العربي. وصرّح صدّام في زيارته بضرورة الاعتراف بدور العراق في الخليج كقوة عظمى لا ينافسها أحد. وهذا يتطلب دعم العراق مالياً، ما أثار غضب الكثير من الدول العربية وغير العربية. ويبدو ان هدف الزيارة كان ابتزاز دول الخليج. ويبدو ان هذا الاجتماع كان الشرارة الأولى للزلزال او للكوارث اللاحقة. وفي 25 تموز يوليو 1990، بينما كانت المفاوضات بين الجانبين، العراقيوالكويتي، بين مدّ وجزر، وتهديد ووعيد ترددت الأنباء عن حشود عسكرية ضخمة على الحدود العراقية - الكويتية، وشاهدنا تحريكاً كبيراً للقطعات العسكرية العراقية من مناطق كردستان والموصل وغيرها الى الجنوب غداة عودة صدّام من عمان في شباط 1990. وكان الرئىس العراقي اصدر اوامره السرية للغاية، منذ شباط 1990 اي بعد عودته من عمان الى 200 عنصر من القوات الانتحارية العراقية العمليات الخاصة، بدخول دولة الكويت على شكل وجبات. واستكملت دخولها في تموز يوليو 1990. وانتظرت الأوامر بالهجوم الانتحاري على بعض الاهداف الاساسية في دولة الكويت، ومنها قصر امير دولة الكويت، والعائلة الحاكمة، والإذاعة، وبعض الاهداف الحيوية والمهمة، لتشكل بذلك رأس الرمح في الهجوم المباغت على المؤسسات الكويتية، وذلك قبل ان تدخل القطعات العسكرية العراقية. وحصلت هذه المجموعات على الاسلحة من السفارة العراقية في دولة الكويت، ومن بعض الاشخاص المقيمين في الكويت. وقد كان من بين هؤلاء المدعو ... الذي عمل في ما بعد مستشاراً ثقافياً في السفارة العراقية في ... وقاد عملية اغتيال المرحوم الشيخ طالب سهيل التميمي في 1994، وهو من فرق الإعدام، ومنسوب للعمليات الخاصة، وسبق ان زار الأردن متخفياً اكثر من مرة قبل وبعد عملية الاغتيال. ومع بزوغ فجر يوم الخميس 2 آب اغسطس 1990 اندفعت القطعات العسكرية العراقية التي كانت على الحدود على محاور ثلاث. ووقفت صامتاً، منتظراً نتائج الغدر بالجار والهدر لثروات الدار وأبعاد المغامرة الجديدة، متطلعاً في وجوه البشر الذين أثقلتهم الحروب. واكتشفت ان الناس وهي تستمع الى المذياع غير مصدقة لما يجري .... السويد - د. منذر الفضل اكاديمي عراقي مقيم