لم يستسغ المخرج محمد كامل القليوبي الطريقة التي عرف بها، او تنحيته عن رئاسة المركز الوطني للسينما في مصر، وتعيين الناقد علي ابو شادي في ذلك المنصب مكانه. فالقليوبي، كما يقول، علم بالأمر من الصحف وقبل ان يصله خطاب من وزير الثقافة يبلغه به فيه ويشكر له الجهود التي بذلها طوال الشهور التي شغل خلالها المنصب، وكانت - بشهادة الجميع - جهوداً مثمرة جيدة، حرّكت سواكن ذلك المركز البيروقراطي الذي قلما تحرك. القليوبي بدا محقاً في غضبه وشعوره بالمرارة. وهو امر قد لا يخفف منه اعلان الوزير فاروق حسني ان المشكلة كمنت في ان الخبر تسرب الى الصحافة بشكل اساء الى القليوبي والوزارة معاً. وأنه كان يفترض بالقرار ألا يعلن، إلا بعد اعلام القليوبي به. مهما يكن من الأمر، من المؤكد ان النتيجة الوحيدة لكل ذلك هي ان القرار، سوف يعيد محمد كامل القليوبي الى السينما بعد غياب، او بعد حضور جزئي كان لا يكف عن اثارة السجال. فالحال ان القليوبي كلف رئاسة المركز، بعد تعيين سلفه د.مدكور ثابت، رقيباً على المصنفات الفنية خلفاً لعلي ابو شادي الذي نحي يومذاك وأثارت تنحيته لغطاً كبيراً. ولئن كان كثيرون سعدوا بوصول القليوبي الى ذلك المنصب وأملوا منه ان يؤدي الى تحسين وضعية مركز السينما - وهو ما حدث بالفعل - فإن الذين يحبون القليوبي وسينما القليوبي - روائية كانت او تسجيلية - كان من حقهم ألا يشعروا بالارتياح. ذلك ان المنصب، مهما كان من شأنه، لا يمكنه إلا ان يحد من امكانات المبدع ومقدرته على التحرك، حتى ولو كانت له طاقة كبيرة مثل طاقة محمد كامل القليوبي. ولقد عرف دائماً ان ثمة تناقضاً اساسياً بين "الوظيفة" و"الابداع". وما لا شك فيه ان القليوبي مبدع حقيقي. هو كان اثبت ذلك عبر سلسلة من الافلام التسجيلية كما اثبته عبر افلام روائية عدة حققها. صحيح ان اياً من هذه الافلام، لم يرق الى ما كان القليوبي يريد تحقيقه، هو الذي درس السينما في شكل صلب وعرف بحبه للسينما الفنية وسينما القضايا المتميزة، لكن افلامه أتت ذات مستوى يفوق المتوسط ويقترب من الجيد في الساحة السينمائية العربية. ولا ننسينّ هنا ان فيلمه الروائي الطويل الاول "ثلاثة على الطريق" كان مفاجأة، اذ حقق - اضافة الى النجاح النقدي - اقبالاً جماهيرياً لافتاً. اذاً، كان من الواضح ان وجود القليوبي في المسؤولية الوظيفية، سيكون عبئاً على عمله الابداعي السينمائي، الذي كان يعيش صعوداً ملحوظاً. بل ان اسئلة كثيرة راحت تثار حتى من حول مواصلته تحقيق الأفلام التسجيلية وهو في موقع مسؤول يفترض ان يجعل منه حكماً، لا طرفاً في عملية تحقيق الافلام. اليوم إذ ينحّى القليوبي عن ذلك المنصب، الذي - نكرر - حقق فيه نجاحات طيبة، يأمل له محبّوه ان يعود الى ابداعه، لا ان يواصل شعوره بالمرارة، حتى الحصول على "منصب" اداري آخر ... وهو ما وعد به الوزير! محبو القليوبي يودون له ان يعود الى مركزه المناسب، مركز المخرج والمبدع. وهذا بالضبط ما كان محبو علي ابو شادي يأملون به، ايضاً، لهذا الاخير: كانوا يريدون له، بعد ان عانى ما عانى من تغلب الرغبات السلطوية وتعقد الحسابات السياسية - التي يبدو انه في ذلك الحين راح ضحيتها - ان يوضع هو ايضاً في المكان المناسب. ولأن علي ابو شادي ناقد وباحث، لم يتطلع الى الابداع كمخرج او ككاتب، وأمضى عمره كله حتى الآن في العمل النظري والتنظيمي، كان من الطبيعي ان يُرى في تعيينه رئيساً لمركز السينما في مصر، وضعاً للرجل المناسب في المكان المناسب. ولعل في هذا، ما من شأنه ان يغفر لوزارة الثقافة المصرية اساءتها الى علي ابو شادي قبل شهور حين ابعد، في تصفية حسابات سياسية كان من الواضح ان لا ناقة له فيها ولا جمل. مهما يكن من الأمر، لقد قال فاروق حسني يومها، ان الظروف هي التي تفرض ذلك، وأن علي ابو شادي سيعود، وفي مكان افضل من الذي كان فيه. وها هو الوزير يفي بوعده ... وفي شكل مزدوج: يضع رجلين مناسبين في مكانين مناسبين ... وعين الصواب ما فعل.