المعروف في عالم الكتابة للسينما أو للتلفزيون، ان عملية تحويل نص أدبي نصاً مرئىاً تبدأ باثارة المشكلات منذ اللحظات الأولى، اذ يحدث دائماً ان النقاد يقارنون بين العمل النص كما كان في الأصل، وما صار عليه وقد أصبح عملاً تلفزيونياً أو سينمائياً، ولا تكون المقارنة عموماً في مصلحة العمل المرئي، اذ يقول النقاد والمهاجمون انه خرج عن الاطار العام للرواية وللقصة الأصلية. ويحدث عادة ان يشاركهم هذا الرأي اصحاب النصوص، فيتنصلون من العمل وقد حوِّل من منطلق انه شوِّه او حُذف بعض ما فيه أو أضيف اليه، اي باختصار انه لم ينقل حرفياً، كما كان في الأصل، وفي الوقت نفسه نجد ان الذين يتصدون لعملية التحويل يدافعون عن انفسهم بدعوى ان لكل وجهة نظره، الأديب وكاتب السيناريو والمخرج، وان ما من عمل أدبي حوِّل سينمائياً من دون تغييرات، من منطلق ان الأدبي يعتمد الوصف في حين يقوم السينمائي على التجسيد. عن هذا الموضوع اقامت، اخيراً في القاهرة، اللجنة الوطنية المصرية للتربية والثقافة والعلوم يونسكو ورشة عمل عن "واقع السيناريو في الوطن العربي"، وعُقدت مناقشة عامة عن رواية "حادث النصف متر" للأديب صبري موسى التي حولت عملاً سينمائياً في كل من مصر وسورية وعُرض كذلك للمناسبة فيلم "الحرام" عن قصة ليوسف ادريس وبطولة فاتن حمامة وعبدالله غيث وزكي رستم. وركزت الورشة على كتابة السيناريو انطلاقاً من عمل ابداعي والعلاقة بين كاتب السيناريو والمخرج والمؤلف لتحويل عمل ابداعي سيناريواً. لكل وجهة نظره وعن تناول النص الأدبي بأكثر من وجهة نظر، يقول المخرج محمد كامل القليوبي "من الأفضل ان نضع دائماً في اعتبارنا، كمبعدين، ان لكل وجهة نظره. فالمخرج لا بد من ان تكون له ملاحظات على العمل الأدبي، ما دام لكاتب السيناريو ملاحظات، الا اذا اعتبرناه مخرجاً منفذاً لا مبدعاً، وقد لا يكون غريباً ان التحويل في النص الأدبي قاعدة لا استثناء، وعندما أحول نصاً ادبياً فإنني أفككه، وهناك نصوص تستعصي على التفكيك ومن الأفضل تركها كما هي. وثمة نصوص اخرى عندما تحولت افلاماً اكتشفنا ان وسيطها المتخيل في الأصل كان السينما لا الرواية، كما حدث في فيلم "زوربا اليوناني" لمايكل كاكويينس فمن خلال الشريط تمكنا من حل شيفرات كثيرة، وكذلك الحال مع رواية "مالك الحزين" لابراهيم اصلان التي تحولت فيلماً سينمائياً عنوانه "الكيت كات"، وأدى بطولته محمود عبدالعزيز وشريف منير وعايدة رياض واخرجه داود عبدالسيد. وكان الاخير لا يريد ان يرى اصلان النص بعد تحويله حتى لا يغضب، وفك هذا الفيلم شيفرات كثيرة". ويضيف القليوبي: "أحياناً التعامل مع الرواية يكون تعامل الضد، واحياناً تقتضي ان نخونها لنصنع فيلماً جيداً. وفكرة التطابق وهيمة في الأساس، والكاتب الذي يقدم الرواية طبق الأصل، كاتب متوسط الموهبة أو قليلها. فكتابة السيناريو هي اعادة قراءة وتفكير في النص المكتوب، كما فعل عبد السيد في "الكيت كات" حيث رأى ان يوسف هو الشخصية الهشة، فيما الأساسية هي شخصية الشيخ حسني، وأوجد علاقة قربى فحول الشيخ حسني الأب الذي يتولى توجيه يوسف لا العكس كما في الرواية. وأنا خلال مسيرتي مع الإخراج اخذت فيلم "ثلاثة على الطريق"، من بطولة محمود عبدالعزيز عن رواية روسية". ويشير القليوبي الى أن "العمل الأدبي مكانه الكتاب في حين ان الفيلم السينمائي مكانه دار العرض أياً يكن الموضوع، وعندما سئل عميد الأدب العربي طه حسين عن السيناريو الذي كان محتقراً في وقت ما قال: يجب ان يتجه الكتاب الى السينما لأنها الاداة الأكثر تأثيراً الآن". ونجيب محفوظ يقول دوماً عندما يسأل عن اعماله الروائية التي تحول سينمائية: "ينتهي دوري بعد نهاية الكتابة". ويؤكد القليوبي "علينا ان نتفق ان تعدد وجهات النظر هو الأمر الطبيعي. فقد تلفتني شخصية اكثر من الأخرى، والغريب اننا نرى ان كلاسيكيات شكسبير وغيره تحتمل اكثر من وجهة نظر ونرحب كمتلقين سينمائيين وكتاب سيناريو بهذه الرؤى المختلفة لهذه النصوص الى ان يمس احدنا نصاً كتبناه فتصبح المسألة كأننا اكثر اهمية من شكسبير، وعلينا ان نتجاوز الحساسية لأن كل شخص يتخيل انه صاحب الحق الأوحد في العمل، ما يجعلنا نكتب السيناريوهات بأنفسنا ونعبث بها أثناء التنفيذ كيفما نشأ حتى لا نُغضب احداً أو نغضب من أنفسنا". ضرورة الخيانة ويقول المخرج داود عبدالسيد "العلاقة بين العمل الأدبي والسينمائي تحت اسم "ضرورة الخيانة" هو حض على الخيانة، على اعتبار انها عمل اخلاقي جداً في تحويل العمل الأدبي سينمائياً. وهذه الاشكالية مهمة، لأن احد مصادر السينما الاعمال الأدبية، على عكس المسرح الذي كان مصدره التاريخ ولم يكن أحد يجبر كاتب المسرح على التغييرات التي يجريها في مادته.اما السينما فعندما بدأت تحول جنساً أدباً أو فناً عملاً سينمائياً بدأت تحدث اشكالية اخلاقية تتمثل في أن للأديب وجهة نظر، عندما اخونها كسينمائي، اصنع وجهة نظر مختلفة أو مناقضة. وفي الستينات عندما تحولت ثلاثية نجيب محفوظ افلاماً سينمائية هي "بين القصرين" و"قصر الشوق" و"السكرية"، وأدى بطولتها يحيى شاهين وآمال زايد وصلاح قابيل ومها صبري وعبدالمنعم ابراهيم واخرجها حسن الامام ثارت ضجة بين الكتاب والنقاد على التغييرات الصغيرة والكبيرة بين الرواية والفيلم السينمائي، الى درجة قد تكون بقيت في ضمير المجتمع قيمة الحفاظ على النص الأدبي وعدم التغيير فيه، ويكتسب الفيلم قيمته بمقدار اقترابه من النص الاصلي". ويضيف عبد السيد: "أرى من المنطقي اعادة فك كل عناصر العمل الأدبي وتركيبها للوصول الى شكل مختلف، هو السينما بما يحمله الفك من خيانة بكل المعايير سواء في الجسم أو الروح. والمشكلة اننا لا نستطيع الخيانة، فلا يُنقل عمل أدبي الى سينمائي من دون تغييرات، ما عدا الفروق الواضحة أو البسيطة، لأن العمل الأدبي يعتمد الوصف في حين يعتمد السينمائي التجسد. وما يمكن ان يشد كاتب دراما الى تحويل نص ادبي، هو التفاصيل الداخلة في صلب العمل الأدبي بمعنى انها ستتحول عملية قنص وافتراس وأكل وهضم ثم تحويل كل هذا العمل اشياء مختلفة تماماً بعضها عضلات وبعضها طاقة، وبعضها خارج الجسم. وهذا هو الشكل المتوحش في تناول السينما للعمل الأدبي، وأرى ان هذا المثال المتوحش يعطي كل الحرية لمصلحة العمل السينمائي في تناوله العمل الأدبي". ويؤكد عبد السيد "من يريد تحويل عمل أدبي سينمائياً من دون تغيير سيصبح مجرد ناقل، وتصير الأعمال السينمائية نوعاً من العنعنة". أما المؤلف بشير الديك الذي جعل رواية لدويستويسكي فيلم "مع سبق الاصرار" وكذلك روايتي فتحي غانم "قليل من الحب كثير من العنف"، وسكينة فؤاد "بنات زينب"، مسلسلين تلفزيونيين، فيعكف الآن على تحويل رواية "ناس في كفر عسكر" لأحمد الشيخ مسلسلاً تلفزيونياً. ويقول "العمل الأدبي هو مناسبة جيدة لعمل فيلم سينمائي، ولكن يجب الا يأتي الفيلم ترجمة حرفية أو غير حرفية حتى للعمل الأدبي. فمن يريد ان يقرأ نجيب محفوظ لديه كتبه، ولكن من يتوجه الى دار العرض فسيرى فيلماً لمخرجه بكل ما تعنيه هذه الكلمة. صحيح انه مرتكز على الرواية، لكنه ليس بالضرورة ترجمة لها...". ويؤكد الديك ان "لا بد من تفجير النص الأدبي أولاً لاخراج فيلم يخص صانعيه والا ستتحول المسألة مسألة شكلية سخيفة، في تقدير الجمهور".