لا تزال الجامعات الخاصة في مصر موضوعاً لحلقات نقاش وجدال عدة، وذلك منذ صدور قرار إنشائها في عام 1996. هذا الجدال لم يتوقف، بل إنه يشتعل بين الحين والآخر مجدداً نيران الاعتراض عليها من جهة، وتأييدها ومساندتها من جهة أخرى. يرى كثر من المهتمين بالشؤون التعليمية في مصر أن الجامعات الخاصة تؤدي دورها في العملية التعليمية. وعلى رغم رفض الكثر للفكرة واعتراض عدد من النقابات المهنية عليها، لا سيما نقابة الاطباء، إلا أن الإقبال المتزايد عليها يؤكد نجاحها وقدرتها على التجاوب مع متطلبات التعليم. وعلى رغم مرور نحو الخمس سنوات على إنشاء هذه الجامعات وعددها اربع، فإنها تلقى احياناً معارضة شديدة واتهامات اقلها أنها تضم الطلاب غير المتفوقين. وكانت الحكومة المصرية قررت إنشاء هذه الجامعات في ضوء إقبال الطلاب على السفر لتلقي التعليم في الجامعات الخاصة في الخارج وما لذلك من محاذير منها اختلاف التقاليد الاسلامية والانتقال من مجتمع محافظ الى مجتمعات منفتحة تماماً، اضافة الى تكاليف باهظة تعود بالنفع على دولة او دول أخرى. "الحياة" تطرقت الى المشكلة وتحاورت مع المعارضين والمؤيدين واستمعت الى اراء المسؤولين عن تلك القضية. نقيب الاطباء في مصر الدكتور حمدي السيد أعلن ان النقابة لا تعترف بخريجي كليات الطب والصيدلة في الجامعات الخاصة "لضعف المستوى التعليمي فيها، وعدم وجود مستشفيات مجهّزة"، لكن رؤساء الجامعات الخاصة ينفون ل"الحياة" ذلك تماماً ويؤكدون ان جامعاتهم "مستواها التعليمي مرتفع والعمل فيها جاد للغاية ولديهم مستشفيات ومعامل على أعلى مستوى وأساتذة أكفياء". ويقول رئيس جامعة "6 اكتوبر" رداً على سؤال عن دخول طلاب غير متفوقين وأن الكليات التي يلتحقون بها تفوق قدراتهم الذهنية، واتهام البعض لهذه الجامعة بأنها لذوي القدرات المالية العالية والعلمية الضعيفة: "المجموع ليس هو المقياس ولكن قدرات الطالب على تلقي الدراسة هو المحك الحقيقي، لدينا عدد كبير من الطلاب تفوقوا على اصحاب المجاميع العالية، إذاً فالدرجات في المرحلة الثانوية على رغم اهميتها إلا انها ليست مؤشراً فعلياً على قدرة الطالب". ويرد على هذا السؤال نفسه الدكتور محمود شريف رئيس جامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا وهو طبيب ووزير سابق، فيقول: "أتفهم وجهة نظر المعارضين ولكن عدم حصول الطالب على مجموع كبير ليس معناه انه فاشل أو قاصر ذهنياً ولكن قد يكون بسبب ظروف تسببت له في ذلك فلماذا نحرمه من دراسة ما يرغب؟". ويضيف: "اجرينا دراسة لمستوى الطلاب الحاصلين على 70 في المئة ودون ذلك للتعرف الى مستواهم، ومقارنتهم بذوي المجموع المرتفع، فوجدنا أعداداً كبيرة تفوقت عمن هم اكثر منهم في الدرجات. ثم ان لدينا اعداداً كبيرة من الطلاب الحاصلين على 90 في المئة وعدداً ليس بقليل من الحاصلين على 95 في المئة". ويشير عدد من أساتذة الجامعات الاخرى الى أن المجموع ليس مقياساً لذكاء الطالب، فهناك طالب حاصل على مجموع مرتفع ويتعثر بعد ذلك في المرحلة الجامعية، وعلى النقيض هناك طالب حاصل على درجات مخفوضة ثم يحقق نجاحاً ملحوظاً في تخصصه الجامعي الذي يبرع فيه والمهم في نظرهم في العملية التعليمية أن يتلقى الطالب دراسة على مستوى عالٍ في الجامعات التي يلتحق بها ليحقق النجاح، وان يتوافق ذلك ورغباته. واستطاعت هذه الجامعات تأمين الاماكن والتجهيزات واساتذة على مستوى عالٍ. وتلك العوامل الثلاثة هي قوام العملية التعليمية، فهل ادى ذلك الى قناعة اولياء الامور والطلاب سواء في مصر أو خارجها بتلك الجامعات؟ الواقع يقول إن الأعداد زادت هذا العام بنسبة 50 في المئة، على رغم أن الطالب يتحمل نفقات الدراسة بالكامل وهذا يعني أن اولياء الامور اطمأنوا على نوعية التعليم ومستواه. ويقول الدكتور محمود شريف أن عدداً من اولياء الأمور ليس من الأثرياء، وعلى رغم هذا يأتي بابنه أو ابنته الى الجامعة. ويلفت رئيس جامعة "6 اكتوبر" الى أن عدد طلاب الجامعة في العام الاول لم يتعد الف طالب، في عدد محدود من الكليات، ثم زاد عدد الكليات، والاساتذة. وعدد طلابنا حالياً يفوق العشرة آلاف طالب. ومن جهة اخرى، اكدت الدولة اعترافها بجامعاتها الخاصة الاربع في خطاب موجه الى مجلس التعليم الأردني الذي شكّك في قوة الجامعات الخاصة المصرية واعترض على الاعتراف بها. وأثير سؤال: هل هذا اعتراض على المستوى التعليمي في الجامعات الخاصة، أم هو خوف على سحب البساط من تحت جامعات اخرى في دول مجاورة؟ يجيب الدكتور شريف: "لست من انصار الحديث عن الجامعات الأخرى ولكن الطالب هو الذي يقوّم العوامل المناسبة له، وهذه الظروف تختلف من طالب الى آخر، ونعتبر ابناءنا المقيدين لدينا خير دليل وأفضل سفير وشاهد فدعايتنا تعتمد على مستوى طلابنا". ويضيف رئيس جامعة "6 اكتوبر": "لا نعترف بالتفرقة بين مصري وعربي، ولدينا طلاب اردنيون في جامعتنا الخاصة فأسألوهم لماذا التحقوا بها، سمعة مصر في التعليم ليست وليدة الامس، وإنما من زمن قديم يتمنى اي طالب الدراسة فيها، علماً ان نفقات التعليم الخاص في مصر اقل كلفة من مثيلتها في الدولة الأخرى وهذا يحسب لنا". وعن مدى اعتراف الدول الاخرى بتلك الجامعات، يرى رؤساء هذه الجامعات ان مشكلة الاعتراف ليست موجودة، ولكن عدداً محدداً من الدول يضع العراقيل للاعتراف بها لأسباب مختلفة وهذه مسألة موقتة. ويستطرد الدكتور شريف في دفاعه عن الجامعات الخاصة فيقول: "انها استطاعت ان تلبي طلب اولياء الأمور المصريين لتكملة السلم التعليمي لأبنائهم من دون الحاجة الى السفر خارج مصر، علاوة على أنها جذبت عدداً ليس قليلاً من طلاب الدول اخرى 31 في المئة تقريباً اجانب، وعلى رغم اننا لاقينا هجوماً شديداً إلا اننا قائمون بناء على قانون وبقرار من مجلس الشعب ومصدق من الدولة واعادة النظر في وضع الجامعات الخاصة مرفوض". وعن مستقبل الطالب بعد تخرجه في الجامعة الخاصة، يقول رئيس جامعة "6 اكتوبر" الدكتور عطية: "الخريجون لدينا يعاملون كغيرهم من خريجي الجامعات الاخرى، بل قد يعاملون بصورة افضل لكثرة التدريب والتدريس، وهذا ما يحتاجه سوق العمل، وهذا ما واجهته قديماً الجامعة الاميركية ثم اصبح الاقبال واضحاً بعد ذلك على خريجيها". ويضيف الدكتور شريف: "نلجأ دائماً الى الواقع. فالدفعة الاولى تخرجت في كلية الصيدلة وصدر لها قرار تكليف من وزارة الصحة، أي انهم يعاملون مثل خريجي الكليات الحكومية وهذا اعتراف واقعي بهم، ثم ان عدداً كبيراً منهم عرضت عليهم وظائف في القطاعات الخاصة، ثم ان خريجي التجارة عمل معظمهم في شركات وبنوك. وخريجو الاعلام يتدربون في الاذاعة والتلفزيون". "الحياة" استطلعت آراء عدد من طلاب وطالبات هذه الجامعات، الطالبة رضوى في كلية الصيدلة بذلت جهداً كبيراً في الثانوية العامة للالتحاق بكلية الصيدلة، ولكنها حصلت على مجموع اقل منها بدرجة واحدة، مما سبب لها صدمة كبيرة، واستبعدت فكرة إعادة العام الدراسي، وعلى رغم ارتفاع كلفة الدراسة في الجامعة الخاصة، إلا انها التحقت بكلية الصيدلة في إحداها. طالبة من السودان تقول: "تمنيت الدراسة في مصر، ولم يؤهلني المجموع لدخول الجامعات العادية، وسعدت بوجود الجامعات الخاصة، وأرى أن مستوى الدراسة فيها جيد". مجموعة من الطلاب الفلسطينيين ابدت اعتراضها على الجامعات الخاصة، واعتبرت أن ما يتلقونه ليس كافياً. أب من الأردن قدّم اوراق ابنه الى جامعة خاصة قال إنه يثق في مستوى التعليم في مصر سواء كان عاماً أو خاصاً، ولهذا الحق ابنه به. وبسؤاله عن الجامعات الخاصة في الأردن وعددها كبير ولماذا لم يلحقه بها، قال: "ان الجامعات الخاصة في الأردن تقبل الطلاب بمجموع اكبر من مثيلاتها في مصر، ولهذا كان تفكيره الأول بعد الأردن هو مصر لأنه يؤمّن على ابنائه فيها ويثق في مستواها التعليمي". ومع ارتفاع درجات الالتحاق بالجامعات الحكومية، لا سيما بكليات القمة وهي حلم الغالبية، يتوقع ان يزيد اعداد الطلاب الملتحقين بالجامعات الخاصة في السنوات القليلة المقبلة، وتصبح تلك الجامعات، جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية، حينئذ ستهدأ العاصفة ويتوقف الجدال.