واشنطن - "الحياة" - كان السودان يعتبر حتى الآونة الأخيرة "ملاذاً آمناً للإرهاب الدولي"، حسب التقرير السنوي لوزارة الخارجية الاميركية عن الإرهاب الصادر في نيسان ابريل الماضي، و"كارثة لحقوق الإنسان"، وفق تعبير الرئيس جورج بوش في ايار مايو الماضي. فما الذي حدث حتى يحظى السودان بمديح الناطقين الرسميين الاميركيين وحتى ترفع واشنطن اعتراضها على قرار مجلس الامن برفع القيود المفروضة على سفر الديبلوماسيين منذ 1996؟ يجيب مسؤول أميركي بأنه "إذا ما اعتبرنا يوم 11 ايلول سبتمبر بداية النظام العالمي الجديد، فإن الخرطوم عبرت بوضوح شديد عن رغبتها في أن تكون الى جانب واشنطن في حربها المعلنة ضد الإرهاب. اذ قدم السودان في الآونة الأخيرة معلومات دقيقة عن تنظيم القاعدة، وعرضاً "ضمنياً" بإمكان استخدام الولاياتالمتحدة مرافق وقواعد عسكرية سودانية في الحملة المرتقبة ضد الارهاب الدولي. وعبّرت واشنطن عن تقديرها لمسلك السودان، بل اشار الوزير كولن باول الى أن الخرطوم قدمت معلومات مهمة عن أشخاص لهم صلة بالارهاب يقيمون في السودان. وكان باول صرح بأنه طُلب من السودان أن يغير توجهاته، وأن واشنطن ستكافئه بطريقة مرضية متى رأت هذه التغيرات تتحقق. ويشير تقرير صادر عن معهد دراسات السياسة العامة في واشنطن الى أن الخرطوم أبدت استعدادها لتسليم واشنطن ثلاثة أشخاص مطلوبين وردت اسماؤهم في قائمة تضم 26 اسماً. ويقول التقرير ان الخرطوم فتحت ملفاتها الأمنية عن جماعات عدة، من بينها تنظيم "القاعدة" أمام الأميركيين، وأنها قدمت في بعض الاحيان أكثر مما طلبته واشنطن. وتزامن الموقف الأميركي في مجلس الأمن مع اعتقال حكومة الرئيس عمر البشير ثلاثين متطرفاً اسلامياً من المشتبه بأن لهم علاقات بتنظيم "القاعدة". واعتبر مسؤول رسمي رفيع في تصريح الى "واشنطن بوست" أن التعاون في مجال المعلومات عن الارهاب بلغ مرحلة متقدمة. ورأى مسؤولون أميركيون أن تعاون الخرطوم معهم يعكس وعيها بالفرص التي يوفّرها الظرف الراهن والتي قد تفضي الى رفع العقوبات التجارية الأميركية المفروضة على السودان. ومن المعروف أن السودان كان ولا يزال موضوع صراع بين الىمين الأصولي المسيحي وبين شركات النفط. فالتيار الأصولي يريد من الادارة أن تفرض قيوداً مالىة شديدة على الاستثمارات النفطية وأن تمنع الشركات العاملة في السودان من طرح أسهمها في الأسواق المالىة الأميركية، وهو ما تعارضه الشركات النفطية التي لا تتوقف عن التذكير بالآثار السلبية الناجمة عن هذه السياسة في حالات أخرى ايران وليبيا. وكان مجلس النواب الأميركي أقر في حزيران يونيو الماضي "قانون السلام في السودان"، وهو يمنع الشركات النفطية العاملة في السودان من الحصول على قروض من الأسواق المالىة الأميركية. وكان متوقعاً أن يقر مجلس الشيوخ في الفترة القريبة المقبلة قانوناً مشابهاً. الا ان مصادر مطلعة اكدت ان الادارة تحاول بالتعاون مع قيادات الحزب الجمهوري "ان تضع النسخة التي أقرها مجلس النواب على الرف وأن تحول دون بت مجلس الشيوخ مشروع القانون المعروض أمامه في الفترة المقبلة". ويقول جون لويب، الخبير في الشؤون السودانية، من المتوقع أن تتطور العلاقات بسبب المصلحة المشتركة للطرفين حالياً، ما قد يمّهد الأجواء لاستثمارات نفطية أميركية كبيرة في السودان. ويعد هذا هدفاً أساسياً للخرطوم التي تريد الاستفادة من الدعم الأميركي لانهاء الحرب الأهلية ولزيادة المداخيل النفطية التي بلغت 500 مليون دولار هذه السنة عن طريق المزيد من الاستثمار خصوصاً في مناطق الجنوب، حيث يوجد مخزون نفطي كبير.