} واشنطن - "الحياة" - تكثر التكهنات هذه الأيام في شأن ضربات اميركية محتملة للصومال والسودان والعراق. ويعزز هذه التكهنات ما تنشره وسائل الإعلام من تحذيرات رسمية للنظام العراقي من أنه قد يواجه مصير "طالبان"، والتقارير عن وصول فريق عسكري أميركي إلى بلدة بيداوة الصومالية للبحث عن قواعد وخلايا لتنظيم "القاعدة"، والضغوط التي تمارسها الجماعات الأصولية المسيحية على إدارة الرئيس جورج بوش لتصعيد الضغط على نظام الخرطوم الذي تتهمه بإتباع سياسة الأرض المحروقة اذ "أحرق 58 قرية في الجنوب وشرّد نحو 50 الفا من الجنوبيين" في الفترة الأخيرة. لكن المراقبين يعتبرون أن السودان لا يوفر هدفا "جذابا" أو مهما في حد ذاته، كونه "ملاذا مكشوفا"، من غير المحتمل أن يلجأ إليه أسامة ابن لادن أو أي من كبار معاونيه. ولاحظ توماس هنريكسون، الخبير في معهد هوفر لدراسات الحرب في جامعة ستانفورد أن التركيز الإعلامي على الصومال والسودان ربما يُقصد منه تشتيت الاهتمام بعيدا عن الهدف الرئيسي للمرحلة التالية، وأن المسألة لم تعد تتعلق بكيفية ضرب العراق بل بالتوقيت فحسب. ومن العوامل التي تدخل في الحسابات الأميركية لاستبعاد السودان يأتي النفط. لكن الأهم من ذلك، وفقا عدد من الخبراء، هو المعلومات التي قدمتها الخرطوم قبل تفجير السفارتين الأميركيتين في نيروبي ودار السلام، والتي تضمنت تحذيرا محددا من هجوم إرهابي كبير ستنفذه جماعات تابعة لبن لادن، وهي المعلومات التي تجاهلتها واشنطن بالكامل. واعتبر هنريكسون أن هذا التحذير السوداني "يعطي الخرطوم قدرا من الضمانة بأنها لن تتعرض لهجوم، على رغم أنها ما زالت على قائمة وزارة الخارجية للنظم الراعية للإرهاب". وقال مايكل كيفان الأستاذ في جامعة كاليفورنيا أن بين العوامل الأخرى التي قد تشفع للسودان "تراجع نشاطاته على جبهة الإرهاب في السنوات الأخيرة"، مشيرا الى إقصاء الدكتور حسن الترابي عن أجهزة السلطة واعتقاله. كما كان السودان بين أوائل الدول التي قدمت المعونة الإستخباراتية في أعقاب هجوم 11 أيلول سبتمبر. ويرى صالح بوكر الخبير السابق في مجلس العلاقات الخارجية في نيويورك، والمدير التنفيذي الحالي لمجلس السياسات الأفريقية العامة أن الخرطوم نجحت في عقد صفقة مع إدارة بوش ستؤدي إلى إلغاء قانون السلام في السودان، والذي سيمنع في حال إقراره وتطبيقه الشركات النفطية العاملة في السودان من بيع أسهمها أو طرحها للاكتتاب العام في الأسواق المالية الأميركية. ويخلص بوكر إلى القول "ان الحاجة للنفط تمثل حافزا كافيا لإدارة الرئيس بوش لتجاهل الضغوط المعادية لنظام الخرطوم، فالاحتياط النفطي السوداني غير المستغل له جاذبية متزايدة في ظل ارتفاع كلفة استخراج النفط في عدد من البلدان الغربية". أما بالنسبة الى الصومال، فثمة قناعة واسعة الانتشار في أوساط رسمية وغير رسمية أميركية بأن هذا البلد قد يوّفر ملاجئ مثالية لعناصر تنظيم "القاعدة". ويعتقد الخبراء بان عددا من قياديي التنظيم يمكنهم التسلل الى الصومال، نظرا الى سواحله الطويلة2000 ميل غير الخاضعة لأي رقابة، مستفيدين من عدم وجود حكومة مركزية في مقديشو قادرة على ضمان حماية الأراضي الصومالية. ويقول بعض المعلقين ان الصومال قد تكون أقل حظا من السودان كما يبيّن قرار الإدارة إغلاق مجموعة "البركات"، مما شكل ضربة قاصمة للاقتصاد الصومالي. وبذلك يبقى العراق المرشح الأساسي لأي ضربة أميركية مقبلة، كما يكاد يؤكد العديد من التصريحات الرسمية والتقارير الإستراتيجية التي بدأت في استخلاص دروس الحملة على أفغانستان وتقويم جدواها بالنسبة الى الحالة العراقية. وبين أهم هذه التقارير، ما أعده الكاتب الصحافي لاري إيفرست بعنوان "المضي قدما في اتجاه العراق"، وتقريران أعدهما أنتوني كوردسمان الخبيرفي مركز الدراسات الإستراتيجية الدولية في واشنطن الأول بعنوان "الشرق الأوسط والحرب مع العراق"، والآخر "إذا كنا سنحارب العراق: دروس الحملة الأفغانية". وتتفق التقارير على عدد من النقاط الجوهرية: 1 إن الانتصار الحاسم والسريع في أفغانستان بفضل التقنيات العسكرية الجديدة المتطورة شجّع دعاة الخيار العسكري ضد العراق على تصّعيد حملتهم من أجل إسقاط نظام الرئيس صدّام حسين. 2 إن واشنطن استفادت في الحالة الأفغانية من وجود معارضة مسلّحة عركتها الحروب والمعارك، وتمتعت بدعم عسكري روسي، وكانت راغبة في خوض المعركة ضد "طالبان" وضد "القاعدة". هذا العامل لا يتوافر في حال المعارضة العراقية التي تدعمها واشنطن. ومن غير المرجح أن تنجح هذه المعارضة في شن حملة عسكرية مؤثرة. اما بالنسبة الى خيار المعارضة الكردية في الشمال والشيعية المسلّحة في الجنوب وفي إيران، فسيئته انه كونها يثير مخاوف اقليمية من احتمالات تقسيم العراق. كما أن أيا من هاتين المعارضتين لن يكون قادرا على انجاز المهمة، بسبب عدم تكافؤ القوة بينه وبين النظام العراقي. 3 ان حملة أميركية جوية ضد العراق ستعني وبالضرورة قصف مناطق مدنية آهلة بالسكان وستكون أثارها أكثر ظهورا للعيان، مما قد يوّلد تداعيات سياسية في منطقة الشرق الأوسط برمتها. ولذا يشدّد كوردسمان على أهمية ترجمة إعلان باول تسوية الصراع على المسار الفلسطيني سياسة عملية، وهو ما يتطلب ضغطا حقيقيا على إسرائيل لتجميد الاستيطان. ويبدو هذا مستبعدا في ظل الظروف الحالية بسبب التصعيد غير المسبوق لحكومة ارييل شارون ضد الفلسطينيين والسلطة الفلسطينية. ورأى إيفرست في هذا الصدد إن غياب مبرر مقبول لضرب العراق، دفع بصقور البنتاغون للتركيز على قضايا أسلحة الدمار الشامل و "التهديد الذي يمثله العراق لجيرانه ولاستقرار المنطقة، لكن الأمر يتعلق في الواقع بالحسابات النفطية التي تحظى بأهمية الآن أكثر من أي وقت مضى، وبالفرصة التي يعتبرها هؤلاء مواتية لإعادة صوغ النظام العالمي الجديد، على نحو يعزز الهيمنة الأميركية غير المنقوصة على الساحة العالمية". واضاف "ان تجدد الدعوات الى ضرب العراق يمثل في أحد جوانبه ردا ملموسا على تآكل العقوبات وانهيار آليات الاحتواء المزدوج. إن كبار المسؤولين في الإدارة يناقشون وبشكل أسبوعي منذ تموز يوليو الماضي ما إذا كان يتعين على الإدارة إسقاط صدّام حسين. واكتسب هذا الموقف زخما جديدا ومتزايدا بعد 11 أيلول". ولابدّ أن صقور البنتاغون والحزب الجمهوري يشعرون بالارتياح لقول بوش "ان الأولوية المقبلة في حرب أميركا ضد الإرهاب هي ]منع[ انتشار أسلحة الدمار الشامل. لقد جرى تحذير الدول المارقة من أن تؤوي أو تموّل أو تدرّب عملاء الإرهاب. هناك رقابة على ما تقوم به هذه النظم، وستحاسب عليه". ويصب هذا التصريح لصالح إحدى التوصيات التي قدّمها كوردسمان في تقريريه حيث شدّد على أهمية أن تبدأ واشنطن جهودها ضد العراق بإطلاق حملة إعلامية مكثّفة ومتكاملة لإعداد الحلفاء لتقبل الخطوة وتبديد أي شكوك قد تكون لديهم حول جدية واشنطن في تصميمها على إنهاء حكم صدّام حسين سريعا وفي فترة محدودة. ويرى كوردسمان أن الحملة لابدّ وأن تشدد على نية واشنطن في رفع العقوبات المفروضة على العراق في حال سقوط صدّام، والاعتراف سريعا بأي نظام يخلفه والحفاظ على وحدة العراق وذلك لطمأنة الحلفاء الإقليمين الذين تخيفهم احتمالات تقسيم هذا البلد وتفتيته.