سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
شهيدان وجرحى في الخليل ... والطلبة الفلسطينيون يتنقلون تحت الحراب في ظل الحصار . بيريز يتحدث عن الحاجة للقاء مع عرفات قريباً لقناعته باستحالة حسم النزاع عسكرياً
كل الشعب الفلسطيني يمشي، الاطفال والشيوخ وحملة البضائع من التجار والنساء واضيف اليهم الطلبة مع بدء العام الدراسي. ثلاثة ملايين يتنقلون بين تجمعاتهم السكنية مروراً بأكثر من ثلاثمئة حاجز عسكري اسرائيلي ثابت وعشرات الحواجز المفاجئة التي ينصبها جيش الاحتلال على الطرقات. وفيما استمرت الاشتباكات في الخليل بين قوات الاحتلال الاسرائيلي والمقاومين الفلسطينيين الذين استشهد اثنان منهم امس وجرح آخرون، قال وزير الخارجية الاسرائيلي انه يرى حاجة لعقد لقاءات مع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات لقناعته باستحالة حسم النزاع الإسرائيلي - الفلسطيني بالوسائل العسكرية. يوحي المشهد العام للمناطق المحتلة بالأفلام السوريالية، فعلى اي حاجز على الطرقات، يراقب جنود اصابعهم على الزناد آلاف المشاة المارين بصمت، وفي اتجاهين متعاكسين، هذا يحمل اكياساً بلاستيكية فيها خبز او خضار أو معلبات، وتلك تضع على رأسها "صرة" من الملابس، وشاب يتأبط جهاز حاسوب واخر يحمل مرآة كبيرة ورجلان يتقاسمان حمل كيس كبير، ومسن يتوكأ على عكازه ويشتم في سره وأحياناً في العلن. وقد نشأت اسواق صغيرة في محيط كل حاجز او "محسوم" وهي المرادفة العبرية التي بات يستخدمها الفلسطينيون. في هذه السوق تباع الأواني البلاستيكية والخضار وفواكه الموسم وبخاصة التين والعنب ويتناثر باعة البوظة والخروب والسوس وهم الوحيدون الذين يسمع صوتهم فاستعاروا من الفضائيات: "خبر عاجل"، حبة البوظة بشيكل بدل شيكل ونصف"! منذ أمس الاول اضيف الى هؤلاء جميعاً طلبة المدارس الذين يصل عددهم الى مليون طالب وطالبة في الضفة الغربية وقطاع غزة. بطبيعة الحال، فإن من يتنقل في المدن لا يمر على الحواجز الاسرائيلية ولكن طلبة القرى الذين يكملون التعليم الاعدادي والثانوي مجبرون على سلوك درب الآلام وباتوا يشكلون غالبية العابرين... بعضهم يمرح ملوّحاً بحقيبته وآخرون تبدو على وجوههم ملامح التحدي وقسم ثالث يعتريه الخوف من سلاح الجنود. ولعل المنطقة الأكثر خطراً هي مدينة الخليل فالمدارس فيها لا تتبع التقسيم الأمني الذي فرضه اتفاق فلسطيني - اسرائيلي، ومن بين ستين ألف طالب، هناك خمسة عشر ألفاً يتحركون بين منطقتي السيادة الامنية الفلسطينية والاسرائيلية للالتحاق بمدارسهم وقد احتجزوا يومي امس وأول من امس على المعابر. انهم جيش من الأطفال بلباس اخضر او ازرق في مواجهة الجنود على الطرف الثاني من المكعبات الاسمنتية. منع معظمهم من العودة الى مقاعدهم والحجة ان الوضع الامني لا يسمح بالتنقل من شطر الى آخر. ظلت الخليل نقطة التوتر الدائم بسبب وجود اربعمئة مستوطن يهودي في البؤر الاستيطانية المنتشرة في المدينة التي شهدت اشتباكات ضارية منذ الليل وحتى صباح امس الاحد. فبذريعة سقوط زخات من الرصاص على البؤر الاستيطانية انهال القصف الاسرائيلي على احياء المدينة وطاولت القذائف والرصاص الثقيل خمسة عشر منزلاً، وكان ذلك تمهيداً لتوغل عسكري لمسافة عشرات الامتار في احياء وادي الهرية، وجبل الرحمة وحارة ابو سنينة المشرفة على المدينة، وشارك في التوغل افراد "الوحدات الخاصة" تتبعهم الآليات. ويبدو ان الهدف كان قنص المقاومين المسلحين من الفلسطينيين الذين واجهوا التوغل بالرصاص والقنابل الحارقة كذلك باشعال اسطوانات الغاز على المفترقات والطرق التي تقدم منها الاسرائيليون. وأدت المواجهات الى استشهاد كل من محمد عاشور 21 عاماً وعلاء رفاعية 22 عاماً وجرح آخرين. كل ذلك في ظل حظر شامل للتجول في البلدة القديمة وكامل المنطقة الواقعة تحت السيطرة الاسرائيلية. وجاء هذا الاشتباك بعد يوم من الصدامات الحامية والقصف الذي ادى الى جرح ستة عشر فلسطينياً واصابة جندي اسرائيلي. وفيما يتعرض الطلبة الفلسطينيون لإعاقات في الوصول الى مدارسهم فإن المدارس في المستوطنات اليهودية تأخرت في فتح أبوابها مدة ساعتين بأوامر عسكرية حتى تم تأمين عدد كاف من الحافلات المدرعة والمقاومة للرصاص لنقلهم الى مدارسهم. وفي مستوطنة "غيلو" جنوبالقدس انتشر مدربون رسميون في المدارس لإرشاد الطلبة على التصرف في حال تعرض المدارس لرصاص الفلسطينيين من منطقة بيت جالا. وشهد افتتاح هذه المدارس تقاطر المسؤولين الاسرائيليين ومن بينهم ارييل شارون الذي اصدر تصريحات تهديدية ضد الفلسطينيين، وقال انه لن يسمح بسقوط ولو رصاصة واحدة على "غيلو" أو أي مكان آخر في القدس، فيما أمل وزير خارجيته شمعون بيريز بأن يقود التفاهم الذي احرز قبل أيام عدة بين الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي الى وقف المواجهات في منطقة "غيلو". وتطرق بيريز للقائه المرتقب مع الرئيس الفلسطيني والذي ترجح مصادر اسرائيلية انه سيعقد نهاية الاسبوع الجاري في روما أو حاجز بيت حانون على مدخل قطاع غزة. وقال وزير الخارجية الإسرائيلي أمس إنه يرى حاجة لعقد لقاء مع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات لأن "الاوضاع الميدانية المتصاعدة تملي عقد اللقاء في اقرب وقت ممكن لاحتواء الصراع الذي لا يمكن حله بالطرق العسكرية". وتشاور بيريز ظهر امس مع شارون حول اجندة اللقاء وبحثا في نتائج اجتماع بيريز مع اسامة الباز، مستشار الرئيس المصري للتحضير للقاء عرفات مع بيريز. ونقل عن بيريز ابلاغه شارون ان المصريين يرون ان نجاح اللقاء مع عرفات منوط بتقديم اسرائيل مقترحات سياسية وعدم التمترس حول القضايا الأمنية. وفيما ذكرت صحيفة "هآرتس" ان الباز زار إسرائيل، كتبت صحيفة "معاريف" ان اللقاء تم في لارنكا في جزيرة قبرص، وتناول إمكان عقد اللقاء أثناء مشاركة الزعيمين في المؤتمر الاقتصادي في كومو في ايطاليا، أواخر هذا الأسبوع، على رغم أن بيريز يفضل عقد سلسلة لقاءات مع الرئيس الفلسطيني في المنطقة على أن يكون بعضها بعيداً عن وسائل الإعلام. وحسب "معاريف"، فإن بيريز يرى أيضاً وجوب عقد قمة على غرار قمة كامب ديفيد ولكن في مكان منعزل بهدف اجراء مفاوضات مكثفة تقود إلى وقف النار واستئناف المفاوضات السياسية. وأضافت ان بيريز معني بمشاركة مصرية وأردنية وأوروبية وأميركية في هذه اللقاءات "لتمكين الرئيس الفلسطيني من اقناع شعبه بأهمية وقف النار مقابل تسجيله مكاسب سياسية". وأعلن وزير الأمن الداخلي المتطرف عوزي لنداو معارضته للقاء بيريز وعرفات، واعتبره غير مفيد "بل يلحق أضراراً بإسرائيل". الى ذلك، شدد وزير الثقافة والاعلام الفلسطيني ياسر عبد ربه في مؤتمر صحفي في رام الله على ان أي اتفاق على عقد لقاء عرفات - بيريز لم يتم بعد وان الفلسطينيين "يطالبون بضمانات دولية قوية لأي تفاهم او اتفاق يمكن التوصل اليه". وقال ان "وقف الاجراءات العدوانية المتخذة ضد شعبنا من حصار وقصف واغتيالات واحتلال مؤسسات كبيت الشرق هو شرط العودة الى اي شكل من الحوار السياسي". واسهب عبد ربه في وصف اشكال الخروقات الاسرائيلية للاتفاقات الموقعة والقمع الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني منذ اندلاع الانتفاضة.