} تصادف الشهر الجاري الذكرى العاشرة لرحيل المفكر والكاتب المصري لويس عوض. واحتفالاً بالذكرى يعقد المجلس المصري الأعلى للثقافة بدءاً من اليوم السبت ندوة دولية عن فكره السجالي ونتاجه المتعدد أدباً وفلسفة وسياسة. هنا مقاربة نقدية لأبرز المعالم الفكرية التي خاضها الراحل. لقد كان لويس عوض - رحمه الله - في طليعة "المحاربين" من أجل تقدم الفكر العربي، والذين لم نعوضهم حتى اليوم. فهو لم يكن وحيداً في معارك الفكر، بل كان واحداً من آخرين خاضوا معارك الفكر النبيلة الكبرى في القرن العشرين، وقد ازدهرت في نصفه الأول. وحاولت رصدها وطرح جذورها وأبعادها ونتائجها في كتابي "حيوية مصر" الصادر العام 1996. كانت آراء لويس عوض - الذي شاء القدر أن يعاصر كثيراً من الأحداث التاريخية الفارقة في مصر خلال القرن العشرين - مثار خلاف تطور في كثير من الأحيان إلى هجوم على "شخصه"، لم ينته بمصادرة كتابه "مقدمة في فقه اللغة العربية"، بل وصل الأمر إلى إرسال تهديدات شخصية إليه وتحريض القيادة السياسية عليه. لدي ثلاث ملاحظات أولية يمكن أن تسهم في إلقاء الضوء على شخصية "المحارب" لويس عوض: الأولى: أنه لم يرد على أي من منتقديه على صفحات الجرائد والمجلات" لذلك فإنه لم يكن موافقاً على عنوان كتاب "لويس عوض ومعاركه الأدبية" عندما ذهب إليه نسيم مجلي في جريدة الأهرام ليعلمه بأمر الكتاب، قائلاً إنه لم يدخل معارك مع أحد: "ماذا كتب هذا أو ذاك حتى تقول إني دخلت معه في معركة ؟!" واستنتج نسيم أن اعتراض لويس عوض مصدره أنه لا يعتبر خصومه أنداداً له. لويس عوض ومعاركه الأدبية ص 5-6 والغريب أن الشيخ محمود شاكر - الذي لا يتفق مع لويس عوض في أي شيء - يتفق معه في هذه النقطة فقط، اذ يقول: "إن الذي أكتبه ليس معركة بل هو كما بينت مراراً كشف عن تزييف إنسان يحمل لقباً، لا أدري كيف حمله، غرّ بعض الناس حتى زعموه مثقفاً وليس به... بل هو ممخرق عظيم المخرقة على الناس...". أباطيل وأسمار ص 200 - 2001 الثانية: إن أشد منتقدي لويس عوض الشيخ شاكر والدكتور بدراوي نسيا في غمرة حماستهما الجارفة مناقشة جوهر القضايا والأفكار التي طرحها لويس عوض، أو بالأحرى أعاد طرحها، وركزا هجومهما على شخصه، وانتقيا "تفصيلات" لا يكفي تأكيد صحتها أو عدم صحتها دليلاً على فساد رؤيته. وهو ما لم يحدث - على سبيل المثال - عندما ناقش طه حسين دعوته في جريدة الجمهورية أن يكون "الأدب في سبيل الحياة"، أو عندما تناول هو كتاب توفيق الحكيم "عودة الوعي" بالنقد في مقاله "الأساطير السياسية" الذي نشره في الأهرام في 20/4/1978 وخصص لهذا الموضوع كتابه "أقنعة الناصرية السبعة" الذي نشر العام 1976. الثالثة: أن معظم القضايا التي كانت موضوع الخلاف الفكري المؤدي إلى هذه المعارك يمكن وصفها بأنها "قضايا شائكة" تحتم على من يحاول الاقتراب منها بالنقد والتقويم أن يكون ملماً بالمعارف الأدبية، والفلسفية، والتاريخية، والدينية، واللغوية. وهو ما يفسر - اضافة إلى عوامل أخرى - الرقم الضئيل الذي تم بيعه من كتاب "مقدمة في فقه اللغة العربية" الذي نشرته الهيئة العامة للكتاب في نهاية العام 1980، إذ لم تتجاوز النسخ المبيعة من هذا الكتاب في الوطن العربي كله طوال ما يقرب العامين - إلى أن تمت مصادرته - بضع مئات من النسخ. لذلك سأكتفي هنا بعرض سريع لأفكار وقضايا جوهرية أثارها لويس عوض أو أثارها آخرون في عدد من المعارك الفكرية التي أشعلها لويس عوض، من دون التورط في الاستفاضة في ذكر تفاصيل فرعية لا يؤدي الخلاف العقيم عليها إلى شيء ما. توفيق الحكيم وأقنعة الناصرية على رغم أن توفيق الحكيم كان بمثابة "فيلسوف الدولة الرسمي" إبان فترة الحكم الناصرية - وربما بعدها - إلا أنه نشر كتابه "عودة الوعي" الذي انتقد فيه عبدالناصر وحكمه بعد عام واحد من رحيله 1970 ربما خدمة للنظام الساداتي الجديد، أو لعدم إمكان نشر هذا الكتاب - الذي فكر فيه منذ عام 1962 كما قال - في حياة جمال عبدالناصر. وكان ما فعله توفيق الحكيم "جديداً" على الحياة الثقافية المصرية" لذلك كان دويه هائلاً في آذان أو عقول مثقفي الوطن العربي كافة، والمثقفين المصريين خصوصاً، وصداه ممتداً إلى الغالبية الكاسحة من المواطنين. وسنجد المكتبة العربية زاخرة بعناوين مثل: "أقنعة الناصرية السبعة" و "الوعي المفقود" و "عبدالناصر المفترى عليه" و"الحكيم ووعيه العائد"... إلى آخر هذه القائمة الطويلة من عناوين الكتب والمقالات التي أسهم بها في هذا الخضم كُتَّابْ ينتمون إلى مختلف الاتجاهات مثل: محمد حسنين هيكل، محمد عودة، فؤاد زكريا، مصطفى بهجت بدوي، أبو سيف يوسف، أحمد عباس صالح ولويس عوض... وسواهم. وعلى رغم أن لويس عوض تقدم باستقالته من وظيفته كمشرف على الصفحة الأدبية في جريدة "الجمهورية" عام 1954 احتجاجاً على استخدام العنف ضد المتظاهرين واستنكاراً للاعتداء البدني على السنهوري باشا رئيس مجلس الدولة، وأقيل من منصبه كرئيس قسم اللغة الإنكليزية في كلية الآداب جامعة القاهرة، بل وتم اعتقاله مع "الشيوعيين" عام 1959، على رغم كل ذلك، اتسمت مناقشته لأفكار توفيق الحكيم وتحليله فترة حكم عبدالناصر بالمعقولية والحياد، الأمر الذي أدى إلى أن يكون كتابه "أقنعة الناصرية السبعة" أحد أهم الكتب التي استطاعت - وسط كل هذا الضجيج - أن تُعلي "صوت العقل" لوعيه بأن التاريخ لا يكتب بوحي الشهوات والأحقاد. مفرقاً بين "شهادات الأحياء" و"التأريخ"، منبهاً إلى أهمية "الوثائق" في كتابة "التاريخ" في شكل موضوعي. كتب لويس عوض مقالاً في جريدة "الأهرام" في أول نيسان إبريل تحت عنوان "الأساطير السياسية" قال فيه: "إن أسطورة الدعوة الانعزالية لا تقل شططاً عن أسطورة الدعوة إلى الوحدة الاندماجية الكبرى القائمة على العروبة العرقية أو العنصرية الملتهمة كل ما في المنطقة من قوميات"، مبرراً ذلك بأن الأمن القومي المصري يقتضي منا النظر إلى المنطقة العربية باعتبارها وحدة "جيوبوليتية" واحدة. لذا فإنه يرى في السلام "خياراً استراتيجياً لمصر وللدول العربية بديلاً من "العداء" الذي اعترض طريق "عجلة التنمية" ولم يزد مصر وجاراتها إلا تعرضاً للعدوان. وهو ما دفع رجاء النقاش إلى كتابة مقالات في مجلة "المصور" في الفترة من 21 نيسان إلى 13 آيار مايو 1978 تحت عنوان "الانعزاليون في مصر"، نشرها فيما بعد في كتاب صدر عن دار المريخ في الرياض، رد فيها على آراء الحكيم ولويس عوض. كما اتهم بعض "القوميين" لويس عوض بأنه يسعى من خلال منطق "الأقلية القبطية" إلى نسف "الكيان القومي"، مما جعله يستهل مقاله في "الأهرام" بتاريخ 20/4/1978 بقوله: "... وإلى هذه القلة - غفر الله لها - أقول إن التفتيش في ضمائر الناس عن دوافع خفية الحجة إلى اعتناق المبادئ والتعبير عنها بدلاً من التركيز على الحوار العلمي الموضوعي، يضعف الحجة ولا يقويها، وهو خليق بمحاكم التفتيش التي انطوت فيما انطوى من تاريخ الإنسانية الحزين، ولم يتبق منها إلا الآثار عن الإرهاب الستاليني والهتلري والمكارثي. ويكفي أن أسجل على هؤلاء أنهم تركوا الفاعل الأصلي في دعوة العزلة المصرية عن العرب وهو ثنائي توفيق الحكيم وحسين فوزي وأمسكوا بتلابيب المتوسط المعتدل الذي يرفض الاعتزال والاندماج جميعاً". أبو العلاء المعري وابن خلدون الاتهام الموجه إلى لويس عوض هنا هو محاولة "نفي الأصالة" عن أبي العلاء المعري وادعاء تأثره، بل واستفادته، في "رسالة الغفران" من الأدب اليوناني - الذي يمكن أن يكون اطَّلع على بعض منه عن طريق راهب "دير الفاروس" - متمثلاً في: كوميديا "الضفادع" لأرسطو فانيس التي كانت أقدم عمل أدبي مخصص بالكامل لزيارة الإنسان للعالم الآخر، وملحمة "الإنيادة" لفرجيل التي تتضمن زيارة البطل إنياس للعالم الآخر. وتأسس ادعاء تأثر المعري بالأدب اليوناني على: 1- التشابه في "الشكل" بين رسالة الغفران التي كان شكلها هيكلها أقرب ما يكون إلى المسرح وبين الأعمال المسرحية اليونانية. 2- عدم وجود هذا "الشكل" في اللغة العربية سوى في رسالة "التوابع والزوابع" لابن شهيد الأندلسي الذي كان معاصراً لأبي العلاء. 3- اشتمال "رسالة الغفران" على "عناصر ثقافية" غير معروفة في مصادر "الثقافة العربية" يُمْكِن ردَّها إلى "مصادر يونانية" مثل: المرأة / الحية، النساء / الشجر، النساء / الأوز و"شراب الخلود" ... الخ. 4- وحدة الموضوع" إذ أن الرحلة إلى العالم الآخر لم تكن هدفاً في حد ذاتها وإنما كان الهدف من ورائها هو الإدلاء بالرأي الحاسم في قضايا خلافية يتم الوصول إليه بعد العودة إلى الحياة من العالم الآخر ب"الحقيقة". والحقيقة أن لويس عوض لم يكن يسعى - في كتابه "على هامش الغفران" الذي نشر في بداية الستينات - إلى "نفي الأصالة" عن أبي العلاء المعري. والدليل انه قرر ان الشاعر الإيطالي الشهير دانتي الذي لا ينفي عنه الأصالة تأثر برسالة الغفران لأبي العلاء ورحلة الإسراء والمعراج في القرآن الكريم. بل كان لويس عوض يسعى إلى ترسيخ قدم "الأدب المقارن" في دراساتنا الأدبية. أما في ما يتعلق بابن خلدون وهو مؤسس علم الاجتماع، وأول فيلسوف للتاريخ، فنشر لويس عوض مقالات أربعة عام 1961 في جريدة "الجمهورية" تحت عنوان "ابن خلدون"، وأعاد نشرها في كتابه "مقالات في النقد والأدب" عام 1964م. والاتهام الموجه إليه هنا مكوَّن من شقين: الأول: أنه قدم تفسيراً لابن خلدون وفلسفته في سياق تطور الفكر الأوروبي لا العربي. والثاني: أنه رد العناصر المكونة لفكر ابن خلدون إلى مصادر لاتينية، وبخاصة كتاب أورسيوس Orosius: "التاريخ للرد على الكفار" أو "القصص ضد الوثنين" Historiae Adversus Paganus مرجحاً معرفة ابن خلدون للغة اللاتينية، واستفادته من الفكر الأوروبي في بناء نظريته عن التاريخ. وبإمكاننا أن نوافق لويس عوض - في ما يتعلق بالشق الأول - عندما يقول: "إن ابن خلدون كان ابناً شرعياً لحركة الرينسانس النهضة حين أعلن أن الدولة القومية بمعناها الزمني الحديث خطوة متقدمة على الخلافة والبابوية والحكومة الدينية عموما. كانت فلسفته خليقة بأن تجدد العالم العربي وتبعث فيه نهضته الأولى، لولا أن العثمانيين عادوا به القهقرى بما أقاموا من حكومة ثيوقراطية تحكمه بالخلافة من اسطنبول". نوافقه من منطلق أنه كان يبحث - بتعبير هيغل - عن تجليات "العقل الكلي" عبر التاريخ" كي لا يكون ظهور ابن خلدون على مسرح الحياة في القرن الثامن الهجري / الخامس عشر الميلادي وتفسيره للقوانين التي تحكم "الاجتماع" و "العمران" في إطار فلسفة جديدة تماماً ل"التاريخ"، مفاجأة منبتة الصلة بما سبقها من آراء ونظريات. أو أنها تكونت بمعزل عما كان يواجهه الفكر من أزمات ومشكلات على أرض الواقع، على اعتبار أن "أوروبا" هي التي استفادت عملياً من هذه الفلسفة فتخلصت من قبضة الحكم الثيوقراطي "البابوي" بينما ظلت الخلافة قائمة في العالم العربي الإسلامي. لكننا لا نستطيع أن نتفق مع لويس عوض - في ما يتعلق بالشق الثاني - على أن ابن خلدون استمد فكرة "الدورات التاريخية" أو غيرها من الأفكار من أورسيوس الذي ألف كتابه عن التاريخ بإيعاز من القديس أوغسطين صاحب كتاب "مدينة الله". فأورسيوس - كغيره من المؤرخين المسيحيين في العصور الوسطى - يتصور أنه يعلم تماماً بداية التاريخ ونهايته، ولا يحاول أن يؤكد سوى أن الدراما التي بدأت بخلق العالم تسير وفقاً ل"خطة إلهية" محكمة ومشمولة ب"العناية الإلهية". أما ابن خلدون فإنه يستشرف أفقاً أعلى وأقوى، ملتزماً بمنهج علمي موضوعي في بحثه عن القوانين التي تحكم الظواهر "الاجتماعية" و"التاريخية" لكشفها والاستدلال عليها من دون أن يستند في ذلك إلى أية غيبيات. وهو يعرف أنه بهذا يضع الأسس والمنهج لعلم جديد، كما يتضح من مقدمته الشهيرة ج1 ص 65. الفارق، إذاً، ضخم بين ابن خلدون وأورسيوس، ولا يمكن اختصار هذا الفارق بالبساطة التي نجدها عند لويس عوض حين يقول عن ابن خلدون: "وهو على رغم انه قرأ أورسيوس بعمق شديد ونقل منه الصفحات بل والفصول وأشار إليه في مواضع ومواضع، وقف منه وقفة مفكري الرينسانس الذين ناصروا الفكرة القومية على حساب الثيوقراطية أو الحكومة الدينية". لأننا يجب أن نفرق بين اعتماد ابن خلدون "كمؤرخ" على إثبات الحوادث التي مرت بها الأمم الأخرى من طريق مؤرخيهم، والاعتماد على هؤلاء المؤرخين ك"مصادر"، وفقاً لنظرية "القوم أعلم بأخبارهم"، وبين التأثر بمنهجهم في البحث أوبتصورهم عن "التاريخ". أما ترجيح الدكتور لويس عوض لمعرفة ابن خلدون للغة اللاتينية - والذي لم يقل به في حدود علمنا أي باحث غيره - مستدلاً على ذلك بما سماه "توافق في الآراء" بين مارسليو دي بادوا، مؤلف "حامي السلام" عام 1324، وابن خلدون في ما يتعلق بتشبيه الدولة بجسم الانسان. فإن المقارنة هنا لا محل لها. ففضلاً عن أن ابن خلدون لم يعرف شيئاً عن مارسليو دي بادوا ولا عن مؤلَّفه "حامي السلام"، فإن هذا الأخير كان يتحدث عن "الترابط المفترض بين العناصر المكونة للدولة من خلال مفهوم "سياسي" وليس من خلال فلسفة خاصة لل"التاريخ". اللغة العربية... والفصائل اللغوية الاتهام الموجه هنا إلى لويس عوض - من خلال حكم محكمة جنوبالقاهرة الابتدائية في 30/6/1983 بتأييد أمر ضبط كتاب "مقدمة في فقه اللغة العربية" تضمن التهجم على الإسلام واللغة العربية والقرآن الكريم. مثل ادعائه أن كلمة صمد العربية يمكن أن ترد إلى كلمة خمت المصرية التي تعني ثلاثة، ورده كلمة كعبة العربية إلى كلمة كابا المصرية التي تعني الهرم، وكلمة آمين التي تعني استجب في العربية إلى آمون المصرية. وبغض النظر عن كل الجزئيات التي يمكن أن يكون لويس عوض قد أصاب أو أخطأ في شأنها، فإن أياً من منتقديه لم يتعرض إلى "نظريته" - التي لم يدع هو أنها حقيقة علمية، بل مجرد نظرية يرجعها الى أسباب موضوعية - التي تقول إن اللغات السامية هي مجرد فرع من شجرة الفصيلة التي تضم اللغات "الهندوأوروبية". يقول لويس عوض: "وانتهيت من أبحاثي في فقه اللغة العربية إلى أن اللغة العربية هي أحد فروع الشجرة التي خرجت منها اللغات الهندية الأوروبية. وإذا نحن اعتبرنا اللغة العربية نموذجاً لبقية اللغات السامية خرجنا بأن ما يسمى بمجموعة اللغة السامية هو أحد الفروع الرئيسة التي خرجت من هذه الشجرة ثم تفرعت إلى فروع ثانوية كانت اللغة العربية أحدها" مقدمة في فقه اللغة العربية ص 26. كتب أديب ياباني في مقدمة كتابه: "لو أردت الكمال لعملي هذا... ما انتهيت منه أبداً". تلك بالتحديد - من وجهة نظري - كانت مشكلة "مشروع لويس عوض" الذي كان طموحاً إلى الحد الذي أوصله إلى نقطة اختيار صعبة بين: "إنجاز بعض ما أراد كما يجب" أو "مجرد إنجاز ما أراد"" إذ لم يكن الزمن ليسمح له بتشييد كل ما أراد بناءه "على الوجه الأمثل". موسوعية لويس عوض وطموحه العريض لم يسمحا له أن يتخيل نفسه - سواء في اليمين أو اليسار - إلا "قائداً للفكر"، فتولدت لديه رغبة محمومة في "التحقق" يغذيها خوف من أن يكون - كغيره - مجرد عابر في طريق الحياة الثقافية المصرية، فاختار أن يقطع علينا "الطريق" ولا يسمح لنا ب"الهدوء الثقيل" الذي استمتعنا به سنوات وسنوات. حتى وإن كانت محاولة إزالة الغبار الذي تراكم على الأوراق والوثائق والمخطوطات "القديمة" مغامرة تهدد بتمزق كل ذلك.. وفقدان كل شيء. * رئيس مجلس إدارة دار الكتب والوثائق المصرية.