الأب جان فونتان راهب الأدب العربي المعاصر، منذ أكثر من أربعين سنة - مدة إقامته في دير الآباء البيض بمدينة تونس - وهو يعكف على دراسة الأدب التونسي، والعربي، وعلى أرشفته وتأريخه متبعاً خطى أسلافه الأب ديمرسمان والأب كيمينير والإب لويس الذين أثروا الثقافة التونسية العربية بأعمالهم العلمية الجليلة. كتب جان فونتان مئات الصفحات عن هذا الأدب لعل من أهمها رسالته العتيدة عن توفيق الحكيم وهي بعنوان: الموت والانبعاث في حياة توفيق الحكيم. وكتب كذلك عن النص الأدبي المسيحي العربي، ولكن محور عمله، الأساسي وشغله الشاغل ظل الكتابات التونسية التي وضع عنها مصنفات كثيرة لعل أهمها مدونته الشاملة للمؤلفات التونسية والتي صدرت في حينها عن بيت الحكمة في قرطاجنة بعنوان "فهرست تاريخي للمؤلفات التونسية" وهو عبارة عن عمل موسوعي ضبط فيه كل الإنتاج الفكري التونسي منذ أحقابه الأولى. والأب فونتان أيضاً يشرف على مجلة "إيبلا" المخصصة في الدراسات التونسية والعربية وقد مضى على صدور عددها الأول ما ينيف على ستين سنة. وأخيراً صدر له دفعة واحدة ثلاثة مؤلفات هي: ثبت الأدب العربي التونسي المعاصر والأزمة الدينية للكتّاب المسيحيين السوريين واللبنانيين بالفرنسية وسيرة روحية، وقد التقيته لأسأله عن كل هذا وغيره. لنبدأ بعملك الأساسي الأول وهو رسالتك عن توفيق الحكيم: "الموت والانبعاث في أعمال توفيق الحكيم" ماذا وجدت في هذا الأدب بعد سنوات من الدرس والبحث والتمحيص في وثائق الحكيم، وفي حياته الخاصة؟ - في رأيي أن لكل إنسان في هذا الكون رسالة دقيقة وفريدة. إذاً على الناقد أن يبحث في أدب كاتب ما أن يعثر في انتاج هذا الكاتب على هذه الرسالة الدقيقة والفريدة، على هذه الفكرة الوحيدة. وبالنتيجة، يبدو أن أطروحتي التي ذكرتها في سؤالك اكتشفت ان محور حياة وأدب توفيق الحكيم يدور حول الموت والانبعاث. فهذا المحور يتخلل كل كتابات الحكيم، ومن دون استثناء. ثم واعتماداً على دراسة هذا المحور استطعت أن أوضح وبشكل تأليفي، كيف تعيش كل شخصيات توفيق الحكيم هذا الموت وهذا الانبعاث. خلاصة القول هناك صراع لدى توفيق الحكيم بين تكوينه الإسلامي التقليدي، وبين ثقافته الغربية الحديثة، وليحسم توفيق الحكيم هذا الصراع، فقد عاد الى أسطورة إيزيس وأوزوريس الفرعونية القديمة، فهي التي وجد فيها حلاً لهذا الصراع. ويمكننا أيضاً أن نطبق هذا التحليل، وهذه النتيجة على كثير من الإنتاج الأدبي العربي المعاصر. ماذا تتذكر عن توفيق الحكيم؟ متى وكيف كان لقاؤك الأول معه؟ فهناك أساطير كثيرة نسجت حول الحكيم، وحول حياته؟ - كان أول لقاء لي معه سنة 1969. ولأن توفيق الحكيم ممثل كبير، ومموه عظيم - طبعاً ليس بالمعنى الأخلاقي المنحط - فقد حاول في هذا اللقاء الأول أن يلعب معي ذلك الدوّر الذي لعبه مع الآخرين، والمتمثل في مغالطته الآخرين عن نفسه وأدبه. مثلاً يقدم توفيق الحكيم نفسه كعدو للمرأة، وفي رأي فإن هذه أسطورة أذاعها هو حول نفسه، وليس لها أي أساس في الواقع. أيضاً يقدم الحكيم نفسه بوصفه أديباً يعيش في برج عاجي، في صومعة الفكر" وحقيقته الموضوعية هي على النقيض من ذلك" فقد شارك الحكيم في كل القضايا التي خاضها الفكر والشعب المصري منذ ثورة 1919 وحتى وفاته... وقد اكتشف الحكيم على امتداد لقاءاتنا فيما بعد أني لم أكن ذاك المغفل لأتبنى الصورة التي يقدمها هو عن نفسه. حتى أني وفي إحدى زياراتي لمصر، وأثناء اعداد هذه الرسالة ذهبت الى بلدية الإسكندرية، وبالضبط الى قسم الحالة المدنية بها لأتثبت من تاريخ ميلاده، وذلك لأني علمت أن والد الحكيم غيّر هذا التاريخ ليتمكن من استخراج جواز سفر لابنه توفيق. وأذكر أني عندما أعلمت توفيق الحكيم بسنه الحقيقية أخرج لي جواز سفره ليقول لي انه أصغر مما أدعي ببضع سنوات، فواجهته بورقة تحمل التاريخ الحقيقي لميلاده، والمثبت بدفاتر الحالة المدنية ببلدية الإسكندرية، فما كان منه إلا أن تراجع. إضافة الى ذلك فقد وجدت في أحد نصوصه الأولى - وقد نسي هو هذا النص - قصة تغيير أبيه لتاريخ ميلاده وذلك ليتمكن والد توفيق الحكيم من ادخال ابنه للمدرسة الابتدائية، وهكذا اكتشف الحكيم أني كنت أعرف مؤلفاته أكثر منه. هل تذكر نادرة أخرى وقعت لك مع الحكيم؟ - هناك مثال آخر لتمويهات الحكيم، وعندما أقول تمويهات لا أقصد كما ذكرت فيما سبق المعنى الأخلاقي، وإنما هو اندغام الحكيم مع أساطيره. فقد نشر سنة 1940 ترجمة وصياغة أدبية لنشيد الانشاد، وهو سفر من التوراة. وقد وضع له في حينه مقدمة يمتدح فيها الإيديولوجيا اليهودية، ولكننا نجده فيما بعد يحذف هذا الكتاب من قائمة أعماله، ثم يعود بعد سنوات أخرى لنشر هذه الترجمة ولكن بمقدمة أخرى مخالفة للمقدمة الأولى. وعندما واجهته بهذا بدا عليه شيء من الاضطراب. إذاً كانت لقاءاتك بالحكيم صدامية؟ - لا، كنت أقول له رأيي بلطف شديد، ثم ان الحكيم كما اعرفه رجل بشوش، حيوي، ذكي، صاحب نكتة... وعلى امتداد الأيام توطدت العلاقة بيننا، صار هو الذي يدعوني بعدما كنت أجد عنتاً كبيراً قبل لقائه. أذكر أني قلت له في إحدى لقاءاتنا في مكتبه ببناية الأهرام ان كثيراً من فقرات كتابه "حمار الحكيم" مأخوذ حرفياً من كتاب الشاعر الإسباني خوان رامون خيمينيث "أنا وبلا تيرو" قلت له هذا الكلام بلطف شديد. ومن ذلك اللقاء بدأ الحكيم يحترمني، وصار يجيب عن أسئلتي بشكل أدق. لديك وثائق كثيرة عن توفيق الحكيم، وهذا مهم لأن نصوص السيرة الذاتية التي يضعها الكاتب هي آخر ما يفصح عنه، وهي أبعد ما تكون عن الموضوعية لأنها ممتزجة بأساطيره، ومتأثرة بمقتضيات الكتابة؟ - أجل، أذكر أنه في آخر لقاء لنا اعترف لي بكل شيء" وقد أعطاني الحكيم كثيراً من الوثائق الشخصية النادرة. حدثني عن أشياء حميمية جداً، حدثني عن حياته الزوجية الخاصة، وعن حياته وممارساته الدينية... ألا ترى معي أننا نحن العرب نعيش اليوم على بقايا فكر وأدب، ورؤى النهضة هذه التي تعيش هي بدورها غروبها الأخير، أي أن الناس تنتظر خطاباً أدبياً آخر، بل يبدو لي أحياناً أن حياة الشعب متقدمة عن النصوص التي تكتب له؟ - أنا لا أتفق معك على هذا الرأي" لأن مبادىء النهضة العربية في القرن التاسع عشر لا تزال فاعلة في التاريخ العربي المعاصر فكراً، وأدباً، وسياسة، واجتماعاً. ألا ترى أيضاً - أنت الذي درس الخطاب الأدبي النهضوي، من أواسط القرن الماضي الى آخر الإصدارات الأدبية الشبابية، أن العرب اليوم ضائعين بين خطاب تراثي اكتمل في الماضي مرة وإلى الأبد، وبين حداثة عجزنا عن الدخول، والفعل فيها؟ - صحيح أن العرب اليوم يعيشون مرحلة انتقالية، وهي نتيجة مباشرة لتطور النهضة. أقول أن هناك أزمة لدى العرب اليوم بين هذا الماضي الذي مضى ولم يمض تماماً" وبين هذه الحداثة التي لا تأتي. - لا نستطيع أن نرسل حكماً على مجتمع من خلال مثقفيه فقط" وخصوصاً هذا الجزء الضئيل منهم، وهم المشتغلون بالكتابة. شخصياً أرى أناساً كثيرين وفي كثير من البلاد العربية، يعيشون توازناً كبيراً بين انتمائهم الى تراثهم العربي الإسلامي وبين معايشتهم اليومية للحداثة. ولكن هذه الجماهير لم تصغ حداثتها داخل نص لغوي. ألا يعود غياب هذا النص الى هذا التحجر في حياتنا الاجتماعية والثقافية. وحتى أن لغتنا هي نفسها عاجزة عن استيعاب فكر الحداثة وذلك من جراء تغلغل عالم الماضي فيها، فهي غي مهيأة للتخفف من معانيها الماضية لتقول حياتنا المعاصرة، وهذا يدفعنا للحديث عن خيار التعبير بالعامية التي هي لغة الحياة اليومية المادية - الوثنية؟ - تمثل العامية لغة الأم، وتمثل الفصحى لغة الأب فمن الطبيعي أن يرجع الإنسان العربي المعاصر الى الرحم ليؤسس حياته المعاصرة. ألا يخلق لديه هذا الازدواج - بين فصحى تقول عالماً قديماً، ودينياً" وبين عامية تقول حياته اليومية المغايرة جذرياً - نوعاً من الشيزوفرينيا الثقافية؟ - قد يكون. ماذا اكتشفت من خلال دراستك الصادرة أخيراً بالفرنسية حول الأزمة الدينية لدى الكتّاب المسيحيين العرب من 1825 الى 1940؟ - لم أدرس كل الإنتاج المسيحي العربي، اهتممت فقط بأدباء القرن التاسع عشر" وذلك بغية الإجابة عن سؤال كان قد وضعه المؤرخ العربي الكبير ألبرت حوراني في كتابه الذائع الصيت: "الفكر العربي في عصر النهضة" وهذا السؤال هو التالي: لماذا رجع المثقف المسلم في عصر النهضة الى الإسلام، بينما ذهب زميله المثقف المسيحي العربي الى الفكر العلماني واللايكي؟ وطرح بعده المستشرق الفرنسي جاك بيرك نفس السؤال. وقد وجدت بعد دراستي لهؤلاء المثقفين، أن خيارهم العلماني واللآيكي جاء بحكم وضعهم كأقلية داخل الخلافة العثمانية. كيف تفسر أن مصر لم تعبر عن نفسها مسيحياً، فنحن لا نجد جبراناً مصرياً، ولا نعيمة مصرياً، ولا حتى ايليا أبو ماضي مصرياً، بماذا تفسر هذا الغياب لأدب مسيحي مصري؟ وكأن المسيحية المصرية انسحبت الى داخل الأديرة والمعابد؟ - لا أوافقك على هذا الرأي. الأقباط المصريون عبروا عن زبدة المسيحية بطريقة أدبية، تتمثل في مشكلة الخلاص من الخطيئة، وهذه المشكلة لا نجدها لدى المسلمين. وهذا شيء مهم جداً لأن الأساس الذي تقوم عليه المسيحية هو الخلاص مما يستتبع فكرة الطهارة. عندما تقرأ إدوار خراط أو نبيل نعوم، أو مجيد طوبيا تجد أدباً مسيحياً مصرياً. بانوراما الأدب التونسي اليوم كنت وضعت كتباً وفهارس عن الأدب التونسي بالعربية وبالفرنسية، وأخيراً نشرت "فهرست للأدب التونسي" تغطي العشرين سنة الأخيرة" وهكذا فإن أعمالك تكاد تشكل موسوعة متكاملة عن الإبداع التونسي من البدايات الى اليوم. فماذا تعني بالضبط بمصطلح الأدب التونسي؟ إذ هناك من يحدد هوية هذا الأدب باللغة التي كتب بها، فيقول: أدب عربي؟ - طبعاً الأدب العربي لا يتجزأ. وأنا غير مسؤول عن تقسيم العالم العربي الى بلدان مختلفة. وعندما أخرج من تونس، عليّ أولاً أن أدفع ثمن طابع جبائي للخروج، وثانياً أن أحصل على تأشيرة لدخول أي بلد عربي آخر. إذاً الحدود موجودة" ولو أني لا أؤمن بالوطن فرنسياً كان أو عربياً. وفي رأيي لا معنى لهذه المفاهيم. وأنا أعتبر نفسي انساناً حراً، ولي الحق في أن أقيم في أي مكان من العالم. أعود لمصطلح "الأدب التونسي"، فقد نشرت أول دراسة عنوانها: تاريخ الأدب التونسي سنة 1914. إذاً لم أخترع هذه التسمية، وعندما وصلت الى تونس سنة 1956، وجدت آنذاك هذا المصطلح قائماً. أي دلالة تضيفها لهذا المصطلح؟ - بالنسبة لي الأدب التونسي جزء من الأدب العربي، وهو الأدب المنشور في تونس. أما فيما يتعلق بالهوية، أو بنوعية هذا الأدب، وخصوصيته" فيمكن أن أذكر بعض الأشخاص: منهم محمود المسعدي، وطريقته في علاج التراث، والبشير خريف، وإطعامه اللغة الفصحى بالدارجة. ومصطفى الفارسي، واستعماله الوسائل الكتابية العربية، مثلاً نجده يتوسل بحركات الإعراب للتعبير عن أفكاره. وحسن نصر إذ يعتمد القصة القصيرة جداً أو القصة البرقية. وأخيراً عزالدين المدني ولجوؤه للحلم للانفلات من ربقة الرقابة. أنت الذي كما سبق أن ذكرت عالج هذا الأدب التونسي دراسة، وأرشفة، وبحثا على امتداد أكثر من ثلاثة عقود، هل تستطيع أن ترسم لنا بعضاً من ملامح هذا الأدب؟ - الجواب واضح: ليس هناك خصائص تونسية بالنسبة لعائلة الأدب العربي الكبرى" إلا في الجزئيات" مع أنه من الممكن أن نؤرخ للأدب التونسي بطريقة مميزة، وذلك اعتماداً على الأحداث السياسية. وهكذا نجد هذا الأدب ينقسم ومنذ الاستقلال سنة 1956 الى أربعة أقسام، هي: أولاً الطليعة الأدبية، التي ظهرت في فترة تبني الحزب الحاكم للإديولوجيا الإشتراكية" ثانياً المسرح الجديد الذي برز مع بروز الليبرالية الاقتصادية. ثالثاً ظهور الشعر الكوني، أو اللجوء الى المقاربة الصوفية وذلك بعد الأحداث الدموية التي شهدتها البلاد في الخميس الأسود 26 جانفي/يناير كانون الثاني 1978. وأخيراً المرحلة الرابعة وهي المرحلة التي تتميز بغلبة كتابة السيرة الذاتية، وذلك بعد ابتعاد الرئيس بورقيبة عن الحكم. واليوم ماذا بقي من الطليعة؟ الطليعة التي جاءت كجزء من تيار تاريخي كان ينحو في تونس نحو الحداثة؟ - الطليعة، تطورت. وعلينا ألا نبحث عن نفس الظاهرة بعد ثلاثين سنة. أما الجديد في الأدب التونسي فهو يتمثل في تجارب فضيلة الشابي" لماذا؟ أولاً لأن لها حياة شخصية داخلية عميقة" وثانياً لأننا نراها تشكل في كل كتاب عالماً كتابياً جديداً" وثالثاً لأنها تتقدم في تجربتها من كتاب الى كتاب، وذلك في العمق، وفي التجربة، وفي الجرأة" هذا من جهة المعالجة والمواضيع، وأما من جهة الثقافة، فإن لفضيلة الشابي ثقافة واسعة جداً. كيف يتبدى لك المشهد الأدبي العام اليوم في تونس، خصوصاً بعد خبو حركة الطليعة، وخبو الفوران الاجتماعي، والسياسي، والثقافي الذي عرفته تونس في الستينات، والسبعينات، وأوائل الثمانينات؟ - لا أرى الآن إيجابيات في الإنتاج الأدبي التونسي. مثلاً ظهر هذه السنة 1997 أربعة وخمسون ديوان شعر" وقد نشر ثلثها على نفقة المؤلف. وعندما تقرأ هذه المجاميع الشعرية تجدها عبارة عن مقاطع، وفقرات مفككة، أو شعر أوحت به المناسبة، فلا علاقة تربط بين القصائد" أو كأن تجد مجموعة شعرية بأكملها لا تعدو أن تكون سوى مجرد لعب بالكلمات، لعب لا صلة له بالشعر. وكذلك الشأن بالنسبة للقصة القصيرة، فعدد المجاميع التي صدرت سنة 1997 ستة وعشرين قصة، ولكنها لا تعدو أن تكون مجرد خواطر، وملاحظات حول هذا الموضوع أو ذاك، أو حول أي شيء، من دون أي علاقة تربط بين النصوص داخل الكتاب، ومن دون فكرة عامة تأليفية تشمل المواضيع. إذاً أتساءل: ما قيمة هذه الأقاصيص. أذكر في هذا السياق واقعة ترمز لهذا المناخ الأدبي، فقد قامت معركة عاصفة بين أديبتين حول ملكية قصة قصيرة، وكانت كل واحدة تتهم الأخرى بالسرقة الأدبية، ونشرت بعض المقالات أثناء هذه المعركة تتجاوز قيمتها قيمة هذه القصة القصيرة. على الإجمال أجد الكاتب التونسي اليوم كثيراً ما يخلط بين النص وكاتبه. وكذلك الشأن بالنسبة للمقالة. ففي كثير من الأحيان، عندما أطالع مقالاً نقدياً أستنتج من قراءتي له أن كاتب المقالة لم يقرأ الكتاب الذي يكتب عنه. طبعاً هناك نقاد يحترمون أنفسهم، ولهم نتاج متين وعميق" ولكن الغالب على الإنتاج التونسي اليوم أنه يفتقر للدراسات التأليفية. مع الجيل الجديد بدأ الأدب التونسي يقرأ في المشرق العربي، وان ظل الشابي هو الإسم الوحيد المكرس في الذاكرة العربية؟ - ان لبعض الكتابات الأدبية التونسية قيمة أكيدة تستحق أن تعرف من طرف الشرقيين. مثلاً كتابات الروائي محمد علي اليوسفي. ولكن ومع الأسف نجد لدى الشرقيين عقدة تفوق، وأنت عندما تذهب الى القاهرة، أو دمشق أو بيروت لا تجد أحداً يريد أن يقرأ الأدب التونسي. لقد أشبعت الأدب العربي على امتداد ثلاثين سنة قراءة وبحثاً ودرساً وتمحيصاً وأرشفة. صدر لك ثمانية عشرة كتاباً، وأكثر من مائتي مقالة وحوار" فبماذا خرجت من كل هذا التحصيل؟ - النص العربي اليوم محيط زاخر، وانه لمن الصعب أن نرسل حكماً جامعاً على هذا الإنتاج الأدبي الوافر... النص العربي في مجمله كلاسيكي المنحى. ولكننا داخل هذا الكم نجد الرؤية الواقعية تحتل المكان الأول، ولو أن في هذه الرؤية بعض السذاجة" ولكن لها قيمة أدبية حقيقية. الى جانب هذه الواقعية نجد تيارات جديدة تأثرت بالأحداث السياسية والاجتماعية، منها الحروب العربية الإسرائيلية، وما تبعها من نكسات متتالية.