الأزمة عميقة، ولا أحد يملك الإجابة. سحنات الوفود الرسمية القادمة من 139 بلداً وأراضي حكم ذاتي تعكس وجوماً وحيرة. في مجمع "كويكس" الضخم للمؤتمرات في سيول، حيث انطلقت أمس فاعليات الجمعية العمومية لمنظمة السياحة العالمية، يعترف الجميع بخوفه من انهيار واسع يطاول صناعة السياحة والسفر في العالم، إذا طالت الحرب التي تسعى الولاياتالمتحدة إلى خوضها. الأمين العام للمنظمة العالمية، فرنسيسكو فرنجياللي، اعترف في مؤتمر صحافي باستحالة تحديد حجم التأثير المتوقع. قال: "ليس بوسعنا بعد أن نقدر بأي صورة سيتقلص الطلب العالمي، ولا ماهية الأكلاف الاضافية التي سيؤدي إليها تطبيق اجراءات إدارة وإشراف أكثر صرامة". في العالم يسافر البشر كل عام ثلاثة بلايين رحلة على الأقل، وينفقون قرابة تريليوني دولار على رحلاتهم. ثلاثة أرباع هذه الرحلات رحلات داخلية، والربع المتبقي من رحلات وانفاق يذهب للسياحة الدولية التي تعتبر الأكبر بين جميع فئات صادرات التجارة الدولية، وتسبق منتجات السيارات والكيماويات والغذاء والنفط والكومبيوتر والألبسة وتجهيزات الاتصالات. العام الماضي بلغ عدد السياح الدوليين 699 مليوناً، أنفقوا 476 بليون دولار. النقل الجوي زاد عشرة في المئة عن عام 1999. وكان أبرز عناصر الارتفاع في عدد المسافرين 50 مليوناً وفي عدد رحلاتهم الدولية، الاحتفالات الكثيرة بانتهاء الألفية الثانية. الاحتفالات انتهت والأمور تغيرت عام 2001. حدث تباطؤ اقتصادي متواصل أضعف ثقة المستهلكين بالشراء والإقبال. كانت التوقعات أكثر تفاؤلاً، لكن المسؤولين اضطروا إلى مراجعتها من نحو خمسة في المئة في معدلات النمو السياحي، إلى اثنين في المئة. ثقة المستهلكين والمسافرين انهارت الآن. قال فرانجياللي: "الهجمات ضد المدن الأميركية ولّدت تأثيرات قد تفوق بأهميتها أي تأثيرات خلفتها أي أزمة أخرى عرفناها في الماضي. نحن أمام وضع استثنائي". الآن يعد الجميع أوراقه. الولاياتالمتحدة زارها العام الماضي 9.50 مليون مسافر شكلوا 3.7 في المئة من اجمالي حركة السفر الدولية، وبلغ مجموع انفاقهم 85 بليون دولار. من الولاياتالمتحدة سافر 4.35 مليون مسافر عن طريق الجو أنفقوا 65 بليون دولار. ومن هؤلاء 9.12 مليون زاروا أوروبا و9.3 مليون زاروا آسيا. السوق الأميركية خسرت وكذلك فعلت الدول التي تستقبل السياح الأميركيين. الثقة بالسفر جواً تراجعت إلى حد أن شركات الطيران الأميركية تخاف من بث إعلاناتها التجارية في التلفزيونات اليوم، حتى لا تصدم الجمهور. الأمين العام ل "منظمة السياحة العالمية" حذّر من أن "قطاع النقل الجوي يمكن أن يكون تضرر بشدة أكثر من بقية وسائل النقل الأخرى"، ومن أن "الآثار قد تطول على الرحلات بعيدة المدى، أكثر من الرحلات الداخلية أو قصيرة المدى". بين الأسهم المنهارة في البورصات الدولية كانت الأكثر تضرراً الأسهم المرتبطة بشركات الطيران وشركات التأمين والشركات السياحية. الهبوط في أسهم شركات الطيران بلغ 52 في المئة في الولاياتالمتحدة و40 في المئة في أوروبا. فرانجياللي، الذي ارهقته كثرة الاتصالات الدولية، اعترف أمس بأن "صناعة السياحة تعيش وقتاً عصيباً". حاول التقليل من الأزمة، وقال: "لا نتوقع انخفاضاً حاداً في الطلب الدولي على السياحة"، لأن "أحد السيناريوات المحتملة قد يكون إعادة توزيع اجمالي الطلب لمصلحة السياحة الاقليمية والداخلية، من دون أن تتغير حوافز السفر في شكل جذري، على أن يترافق ذلك مع تعديل محتمل لاجمالي الانفاق ومتوسط مدة الإقامة". في العالم 115 مليون وظيفة مباشرة تولدها السياحة، وقرابة 80 مليوناً أخرى من الوظائف غير المباشرة التي ترتبط بالسياحة نفسها. الأزمة، خصوصاً إذا تواصل خوف المسافرين من الصعود إلى الطائرات، وإذا اغلقت العمليات العسكرية الخطوط الجوية والبحرية في الشرق الأوسط وجنوب المتوسط ووسط آسيا وجنوبها، أو أخلت بها لفترة طويلة، ستترك آثاراً عميقة على حركة السياحة الدولية في كل مكان. العالم العربي استقبل العام الماضي قرابة 25 مليون مسافر، يعادلون 5.3 في المئة من اجمالي حركة السفر الدولية في العالم. العدد سينخفض في شكل ذريع ومعه أيضاً ستنخفض العوائد وفرص العمل المتاحة لمئات الألوف في البلدان العربية، نتيجة الأزمة الأخيرة. الأكثر لفتاً للنظر أنه، وعلى رغم أهمية الحدث، لم يكلف غير ثلاثة وزراء عرب أنفسهم مهمة الحضور إلى سيول، وكأن الأسواق العربية ليست جميعها معنية بتحرك موحد، وكأن ما يحدث يجري على كوكب آخر.