تبذل دوائر القرار الايراني جهوداً للخروج بأفضل النتائج والمكتسبات الممكنة في هذه الفترة الحساسة والتاريخية من عمر المنطقة والعالم. وتدرك إيران انها احد اللاعبين الرئيسيين في اي عمل قد تقدم عليه الولاياتالمتحدة، نظراً الى موقعها الاستراتيجي من الناحيتين الجيو - بوليتيكية والجيو ستراتيجية خصوصاً أنها تمتلك حدوداً طويلة تمتد تسعمئة كليومتر مع افغانستان، مما يعطيها هامش مناورة كبيراً يضاف الى امتلاكها نفوذاً مهماً لدى المعارضة الشمالية المناهضة لحركة "طالبان" وحدوداً مشتركة مع الدول المستقلة عند الاتحاد السوفياتي السابق. وعلى رغم ان الامن القومي الايراني سيتعرض لتهديدات في حال ارادت الولاياتالمتحدة مدّ نفوذها العسكري الى الحدود الشرقية والشمالية لايران، اي في افغانستان وجوارها، الا ان لدى طهران اوراقاً مهمة يمكن ان تلعبها وتستطيع من خلالها المساهمة في اغراق القوات الاميركية في الوحول الأفغانية اذا قررت قيادتها الاحتفاظ بقوات في المنطقة ورسم نظام جديد لخريطة القوى الاقليمية بعد الانتهاء من مدّ حزام نار حول ايران من الجنوب والشرق والشمال، وهو حزام سيطاول ايضاً حدود روسيا والصين، وهما دولتان ناقمتان على التفرّد الاميركي في قضايا العالم وقلقتان من مجاورة العسكر الاميركي حدودهما انطلاقاً من افغانستان. هذا يعني ان كلاً من ايرانوروسيا والصين قد تغضّ الطرف على الحملة الاميركية على رغم تحفظاتها، لكنها لن ترضى ان يعشعش ويحط رحاله بشكل دائم الى جوارها. ولا شك في ان ايران هي اصعب المحطات في التخطيط الاميركي نظراً الى حال القطيعة والعداوة بين البلدين منذ الثورة الاسلامية في 1979. لكن القطيعة لم تمنع تبادل الرسائل بين الطرفين باستمرار خصوصاً عبر السفارة السويسرية في طهران التي ترعى المصالح الاميركية فيها، اضافة الى وسطاء اوروبيين من ابرزهم اليوم بريطانيا الحليف الاهم لواشنطن. وقد انتهت اتصالات طوني بلير رئيس الوزراء البريطاني مع الرئيس محمد خاتمي الى التعجيل بإيفاد وزير الخارجية جاك سترو الى طهران لاقناعها بالانضمام الى التحالف الدولي الدولي الجديد. ولا شك في ان تقاطعاً وتضارباً للمصالح الايرانية والاميركية في هذه الفترة الحساسة، سيجبر الطرفين على الوصول الى الحد الادنى من التفاهم منعاً للتصادم. واظهرت دوائر القرار الايراني استعدادها لايجاد قاعدة الحد الادنى للتفاهم اذ بدأت بإدانة الهجمات على الولاياتالمتحدة على لسان ايران كلها، محافظين واصلاحيين، من دون استثناء. وباعلان الاستعداد للمشاركة في جهود مكافحة الارهاب، ومعاقبة الفاعلين ومنهم اسامة بن لادن في حال ثبوت ضلوعه في التفجيرات وفقاً لما اعلنه كمال خرازي وزير الخارجية الايرانية. وأظهرت واشنطن في المقابل إرادة مماثلة، فبعثت برسالة شكر الى طهران على موقفها، كما رأى وزير الخارجية كولن باول امكان التعاون معها لمكافحة الارهاب. لكن الافتراق الايراني الاميركي القابل للاحتواء تمثّل في تأكيد طهران ان مكافحة الارهاب ينبغي ان تكون في اطار الاممالمتحدة وليس الولاياتالمتحدة على ان يطاول العقاب الارهابيين وحدهم من دون المدنيين على قاعدة عدم الردّ على الكارثة بكارثة مثلها او اكبر منها. والافتراق الآخر يتمحور حول مفهوم الارهاب وتجسيداته على ارض الواقع في عالم اليوم، اذ تصرّ ايران على ضرورة مواجهة "الارهاب الحكومي الذي تمارسه اسرائيل في فلسطينالمحتلة" وتؤكد ان المقاومة لاسرائيل هي "مقاومة ضد الاحتلال" وذلك بخلاف الرأي الاميركي الذي يصنّف مجموعات من المقاومة اللبنانية والفلسطينية بأنها ارهابية لانها تقاوم اسرائيل. وفي رأي معظم المراقبين فإن الحد الادنى الذي يمكن التوصل اليه بين طهرانوواشنطن عبر لندن يتمثل في نقاط عدة اهمها عدم انخراط ايران في التحالف الاميركي لكن مع وقوفها على الحياد وعدم وضع عراقيل امام التحرك الاميركي، مع تشديدها على تقديم واشنطن الدليل إلى تورط ابن لادن وتنظيمه في التفجيرات وعدم شمول الضربات المدنيين العزّل في افغانستان. وقد يكون حياد ايران حياداً ايجابياً خصوصاً اذا حافظت على ابقاء حدودها مغلقة مع افغانستان تحت عنوان عدم تدفق اعداد هائلة من اللاجئين اليها. اذ ان اقفال الحدود سيعني ايضاً منع تسلل مجموعات من "طالبان" او من تنظيم "القاعدة". وسترفض طهران اي بحث في ملف المقاومة ضد اسرائيل او الضغط على "حزب الله" واعادة رسم دور جديد له يهدف الى تحجيمه، اذ ان ذلك يدخل في دائرة الخطوط الحمر التي لا تقبل بمناقشتها، متسلحة بمقولة صارت معروفة للاميركيين والاوروبيين مفادها ان "حزب الله" هو حزب لبناني مستقل، له نوابه في البرلمان وشعبيته العريضة في بلده. وعلمت "الحياة" من مصادر في وزارة الخارجية الايرانية ومن القريبين الى المرشد آية الله علي خامنئي "ان قضية تأييد المقاومة ضد الاحتلال الاسرائيلي في فلسطين وما بقى من الارض اللبنانية قضية محسومة في ايران". اما على صعيد الوضع المستقبلي لافغانستان، فلا يبدو أن في استطاعة ؤوشنطن تجاهل القوى الرئيسة المحيطة مثل ايرانوروسيا، اذ ان فرض حكم موال لواشنطن ويقوم بإقصاء حلفاء الدول المجاورة، لا يعني ان الامور ستكون مستقرة، خصوصاً ان قوى المعارضة الشمالية قد تنقلب يوماً على الوجود الاميركي في حال اقصائها جانباً واعادة تنصيب الملك المخلوع ظاهر شاه. ويلاحظ على هامش التعاطي الايراني مع الازمة الراهنة، اختفاء التجاذبات الداخلية، وانسجام الطروحات الرسمية سواء بين المرشد والرئيس او على صعيد مؤسسات صناعة القرار كالمجلس الاعلى للامن القومي ومجلس تشخيص مصلحة النظام والبرلمان.