وجد القاص العراقي نعيم عبد مهلهل في الموروث الاسطوري والأدبي السومري فيضاً من الرؤى أو المصائر والحكايات بدا قناعاً كي يقول من خلاله ما يتصل بالراهن، مثلما وفر له هذا الخيار ان يقيم فانتازياه حين تداخل التاريخي بالمعاصر ضمن أجواء تهكمية عززتها لغة ساخرة. مهلهل الذي عرف قاصاً ذا صوت خاص بين كتاب جيله الثمانيني، وظل مخلصاً لمكانه النائي في الناصرية الغافية على الفرات جنوبالعراق يكتب في "حدائق الغرام السومرية" ما يتصل بموروث مملكة أور القديمة، لكن ليس على طريقة كتابة وثيقة أدبية عن التاريخ، وإنما في اتصال حي ومؤثر بين الراهن والأثر الانساني في الاساطير والحكايات "أخبرت زوجتي أن تضع كتاب ألواح سومر تحت وسادتي" أو "كأنها الطائرات يوم انزلت قراصنتها فوق العيد لتسرق حلي الكاهنة وتبعثر أوراق أور" حين يستعيد في قصة "كاهنة ديوان الوزارة" حكايات من أور التاريخ وأور التي احتل أرضاً مجاورة لها الاميركيون في أواخر حرب الخليج الثانية، من دون أن ينسى التهكم من موظفة ديوان وزارة الثقافة والاعلام العراقية التي تزجر أكبر كتاب البلاد وأدبائها وتمنعهم متى شاءت من اجتياز "المدخل الذهبي" للوزارة. وفي فانتازياه نقرأ في قصة "حبة رمل من أور" تحولات في الزمان والمكان تلمع متوهجة وتحقق معناها، في ما تبدو أحياناً مجانية ولا وظيفة دلالية لها سوى مجرد اللهو واللعب بالألفاظ "تصوروا ان أميرة من أور تركت رمل أشواقها وروايات ماركيز وذهبت في صندوق مبرد صنعته خصيصاً لأجلها شركة تويوتا".... يسخر نعيم من الحروب متوقفاً عند "شظاياها" وقد أطاحت آمالاً ومصائر وجففت في المدن حكايات عشاقها وإن كانت تمد قدميها في مياه الأنهار، وكي لا يقع في المحظور يستعين بحروب التاريخ قاذفاً بأدوات حروب البلاد المعاصرة في مشاهد حروبها الاسطورية "اندهش الفرس السومري من الطائر الحديد الذي يطير فوق رأسه" كما في قصة "قيامة ابراهيم". في مقاربته لتاريخ بلاد الرافدين وأساطيرها ونصوص آدابها القديمة، ينأى نعيم عبد مهلهل عن تيار ساند الكتابة الأدبية في العراق خلال العقد الماضي وفيه اتكاء شبه تام على الأدب الرافديني القديم، وإن كان ينهل من النبع ذاته. واختلاف نعيم هنا يأتي من عدم استسلام لسطوة النصوص والحكايات الاسطورية، وعدم استعراضه لها ادعاء ل"مثاقفة" سقط فيها كتاب قصة ورواية معروفون، بل هو يدخلها في نصه القصصي مفاتيح لرؤاه الشخصية، واعلاناً شخصياً عن اتصال بين مصائر البشر منذ آلاف السنين ومصائر عراقيين جففتهم الحروب والشمس وإن كانوا محاطين بالأنهار! خطاب العزلة الذي بدا واضحاً في أكثر من موقع داخل نصوص "حدائق الغرام السومرية"، يعكس وطأة العزلة التي يحياها مثقفو العراق وكتابه وإن كان يأتي في لبوس "الموقف الفكري المضاد" للغرب وللولايات المتحدة تحديداً. فثمة سخرية تحولت من لمحة تهكمية الى سياق ثقيل الوطأة من عصور التمدن والتكنولوجيا، فهي في أحسن الأحوال لم تنتج غير وسائل تدمير الانسان العراقي. المفارقة اللغوية ورسم المشهد القصير ميزا قصص نعيم عبد مهلهل على حساب البنية الحكائية حد ان مقاطع في غير قصة بدت وكأنها أقرب الى مقالات "الأدب الساخر"، الا أن ذلك لم يقلل في قصصه تأثيراً يحبذه المتلقي لجهة غلبة التشويق وابتعاد السرد عن النمطية الثقيلة والغموض الاستعراضي بخاصة في النصوص التي تتصل بالأساطير والحكايات التاريخية، فهو يجعل من قصص أور وحكايات سومر قصصاً وحكايات تشكلها أحداث الراهن ووقائعه.