مع إستكمال الإستعدادات الفنية واللوجستية وتأكيد بورصة نيويورك وول ستريت نيتها إعادة فتح أبوابها صباح اليوم بعد أطول فترة إغلاق منذ ما يزيد على 80 عاماً، أصدرت الحكومة الأميركية قراراً بتجميد عدد من الإجراءات المنظمة لعمليات التبادل في خطوة تهدف إلى التقليل من الآثار المحتملة للهجمات المدمرة التي تعرضت لها أهداف إقتصادية وعسكرية حيوية في نيويورك وواشنطن أخيراً على أسعار الأسهم. أعلنت لجنة الأسهم والتبادل المعنية بنشاط البورصات في الولاياتالمتحدة في بيان نشرته على موقعها على الإنترنت أن القرار المشار إليه سيتيح للشركات ذات الملكية العامة شراء أسهمها بلا قيود كما يسمح للشركات التي أصدرت أوامر بيع لوسطائها قبل فترة وجيزة من إغلاق الأسواق مساء الإثنين الماضي إعادة شراء أسهمها، علاوة على تخفيف القيود الإقراضية المفروضة على الصناديق الإستثمارية. وينتظر أن يسعى عدد من الشركات للإستفادة من تعليق القوانين التنظيمية وفي مقدمها شركة "سيسكو" التي أعلنت نيتها شراء ما قيمته ثلاثة بلايين دولار من أسهمها في العامين المقبلين فيما وصفه المراقبون محاولة لاستعادة ثقة المستثمرين في أسهمها. وأكدت اللجنة إن قرارها يهدف إلى تسهيل إعادة فتح أسواق المال، إلا أن هذا القرار غير المسبوق ترافق مع تعاظم التوقعات المتشائمة بحدوث عمليات بيع واسعة ربما تقود إلى إنهيار الأسعار، لا سيما أن عامل الوقت ساهم في إبراز خطورة الدمار الذي أحدثته الهجمات الإنتحارية في البنية التحتية لقطاع المال في نيويورك والتداعيات المحتملة للإعتداء المروع على أداء الشركات التي تعاني أصلاً من تراجع مقلق في أرباحها وكذلك الإقتصاد الأميركي المتباطئ منذ مايزيد على 12 شهراً. مع بدء عمليات التداول في التاسعة والنصف بتوقيت نيويورك لن يكون في مستطاع المستثمرين أو المؤسسات التي تمثل مصالحهم، نسيان حقيقة أن المؤشرات الرئيسية سجلت تراجعات مؤلمة منذ بداية السنة الجارية وأن بعضها، مثل مؤشر سوق التبادل الأليكتروني "ناسداك" المثقل بأسهم التكنولوجيا إقترب من تكرار الخسائر الفادحة التي لحقت به العام الفائت، ومن شأن الحقائق المستجدة أن تزيد من هموم الغالبية العظمى من المستثمرين التي ستجد نفسها أمام خيارات صعبة. وكشف إستطلاع أجرته مؤسسة "هاريس إنترأكتف" العالمية لأبحاث السوق، بعد الهجوم على مركز التجارة العالمي في نيويورك، أن غالبية المستثمرين الأميركيين يشكلون 90 في المئة من نشاط أسواق المال في البلاد تعتبر أن المناخ الإستثماري والوضع المالي في الولاياتالمتحدة سيزدادان سوءاً في الأسابيع القليلة المقبلة. وترى هذه الغالبية وكذلك عدد كبير من المراقبين والمحللين الأميركيين أن الإستثمار في الأسهم سيكون الأكثر تضرراً. وتتغذى هذه التوقعات المتشائمة على خسائر قطاع المال وتداعياتها المحتملة على تجارة الأسهم، إذ تشير التقديرات الأولية الى أن إنهيار برجي مركز التجارة وتهاوي، أو تضرر الأبراج الخمسة المجاورة له التي تشكل حي المال الحديث في وول ستريت، طاولا عمالقة قطاع الخدمات الإستثمارية والمالية والإتصالات مثل "ميريل لينش" و"مورغان ستانلي" و"أميركان إكسبرس" و"نايمكس" وبورصة نيويورك ومجموعة "داو جونز"، إضافة إلى بضع مئات من الشركات المتوسطة والصغيرة التي تقدم خدمات لوجستية مهمة لتجارة الأسهم. وكشفت مؤسسة الأبحاث "كومبيوتر إيكونوميكس" أن إستعادة زخم النشاط المالي والإستثماري الذي خسره حي المال في نيويورك صباح الثلثاء الماضي لا يتطلب تعويض الكوادر التي لقيت حتفها وحسب بل سيستوجب كذلك إنفاق نحو 16 بليون دولار على شبكات الإتصالات وتقنيات المعلومات وإيجاد بدائل لزهاء 20 مليون قدم مربع من المساحات المكتبية التي خسرها حي المال الحديث، نصفها في إنهيار برجي مركز التجارة، التي تقدر قيمة خسائره بنحو 3.2 بليون دولار. ويتوقع المراقبون أن يجد المستثمرون خيارات صعبة فيما يتعلق ببعض القطاعات الأخرى لا سيما التأمين الذي راوحت التقديرات في شأن التزاماته المحتملة بين 15 و30 بليون دولار وقطاع المواصلات وبشكل خاص المطارات التي إنطلقت منها العمليات الإنتحارية ويعتقد البعض انها قد تجد نفسها مسؤولة عن الخسائر البشرية والدمار الذي أحدثته هذه الهجمات وشركات الطيران التي اضطرت الى تجميد حركة طائراتها لمدة يومين والغاء عشرات الآلاف من الرحلات التي تقدر عوائدها اليومية بنحو 300 مليون دولار. وكان النائب الديموقراطي جيمس أوبيرستار عضو لجنة المواصلات والبنية التحتية حذر، في مسعى لإقناع الكونغرس بأهمية دعم قطاع المواصلات، أن شركات الطيران التي تكبدت خسائر فادحة بسبب إغلاق المطارات وعدم قدرتها على نقل البضائع والبريد بدأت بإلغاء عقود بقيمة 35 بليون دولار لشراء الطائرات من شركة "بوينغ" والمحركات من شركتي "جنرال إليكتريك" و"برات آند ويتني" ومن شأن تطور من هذا النوع أن يعرض صناعة الطائرات الأميركية للمتاعب. وعلاوة على متاعب شركات الطيران، التي خفضت القيود الجديدة 50 في المئة من نشاطها المعتاد، أطلقت شركة "فورد موتور" العملاقة في بيان مساء الجمعة الماضي تحذيراً لحملة أسهمها أن إضطراب عمليات تسليم مكونات الإنتاج بسبب أحداث الثلثاء وإضطرارها خفض إنتاجها الفصلي بعدد يراوح بين 110 و120 ألف سيارة سيؤديان إلى انخفاض أرباحها عن تقديراتها السابقة التي توقعت أن يبلغ ربح السهم في الفصل الثالث 10 سنتات. إلا أن هموم المستثمرين لن تنحصر في قطاعات بعينها. وعلى رغم التصريحات المشبعة بالشعور الوطني التي صدرت عن مسؤولين حكوميين وكبار المسؤولين التنفيذيين في بعض الشركات بضرورة عدم السماح للهجمات بالنيل من أميركا، توقع عدد كبير من المحللين تزايد حدة التباطؤ الذي يعانيه الإقتصاد الأميركي منذ ما يزيد على 12 شهراً، سيما أن الناتج المحلي الذي إنخفض معدله اليومي في الشهر الفائت إلى نحو 27 بليون دولار فقد الكثير من عوائد غالبية القطاعات الرئيسية وفي مقدمها النقل الجوي والسياحة والمال والإستثمار.