"الكتابة على حبة قمح" كانت تحتاج في السابق الى متحف، لذلك تمكن ملاحظة حال من هذا النوع في المتحف الوطني السوري، حيث وضع مجهر للجمهور ليتمكنوا من قراءة كلمات من القرآن الكريم خطّها رجل مبدع على حبة قمح! شاب سوري معاصر، ندفع في طموح من هذا النوع، فكتب 86 كلمة على حبة رز، ويعتبر نفسه تجاوز موسوعة "غينيس" للأرقام القياسية على رغم انها لم تسمع به، فهو صاحب اصغر كتاب في العالم ... صاحب اصغر قلم رصاص في العالم ... ويدّعي انه رسم على الغبار!! ثمة تساؤلات يثيرها الفنان السوري الشاب علي صافية الذي اقام الكثير من المعارض، ويطمح الى جائزة نوبل!! شاهدنا كل شيء يتحدث عنه، ولكن السؤال الأول الذي يفرض نفسه مباشرة يتعلق بمثل هذه الهواجس وجدواها، وطرحناه عليه، فأجاب من دون ان يحتج ... انه فنان من نوعية خاصة لا يكل ولا يمل، وسألناه: لماذا كل هذا الضجيج، فالناس لا يقرأون الكتب الكبيرة، وأنت تخترع كتباً بحاجة الى مجهر ... ألا تلاحظ ان تدوين مئة كلمة على حبة رز يعتبر نوعاً من الجنون؟ - ضحك الفنان علي صافية، وقال: هاجسي هو التوثيق والمعرفة ... وكل ما أقوم به هو همّ من هموم كل فنان، أي انشاء نوع من الخصوصية الفنية. لو قمت بما اقوم به على القماش او على الورق، لافتقد الى الخصوصية الفنية التي ابحث عنها. امضيت زمناً طويلاً لتشكيل صورة واحدة. ان الجانب الفني الخاص فيها هو انني رسمتها بالكلمات الصغيرة، وإلا كان هناك ألف صورة من هذا النوع! الى اين يتجه طموحك الفني؟ - يتجه الى خارج سورية، انني اريد تحقيق مكانة عالمية. على اي اساس ترتكز في بناء طموح عالمي؟ - كانت لي مواهب كثيرة. كنت ابحث في الموسيقى، ثم في الرقص، ثم وجدت ان فنانين كثراً تفوقوا في هذه المجالات. وفجأة وجدت نفسي ابحث عن الدقة في الفن التشكيلي، إذ لم يطرق هذا الباب كثيراً، وقد أتمكن من خلاله من تقديم الجديد، والجديد هنا يعني كسر طوق المحلية. هل دخلت في موسوعة غينيس للأرقام القياسية؟ - لا! ... الى الآن لم يحدث ذلك، كان طموحي في البداية يتعلق بجانب واحد، يتعلق بالكتابة على حبة رز، وهو كأي طموح من حق كل انسان، ولكن تطور عملي جعل الطموح اكبر، صار عندي موسوعة الموسوعات على الحجارة. ما الذي انجزته حتى الآن؟ - أنجزت اكثر من مئة ألف قطعة حجرية دوّنت عليها تاريخنا وأعلامنا وجزءاً من حضارتنا. أنجزت اصغر كتاب في العالم. انجزت اصغر قلم رصاص في العالم طوله ملم واحد فقط. عندي اصغر رسالة في العالم نصف ملم فقط. اضافة الى الانجاز الكبير الذي تجاوزت به اي احتمال ممكن، وهو كتابة اكثر من 80 كلمة على حبة الرز. استطعت تدوين زهاء 80 الى 125 كلمة على حبة رز واحدة. وأرجو من صحيفتكم "الحياة" التي تنتشر في كثير من البلدان العربية والعالمية، مساعدتي على تسجيل اختراعاتي هذه في موسوعة غينيس للأرقام القياسية. ألا تلاحظ ان ثمة تعارضاً في الفكرة ... فالحضارة اليوم وصلت الى عصر المعلوماتية وظهر الكتاب الالكتروني المذهل في امكاناته، اذ يمكن اختصار المكتبات في حيز صغير، فيما انت تبحث عن حبة الرز لتكتب عليها كلمات من هنا وهناك ... اي فارق بين الحالين؟ - انني اميّز بين الحالين. لا بد من استخدام التقنيات الحديثة التي ذكرتها، وهي انجازات تسجل باعتزاز لإنساننا المعاصر. لكن حضارة الشرق القديم كلها كتبت على الحجر، وتلك الرقم التي دوّنت منذ آلاف السنين تشبه انجازات اليوم. اما انا، فإنني ابحث عن تشكيل غريب يثير الدهشة، وقد نجحت. على اي اساس تقيس النجاح الذي تؤكده؟ - أنجزت الكثير، وحققت الدهشة لدى مَنْ شاهد اعمالي، وتجاوزت من سبقني بكثير، وربما يكفي هذا لأقول انني نجحت؟ هل أطعمك عملك هذا خبزاً؟ - في البداية لا. لم يحقق لي شيئاً كأي عمل فني في بداياته، ويمكن ايضاً ان يسبب احباطات كثيرة على هذا الصعيد. ولكن في ما بعد، يمكن القول ان شيئاً ما تحقق. هل تحقق المتعة في ما تفعل ... هل تفاعل معك احد؟ - قال لي المقرّبون مني - اقاربي وأصدقائي مثلاً - لماذا تهدر وقتك؟ وأنا اشعر انني صاحب رسالة وهدف. دفعتني فكرتي التي تسمّونها "تضييع وقت" الى البحث عن نوع من المادة الجديرة بأن اكتب فيها ... وكانت البداية ان وقعت على ما اريد. عند ذاك اهتم بي اهلي، اهتم بي المسؤولون ايضاً. ما الذي يميّز عملك عن اعمال الآخرين في هذا الحقل؟ - على رغم ان ما انجزته تجاوز الآخرين، فأنا احاول الآن توسيع الحلقة. فعندي مئة ألف حبة رز، ولا اخفيك فالشيخ نسيب مكارم هو الوحيد الذي كان متميزاً بهذا النوع من الأعمال، وأنا تأثرت به. كذلك الدكتور ناهد كوسا كتب على الرز بالمكبّر والمجهر. اما انا فأكتب بالعين المجرّدة، وتوصلت الى الكتابة على ثلاث حبات من الغبار!! لقد مرّنت حدقة العين عندي على التحديق في أدق الأشياء. وقمت بأعمالي من خلال العين المجرّدة، اما غيري فاستخدم المجهر والمكبّر!!