سآخذك اليوم في رحلة مع خيالك: سنبحث عن الأبدية. هل تستطيع تصورها؟ تخيل رقماً لا ينتهي. هل يحيط به عقلك؟ أشك في ذلك، فالعقل يَقصُر عن شيء لم ير مثله ولا يوجد في الواقع. لهذا دعنا نستخدم ما يفنى وينتهي: أريدك أن تتخيل غوغل. قد تقول إنك لا تحتاج تخيله لأنك استعملته اليوم وأنت تبحث عن أحد المواقع، لكن «غوغل» ليس له أي علاقة بموقع الإنترنت المعروف! غوغل أحد أضخم الأرقام التي لها اسم، و محرك البحث هو الذي سمى نفسه على الرقم، وكان المقصد أنه يوفر لمستخدميه كماً هائلاً من النتائج، ولكنهم أخطأوا كتابته، فالكتابة الصحيحة للرقم بالإنغليزية هي Googol. ما هو هذا الرقم؟ إنه الرقم 1 وعلى يمينه مائة صفر. قد يبدو لك لأول وهلة أن الرقم ليس كبيراً، ولكن هذا الرقم أكبر من عدد الذرات الموجودة في الجسم البشري! ما هي الذرة؟ إنها الوحدة الأساسية التي يتكون منها كل شيء، وهي بالغة الصغر لدرجة أنها لا يُمكن أن ترى إلا باستخدام مجاهر متطورة. لتوضيح مدى تناهي دقتها نستطيع الاستعانة بتشبيه: تخيل أن تاجراً غريب الأطوار أتى يوماً وطلب منك أن تغسل سيارته، وقال إنه سيدفع لك غرام ذهب لكل دقيقة عمل. بعد 10 دقائق تنتهي من غسلها فيكافئك بعشر غرامات من الذهب. تبتهج، لأن هذا يعادل قرابة ألفي ريال. يأتيك التاجر في اليوم التالي ويعرض عليك نفس الأمر لكن هذه المرة يقول لك إنه سيعطيك ذرة ذهب (بدلاً من غرام) ليس لكل دقيقة بل لكل ثانية. يخبرك أن الذرة صغيرة كما هو معروف لذلك سيعطيك ذرة ذهب لكل ثانية موجودة في سنة كاملة. لا، بل مائة سنة. بل قال إنه سيعطيك ذرة لكل ثانية مضت منذ خلق الكون! هذا عدد ضخم من الثواني والذرات وستعتقد أنك ستعيش في ثروة هائلة ولن تحتاج أن تعمل يوماً آخر في حياتك! تشمر عن ذراعيك وتبدأ غسل سيارته بحماس! لكن مهلاً، دعنا نحسبها: لو قلنا إن الكون بدأ مع «الانفجار العظيم» (وهي النظرية السائدة) فهذا يعني أن عمره 13 ونصف مليار سنة، وإذا حولنا الثواني إلى ذرات ثم قمنا بوزن هذه الكمية فينتج عندنا ثروة جبارة قدرها...ثمانون هللة! نعم، إن هذا العدد الخرافي من الذرات لن ينتج إلا قطعة صغيرة من الذهب أصغر من حبة الرمل. هل أدركنا الآن ما مدى صغر الذرة؟ لو أخذنا مثالاً إنساناً وزنه 70 كغ ففي جسمه من الذرات الرقم 7 وعلى يمينه 27 صفراً، أي 7 مليار مليار مليار. إن رقم غوغل أكبر حتى من عدد الذرات الموجودة في كوكب الأرض. بل إنه أكبر من عدد الذرات الموجودة في الكون كاملاً! الآن بعد أن رأينا ضخامة الرقم غوغل سنصعد خطوة للأعلى ونتأمل رقماً آخر لعله يعيننا للوصول للأبدية: غوغل بلكس. إنه رقم واحد وعلى يمينه رقم غوغل من الأصفار. لا نستطيع تخيل هذا. أفضل ما نستطيع عمله التنبيه أنه لا مساحة كافية في العالم لمجرد كتابة الرقم. لو أخذنا ورقة وقلماً ووضعنا الواحد وأخذنا في كتابة الأصفار على اليمين فسيمتلئ الكوكب ونحن لم ننتهِ من كتابة الأصفار. بل لو كتبنا كل صفر بحجم الذرة فلن يكون هناك مكان في الكون كاملاً لكتابة هذا الرقم من الأصفار! شيء خارق، ولكنه ذكرني بكلامه تعالى عن نفسه سبحانه في آخر آية من سورة الجن لما قال: «... وأحصى كل شيء عدداً». وإذا كنت تظن أن هذا رقم كبير فسيصعقك التالي، لأننا نصل الآن إلى كائن عجيب اسمه «رقم غراهام». إن هذا الرقم يجعل أرقاماً مثل المليون والمليار تختفي تماماً. ما هو هذا الرقم المهول؟ إنه رقم اكتشفه عالم الرياضيات رون غراهام في السبعينيات. وقبل أن أتفصل فيه يجدر التنبيه أن هذه ليس أرقاماً عشوائية يخترعها الناس، بل لها معان، و رقم غراهام أتى كجزء من برهان رياضي أجراه العالم. هذا الرقم سجلته موسوعة غينيس القياسية كأضخم رقم استُخدِم في إثبات معادلة رياضية. ما مدى ضخامة هذا الرقم؟ لا أحد يدري. نعم، إنه من الضخامة حتى إن الشخص الذي اكتشفه وسمي باسمه لا يعرف حتى عدد خاناته! يقول رون إن الشيء الوحيد الذي يعرفه هو أن آخر خانة هي الرقم سبعة، وحتى هذه المعلومة لم يصل لها إلا بعد حسبة طويلة ومعقدة. إن رقم غراهام أضخم حتى من غوغل بلكس، بل إن الفرق بين الاثنين كالفرق بين غوغل بلكس والرقم واحد، بل هو أضخم من هذا بكثير جداً! هل انتهى التفتيش عن الأبدية؟ هل رقم غراهام أوصلنا هناك؟ لا. يقول رون إن رقمه هذا ليس حتى قريباً من اللانهائية، بل إن رقم غراهام ليس أقرب للانهائية من الرقم واحد! ويستمر البحث...