يقبع المواطن الأميركي المصري الاصل خالد السيد ابو الدهب منذ 27 تشرين الاول اكتوبر العام 1998 في زنزانة في سجن طره المصري. فالسلطات هناك قبضت عليه في ذلك اليوم وهو في طريقه إلى المطار للعودة الى اميركا بعد زيارة قام بها لأهله في مدينة الاسكندرية. أوقف ابو الدهب لوجود شكوك في علاقته بجماعة "الجهاد" التي يقودها الدكتور ايمن الظواهري. وأثناء التحقيقات روى تفاصيل دقيقة وكشف معلومات خطيرة عن نشاط الاصوليين الراديكاليين في اميركا، وروى وقائع وأحداثاً شارك فيها وعاصرها داخل الأراضي الأفغانية أثبتت ان فكرة استخدام الطائرات لتنفيذ "عمل ما" كانت واردة لدى جماعات اصولية عملت في أفغانستان. لم يكمل خالد ابو الدهب العاشرة من عمره حين قتل والده على أيدي الاسرائيليين الذين اسقطوا طائرة ركاب مدنية كانت في طريقها من ليبيا الى مصر وعلى متنها 156 شخصاً. لكن الإبن صمم على أن يعمل طياراً وحين عجز عن تحقيق أمنيته، واضطرته الظروف للالتحاق بكلية الطب، أصر على ان يمارس الطيران. تعرف ابو الدهب العام 1984 على ضابط في الجيش المصري هو علي ابو السعود، حصل على الجنسية الاميركية لاحقاً وهو رهن الاعتقال في احد السجون الاميركية على ذمة قضية تفجير سفارتي اميركا في نيروبي ودار السلام الذي استقال من الجيش وسافر في العام التالي الى اميركا. ظل ابو الدهب على اتصال به وسافر اليه العام 1986. في مطار هوزيه في ولاية كاليفورنيا التقى الاثنان وأقام ابو الدهب في شقة صديقه ثلاثة اسابيع، وبعدها تزوج من اميركية تدعى تريسا وانتقل للإقامة معها لكنه انفصل عنها سريعاً لأنها حملت من دون علمه، ولاحقاً بدأ بالتردد على مسجد النور في منطقة سانتا كلارا القريبة من سان فرانسيسكو، وتعرف إلى مسلمين من جنسيات مختلفة. ذكر ابو الدهب في تحقيقات النيابة ان ابو السعود ابلغه مطلع العام 1990 أنه على علاقة بمصريين مقيمين في افغانستان واتفقا على ان يذهب ابو الدهب الى هناك لمساعدتهم، لكن ابو السعود اشترط عليه أن يتعلم الطيران أولاً "حتى يساعد المجاهدين بشيء يفيدهم". وفي احد المعاهد الخاصة في اميركا خضع ابو الدهب لتدريب مكثف وسبقه ابو السعود الى افغانستان. أما هو فاشترى من احدى الشركات الاميركية نموذجاً لطائرة شراعية هي عبارة عن جناحين بعرض 14 إلى 16 متراً وبطول مترين. ثم انطلق الى افغانستان. وبعدما سرد أبو الدهب تفاصيل رحلته والاشخاص الذين التقاهم هناك أوضح انه سعى الى تدريب مجاهدين عرب على الطيران مستخدماً النموذج الذي اصطحبه معه والذي كان يتطلب من مستخدمه أن يقفز من مكان عال مع ضرورة وجود تيارات هوائية صاعدة ومستمرة، ويمكن لمستخدم النموذج التحكم في الاتجاهات يميناً ويساراً. وقال انه تنقل بين أماكن عدة لاختبار الانسب منها لتدريب عناصر الجهاد على استخدام النموذج الشراعي، وأن القيادي البارز في "جماعة الجهاد" عبدالعزيز موسى الجمل طلب منه تدريب ثلاثة من عناصر التنظيم على الطيران كانت اسماؤهم الحركية هي: ابو الفضل وايمن واشرف، وذكر أنه دربهم لمدة ثلاثة اسابيع، لكن الأخير اصطدم في نهاية التدريبات بصخرة وصار النموذج غير قابل للاستخدام. عاد أبو الدهب الى اميركا بعدما كلف من قادة التنظيم بتلقي المكالمات منهم وتحويلها الى العناصر الموجودة في مصر ودول اخرى استغلالاً لتلك الخدمة الموجودة في نظام الهواتف في اميركا وتغلباً على قيام مصر بوضع ضوابط على الاتصالات مع الدول التي يرجح وجود قادة التنظيمات فيها. وقال: "تطورت مساعدتي للتنظيم من مساعدات هاتفية الى مساعدات مالية إذ كنت اجمع التبرعات والزكاة وارسلها الى الجهة التي يحددها قادة التنظيم، وأنا حولت مبالغ من اميركا قدرها نحو عشرة آلاف دولار الى اليمن وباكستان والى مصر والاردن والسودان على أرقام حسابات موجودة في تلك الدول، أما بالنسبة لنقل جوازات السفر والاوراق فكانت ترسل لي عن طريق التنظيم من باكستان واليمن والسودان بالبريد السريع ثم اقوم بارسالها مرة اخرى للافراد المطلوب تسليمهم إياها". أثبتت أقوال ابو الدهب إمكان وقوع السلطات الاميركية في أخطاء امنية فادحة، فعلى رغم ان اميركا تعلم مكانة الظواهري ومدى خطورته، إلا أنه تمكن من اختراق الاجهزة الاميركية وقام بزيارة ولايات أميركية عدة وخرج بعدها من دون ان يعلم الاميركيون بأمره شيئاً. قال ابو الدهب في التحقيقات: "في اواخر العام 1994 حضر أيمن الظواهري الى اميركا لجمع تبرعات واقام في منطقة سانتا كلارا بعدما جال في ولايات اخرى. وكانت المرة الأولى التي التقيته وجهاً لوجه، وقبلها كان حديثي معه يتم عبر الهاتف. وكان طلب مني قبل حضوره ان أسأل عن سعر جهاز الهاتف الذي يعمل مباشرة بواسطة الأقمار الاصطناعية، ثم طلب مني التعرف على اسعار اجهزة اتصالات لاسلكية. واثناء وجوده في سانتا كلارا جمع نحو ألفين وخمسمئة دولار تبرعات من المصلين. وغضب علي ابو السعود لأن الظواهري كان جمع مبالغ أكبر في ولايات أخرى، فأبلغته أن غالبية المترددين على مسجد النور من المنتمين الى "جماعة الاخوان المسلمين"، التي لا تميل الى العنف وترفض التعامل مع "جماعات جهادية". وكانت المحكمة العسكرية العليا في القاهرة قضت العام 1996 بإعدام ابو السعود غيابياً من ضمن 9 احكام بالاعدام اصدرتها في حق متهمين في قضية "العائدون من ألبانيا" التي ضمت متهمين ينتمون الى تنظيمي "الجهاد" و"القاعدة". وقضت بالاشغال الشاقة لمدة 15 سنة في حق ابو الدهب. ووفقاً للمعلومات التي كشفت عنها التحقيقات في القضية، فإن أبو السعود التصق لسنوات بابن لادن والظواهري الى درجة أنه اشرف على وضع خطط لتأمين اقامة الاثنين في السودان بعد خروجهما من افغانستان العام 1992 وجال في دول افريقية، ورصد اهدافاً ومنشآت اميركية وسافر الى الجزائر في مهمة استهدفت إطلاق اصولي جزائري اعتقل هناك. وهو الوحيد الذي وثق فيه الظواهري ليتولى مهمة الاشراف على الرحلة الرسمية التي قام بها "زعيم الجهاد" الى اميركا العام 1995. غير ان تقارير اميركية كانت اتهمت ابو السعود بأنه زرع بواسطة الاستخبارات الاميركية بين اوساط الاصوليين، وأكدت انه ذهب بقدميه الى الاميركيين طالباً التعاون معهم. وتشير المعلومات المتوافرة عن ابو السعود انه بعدما هاجر إلى الولاياتالمتحدة عمل في الجيش الاميركي، وشارك في تدريب اصوليين مصريين مقيمين داخل اميركا على اعمال القتال ثم دين هؤلاء بعدها في قضية "تفجير المركز التجاري العالمي" في نيويورك، وأنه حصل على إجازات من عمله في الجيش الاميركي وسافر الى افغانستان حيث شارك في تدريب "الأفغان العرب" من عناصر "الجهاد" و"القاعدة" على استخدام السلاح واساليب حرب العصابات واستخدام تقنيات الرسائل المفخخة.