يعتبر دانيال غيشار آخر عمالقة الأغنية الفرنسيّة الأصيلة اليوم، وكان لمع نجمه في السّبعينات في أغنيات لا تزال عالقة في الذاكرة الجماعية لجيل قديم مثل Le Gitan, La tendresse, Mon vieux وسواها الكثير. في حفلته الأخيرة التي أحياها في مهرجانات ريفون قبيل انعقاد القمّة الفرنكوفونية في تشرين الأول اكتتوبر المقبل، برهن المغني صاحب الشعر الفضّي أن الأغنية الأصيلة لا تموت ولا ترتبط بجيل واحد بل تتوارثها الأجيال، والدليل جموع الشباب الذين غنوا وبكوا معه بحرارة وصدق طوال ساعات. "الحياة" إلتقت غيشار في حديث تشعّب الى مواضيع مختلفة منها فنية ومعظمها أسريّة. اللافت في هذا المغنّي، تشبّثه القوي بأسرته المؤلّفة من زوجته و7 أولاد من 3 نساء مختلفات، وهو يتحدّث عنهم في استمرار واللافت أن إبنه الصغير يبلغ من العمر 4 أعوام وكذلك حفيده! منذ عام 1991 توقّف غيشار عن إنتاج الأغانيات الخاصة وهو يكتفي ب80 حفلة حول العالم سنوياًً خصوصاً أنه يكرّس وقته لعائلته التي يسكن وإياها في منزل كبير جداً في بريزييه في جنوبفرنسا. يقول أنه توقّف عن الإنتاج بسبب "عرقلة بعض شركات الإنتاج، والكثير من الهموم والمشكلات مع الإدارات الفرنسية". اللافت أن غيشار يعتبر أن "لا وجود للأغنية الفرنسية اليوم، بل ثمة أشخاص يغنون بالفرنسية، كنّا نكتشف 50 مغنياً سنوياً الآن لا يوجد في فرنسا كلّها أكثر من 15 يؤدون الأغنية الفرنسية في شكل جيّد". لا يعلّق غيشار آمالاً كبيرة على السياسة الحالية لفرنسا لتنشيط الفرنكوفونية، "بطبيعتي لا أهتمّ بالسياسة لأنه لا تمكن معاشرة السياسيين، لا أعتقد أنه يوجد الكثير من النزاهة في عالم هؤلاء معظمهم وصوليون، على الفنان أن يبقى بعيداً من السياسة كي لا يسيء الى سمعته والى نظرة الجمهور إليه". ويعود غيشار الى موضوع الأغنية الفرنسية فيقول: "المشكلة الرئيسية التي تعانيها هذه الأغنية تكمن في أن الفرنسسن أنفسهم لا يدافعون عنها كالكنديين والبلجيكيين مثلاً. إن نشاطات وزارة الثقافة الفرنسية والسفارات منذ عام 1979 الى اليوم والهادفة الى تحسين اللغة الفرنسية هي غير نافعة ولا مجدية البتّة، إنّهم فاشلون كباراً عاجزين عن خدمة الفرنكوفونية". وعندما نسأله عن النّقص في العلاج يجيب غيشار في حدّة: "النّقص يكمن في الذّكاء، من الصعب إيجاد حلول ذكية حين نضع أغبياء في مراكز المسؤولية، وبعض الموجودين في المؤسسات الثقافية الفرنسية ينزعجون حين يسمعون أغنية فرنسيّة". لكن، ما هي مقوّمات الأغنية الفرنسية الناجحة في نظر غيشار؟ يجيب: "يتطلّب النجاح الجمع بين عناصر عدّة الحظ، الجمهور، والمظهر الخارجي، أية أغنية مهمّة تفشل مع مظهر رديء وجمهور غير منسجم". بعدما كان دانيال غيشار يحيي سنوياً زهاء 187 حفلة في أنحاء العالم، إنخفض الرّقم اليوم الى 50 أو 80 وهو توقّف لأنه شعر بالملل كما يقول، لكنّ السبب الأبرز يكمن في كون حياته الفنية الصاخبة على مدى أعوام أثّرت على حياته العائلية: "ألاحظ أن أولادي الكبار غير منفتحين كما الصغار في السن ربما لأنني لم أمضِ الكثير من الوقت معهم". لا يغنّي دانيال غيشار من دون أن يضع مالاً في جيبه حتى لو اضطرّ للإستدانة، "هذه هي وصيّة والدتي إلفيرا وأنا أطبّقها حرفياً، قالت لي المال ضروري واسعَ دائماً لأن تحتفظ بكمية منه في جيبك". يكره غيشار الأوسمة والتكريمات والميداليات: "لا يستحقّ الميداليات سوى العسكر الذين يعرّضون حياتهم للخطر في سبيل الوطن، وأنا أتساءل ما الذي أقدّمه لأستحقّ وساماً أو تكريماً، أعتقد أنّه لا ينبغي الخلط بين الناس". بعدما خسر دانيال غيشار والده وهو لم يتجاوز بعد ال15 من عمره كتب له أغنية Mon vieux ويقول أنّ ثمّة أغنيات كثيرة مستوحاة من قصص حقيقية مرّت في حياته أو حياة أصدقائه يرفض الإفصاح عنها. فلسفته في الحياة ترتكز على قاعدة أساسية مفادها أننا لا نستطيع أن نختار بين جيّد وسيّئ، الإختيار يقع دائماً بين أمرين سيّئين، "أمضيت وقتاً طويلاً لأتعلّم الأمر"، أما القاعدة الثانية فمختصرها: "الأولاد أوّلاً". عندما يكون حزيناً يلجأ غيشار الى الطّهو لأنه يجعله يركّز على أمر واحد ولا يفكّر بسواه، "كنت أحبّ طبخ الدّجاج على الأناناس، اليوم أحبّ السّمك والسومون والأطباق الخفيفة والحلويات. أمّ المطبخ اللبناني فهو كارثي على الوزن لأن مأكولاته كلّها لذيذة".