ليست رياضة المعوقين في تونس وسيلة لتعزيز ثقة المعوق بقدراته البدنية والنفسية التي تساعده على تجاوز محنته وصولاً الى تكريس موقعه الفاعل في مجتمع متطلب، بل رمز وطني للتألق والتفوق شكل موضع افتخار كبير للشعب كله، وعلى رأسه الرئيس زين العابدين بن علي، الذي كان نفذ المبادرة التاريخية الأهم باستقباله البعثة المتوجة ب12 ميدالية من بينها 5 ذهبيات في دورة ألعاب سيدني الاولمبية العام الماضي على ارض المطار، وهو امر لم يحصل في تاريخ الالعاب الرياضية عموماً. وتعددت مظاهر احتفاء التوانسة بهؤلاء الرياضيين، والتي صح القول أنها أوجدت العلاقة الاكثر ترابطاً بينهما، ما شكل علامة فارقة افتقدتها دول عدة اخرى ليس على المستوى الافريقي فقط بل العالمي ايضاً، علماً ان توانسة كثيرين رأوا ان رياضة المعوقين جلبت الشهرة الاكبر لبلادهم مقارنة بأي رياضة اخرى، واعتبروا رياضييها بالتالي نجوماً حقيقيين جديرين بتحقيق افضل الانجازات وحتى العالمية منها. ونذكر في هذا الاطار المواكبة الكبيرة لنشاطات رياضة المعوقين ذات الطابع الشعبي الفريد في الاعوام الاخيرة، والتي ارتبطت بتنظيم سباقات خاصة برياضيي هذه الفئة من الذين يستعملون الكراسي المتحركة تحديداً انطلاقاً من فكرة انهم يوفرون الفرصة الافضل للتعريف بهذه الرياضة، في شارع حبيب بورقيبة الرئيسي في العاصمة تونس، ومدن نابل والمستير وبو سالم الواقعة على الحدود مع الجزائر، الى لقاءات اخرى في كرة السلة وسواها. وظهرت النتائج الميدانية لهذه المواكبة في زيادة اهتمام الراعين من الشركات الرسمية والخاصة والجمعيات بالنشاطات وكذلك وسائل الاعلام، ما جعل اتحاد رياضة المعوقين برئاسة علي حرز الله يملك روزنامة غنية بالاستحقاقات البارزة، ومن بينها تنظيم بطولة العالم لألعاب القوى للمعوقين ذهنياً التي أجريت في حزيران يونيو الماضي، واحتل المنتخب التونسي المركز الثاني فيها، والمشاركة المكثفة في البطولات المحلية الاوروبية في انكلترا وفرنسا وسويسرا من اجل تعزيز فرص الاحتكاك. استعداد ومشاركات وكان المنتخب التونسي انتظم فترة شهر ونصف الشهر في معسكرات خارجية في تشيخيا وسويسرا استعداداً لدورة ألعاب البحر الابيض المتوسط التي تنطلق غداً وتستمر حتى 15 الجاري. في المقابل يتضمن برنامج النشاطات المقبلة الى المشاركة في الدورة، استضافة منافسات بطولة افريقيا لألعاب القوى وبطولتي العالم للكفيفين والمعوقين من فئة مبتوري الاعضاء في العام المقبل، والمشاركة في بطولة العالم لألعاب القوى لهذه الفئة والمقررة في تموز يوليو المقبل في مدينة فيلنوف داسك الفرنسية. يذكر ان الرعاية الرسمية تجلت خصوصاً في تصنيف الاتحاد في المرتبة السادسة على صعيد الموازنة المخصصة لنشاطاته، وادراج الرياضيين المعوقين المجلين ضمن مشروع "رياضة النخبة"، والذي أمن كافة مستلزمات الممارسة الصحيحة للرياضات ووضعها على سكة التطور ومن بينها الحوافز المادية والمعنوية والعناية الطبية الضرورية لهذه الفئة، علماً ان فريق العمل الدائم المكلف الاشراف على هؤلاء الرياضيين يضم ثلاثة اطباء ومعالجاً فيزيائياً وآخر نفسانياً. وبلغ عدد الرياضيين المنضمين الى المشروع 50 من أصل 3247 يشكلون اجمالي عدد المجازين، والذي يعتبر قليلاً نسبياً نظراً لتراجع نسبة الاعاقات الناتج من تطور العناية الطبية في البلاد عموماً، وواقع ان الاتحاد حديث العهد بعدما استهل نشاطاته عام 1989. واعلن حرز الله، الذي كان خلف المنصف الصرافي في مهمة رئاسة الاتحاد في عام 1993، بعدما تولى مسؤوليات عدة تعنى بشؤون المعوقين وشجونهم بدءاً من عام 1979، "ان اقتصار مسابقات المعوقين على اربع في الدورة المتوسطية المقبلة، شملت سباق 1500 متر على الكراسي المتحركة للرجال، وسباق 800 متر للسيدات على الجهاز ذاته، وسباق 100 متر للرجال والسيدات في السباحة لفئة المعوقين ذوي اعاقات البتر، اصاب الاتحاد بخيبة كبيرة، اذ اننا تطلعنا الى ان تكون الدورة الحالية نقطة تحول في تاريخ هذه الألعاب عبر تنظيم دورة موازية على غرار ما حصل في دورة ألعاب سيدني الاولمبية، او بطولة العالم الاخيرة لألعاب القوى في مدينة ادمونتون الكندية، ما يجعل تونس محطة دائمة للتغيير الذي كان تكرس سابقاً لدى استضافتها الدورة الخامسة حين شرعت الأبواب للمرة الاولى امام دخول السيدات ميدان المنافسات. ولا اخفي اننا تقدمنا بطلب زيادة عدد المسابقات كحد ادنى للخروج من نمط الحضور التقليدي للرياضيين المعوقين في هذه الميادين الاربعة المحددة للمشاركة والذي يواكب معظم الدورات الكبيرة حالياً، الا اننا لم نلق للاسف اذاناً مصغية لأسباب نجهلها". وأضاف حرز الله: "اما عزاؤنا الوحيد في هذا السياق فيبقى تخصيص سبع شقق للرياضيين المعوقين في مشروع تشييد القرية الاولمبية، والتي يتوقع ان يهديها الرئيس بن علي الى المجلين منهم، علماً ان مهندسي القرية استجابوا بشكل كامل لارشادات البناء التي وفرها اختصاصيون في رياضة المعوقين، وصولاً الى تلبية احتياجات رياضيي هذه الفئة جميعهم، والذين سيبلغ عددهم 61 يمثلون 12 دولة". يذكر ان تونس كانت شاركت عبر رياضيين اثنين هما وليد بن عابد وفرحات بلخير في مسابقة الكراسي المتحركة لدى ادراجها للمرة الاولى في دورة ألعاب باري المتوسطية عام 1997، وحل بن عابد خامساً فيها. من جهة اخرى، رأى حرز الله "ان بلوغ رياضة المعوقين هذه المرحلة من التطور عكس الأهداف المنشودة كاملة في توسيع قاعدة الممارسين وحصولهم على الرعاية المناسبة التي قادتهم الى الانجازات العالمية بدءاً من عام 1994، حين حطم وسام البحري الرقم القياسي العالمي في مسابقة الوثب العالي، وانتهاءً بفرض البحري نفسه وماهر بو علاق وفارس الحمدي والطاهر الاشهب ومحمد علي الفطناسي وخديجة جاب الله حضورهم القوي في دورة ألعاب سيدني الاولمبية الاخيرة. إلا ان ذلك لا يعني توقف طموحاتنا عند هذا الحد، اذ اننا نسعى الى زيادة عدد الألعاب التي نمارسها حالياً، والذي يبلغ 6 من اصل 20 مدرجة في روزنامة النشاطات العالمية. وكانت الاعوام الاربعة الاخيرة شهدت احداثنا النقلة النوعية على صعيد عدم حصر الاهتمام برياضتي ألعاب القوى والسباحة، ووضع اسس ممارسة رياضات الكرة الطائرة وكرة القدم وكرة السلة ورفع الاثقال، علماً ان عدد فرق الرياضات الجماعية لا يزال قليلاً نسبياً، وخصوصاً في كرة السلة، إذ ترتفع قيمة تجهيزات الكراسي المتحركة تحديداً، والتي تبلغ 2000 دولار للكرسي الواحد، في حين نملك مجموعة قوية في رفع الاثقال تضم اربعة رياضيين مصنفين بين الستة الاوائل عالمياً". ولا بد من الاشارة الى ان رياضة ألعاب القوى تحظى بالافضلية المطلقة على صعيد الاهتمام حالياً، كونها تحتضن المواهب الاكبر، في حين تراجعت السباحة في الاعوام الاخيرة بسبب افتقاد المواهب من جهة، وتجهيزات الممارسة من جهة اخرى، اضافة الى الكفاءات التدريبية التي تضمن نظام العمل الجيد والمثمر.