رفع رأسه بحركة متوترة، وبصره ممتد الى الأمام، نظر يمنة ويسرة نظرات حادة، ثم أرجع رأسه الى الخلف كأنه يتحفز لفكرة تريد ان تخترق رأسه. ما لبث ان ثنى ساقيه قليلاً، متهيئاً للوثب، وفي لحظة الفجر قفز من مكانه، ثم فرد جناحيه وأخذ يضرب بهما الهواء كأنه عدوه أو كأن عنان السماء وجهته. حلق وحلق وكلما علا اتسعت العيون اكثر فأكثر، وهي مندهشة لجبروت هذا العصفور الصغير. القناصة اقلقهم ان يعلو بعيداً من مرمى نيرانهم، فوجهوا فتحات بنادقهم نحو السماء، علهم يردوه قبل ان يبتعد، فتكاثر الرصاص الذي مزق السكون. والعصفور يحلّق غير عابئ، كأنما له من الموت عهداً ألا يقربه، أو كأنه والخلود ابناء جلدة. صقور كثيرة وقفت عاجزة لا تدري ماذا تفعل. إنه يرتقي وهي على الأرض معقودة الجناح كالدجاج، لطالما ظنت ان الأجنحة للزينة، تركض يميناً ويساراً حائرة، تخشى إن هي جربت ما جرب ان تنالها طلقات القناصة، وإن ظلت على الأرض ان تهرسها الأقدام المتراكضة. والكل الكل ينالها بالغمز والهمز، لقد صارت اضحوكة الجميع. ويبقى هذا الصغير يعلو، لا يدري الى أين يمضي، هو يرضى بأي مصير إلا ان يظل صوصاً، لقد قالوا له دائماً، ليس للدجاج ان يحلق، وها هو يحلق، بل ويحلق عالياً، حيث لا قناصة ولا نسور تتجرأ عليه. يستذكر مع كل ضربة لجناحيه ما سمع من قصص، لقد كان اجداده نسوراً وصقوراً وأهله اليوم دجاج ينقر مخلفات الزمان. لم يكن يوماً صوصاً، كان يدرك هذا جيداً، ولكنه لم يكن يعرف كيف يثبت ذلك، فإن هو انكر ما قالوه عنه، فمن يكون، وهو القابع بين البط والدجاج؟ ها قد أجاب عن كل تلك الأسئلة التي مزقته، انه نسر من سلالة نسور، ولكنهم اوهموه انه ابن للدجاج. ولكن سؤالاً واحداً ما زال يحيره، ماذا تفعل بقية النسور على الأرض؟ كيف لهم ألا يحلقوا؟ هل حقاً ما زالوا يصدقون انهم دجاج وبط!. ألم يروه!. ألم يقدم لهم البرهان!. إنه الآن في السماء يطير. فماذا يريدون بعد ذلك من دليل!. سؤال طرحه اطفال الانتفاضة على شعوب العرب وحكامهم فبماذا يجيبون؟