كانَ هناك مُزارعٌ فقيرٌ جداً، تعوَّد أن يمشي كل مساء في ضاحية القرية، ويفكِّرَ بطريقة يتخلَّص بها من فقره. وبينما كان المزارع يمشي كعادته، شاهدَ طائر بطٍّ يَهْوي من أعالي الفضاء، ويقع أمامه على الأرض. دنا المزارعُ من طائر البطّ فوجدَهُ مكسور الجناح من جرّاء طلق ناريّ أصابه به أحد الصيَّادين. حمل المزارعُ الطائر الى بيته، وضمَّد جراحَهُ، ثم راح يأتيه بما يشتهيه من الطعام الموجود في البيت، فصاحت به زوجته: - قفْ... ماذا تفعل؟ إنَّ ما لدينا من الطعام لا يكاد يكفي وَلَدَيْنا. فكيف تعطي منه لهذا الطائر؟ قال المزارع: - هذا الطائر الجريح ضيفٌ في بيتي، وسأُطعمُهُ وأعتني به حتى يصبح قادراً على الطيران. - لا. لن تفعل ذلك. - بلى. - لا. - بلى. وعَلا صياحُهما... لاحظَ الطائرُ أن شجاراً سيَنْشب بين المزارع وزوجته بسببه فَجَرَّ جناحه المكسور، وخرج من البيت. تبعَهُ المزارعُ، وقبضَ عليه، وأعاده الى بيته. شَعَرَ وَلَدا المزارع الصغيران أن وجود طائر البطّ في بيتهما، قد يؤدي الى مشكلة عائلية كبيرة، فقال أحدهما لأبيه: - لمَ لا نَشْوي هذا الطائر ونأكُله؟! وقال الثاني: - بل نلعبُ به مع رفاقنا ثم نأكله بعد ذلك. ومرةً ثانية، تحرَّك الطائرُ باتجاه الباب، فأمسكه المزارع من جديد وصاح به: - لو حاولت الخروج مرة أخرى فسأكسرُ جناحك الآخر، وقد أنْتِفُ ريشك بكامله... ستمكثَ هنا في بيتي حتى تُصبِحَ قادراً على الطيران. وهكذا، مكثَ طائر البطّ في بيت المزارع الفقير، حتى شَفِيَ تماماً، واستعاد مقدرته على التحليق. حملَ المزارعُ الطائر بيده، وخرج مع زوجته وولدَيْه الى شرفة البيت، ثم رفع الطائر الى أعلى، وقذفَ به في الهواء كما تُقْذَف الكُرَة. حلَّق الطائرُ عالياً جداً. ثم دارَ دَوْرَةً واسعة في الفضاء، وعاد الى شرفة بيت المزارع، فهتَفَ به المزارع: - لماذا رجعت؟ وأجابَتْ زوجة المزارع عن سؤال زوجها فقالت: - أنا أعرفُ سبب رُجوعه... لقد تعوَّد هذا الطائر على الكسل، وعلى تناول الطعام من بيوت الناس، فلماذا يُتْعِبُ نفسه في البحث عن رزقه؟ قال الطائر: عدتُ لأسألكم عن المكافأة التي تريدونها لقاء إحسانكم إليّ. نظر المزارعُ الى الطائر مدهوشاً وقال: - مكافأة؟! وبماذا يستطيع طائرٌ مثلك أن يكافىء أناساً مثلنا؟ لم يأبَهْ الطائر لسؤال المزارع، بل التفَتَ الى ابنه الأصغر وسأله: - هل تحبّ السَّمَك؟ قال الولد: - نعم ... ومَنْ لا يُحبُّ السَّمك؟! نظر الطائر الى زوجة المزارع وقال: - أوْقِدي ناراً لتَشْوي عليها السمك الذي سآتيكم به بعد لحظات. ثمَّ صفق بجناحيه، وطار الى احدى البِرَك، واصطاد سمكتين كبيرتين وعاد بهما الى بيت المزارع. ثم طار من جديد وعاد بسمكتين أُخْرَيَيْن... وظلَّ كذلك حتى امتلأ مطبخٌ بيت المزارع سمكاً! عندما انتهى تدفُّق السمك الى البيت، نظر ابن المزارع الى الطائر وقال: - هل تستطيع أن تأتي لي بعُلْبَة أقلام مُلَوَّنة؟! وقال الولد الكبير: - أنا أريدُ محفظة جلديَّة. لأن محفظتي أصبحت بالية وتتساقطُ منها الأقلام والكُتب على الطريق. كان الطائر يُصغي الى الَوَلَدْين ويهزُّ برأسه، وعندما انتهيا من الكلام قال لهما: - ان ما تطلبانه صعبٌ جداً... ومع ذلك فسأحاول أن أجيئكما بما طلبتماه. وصفقَ طائر البط بجناحيه وطار. قال المزارعُ وهو ينظرُ الى الطائر المُحلِّق: - أستطيعُ أن أفهم كيف أتى هذا الطائرُ بالسَّمك، لكنني لا أستطيعُ أن أفهم كيف سيأتي بعُلبة التلوين والمحفظة! قالت له زوجته: - أوتُصدِّقُ طائر بطٍّ يا رجل؟ لقد كذب هذا الطائر على وَلَدَينا، ومضى ولن يعود. ولم يمضِ وقتٌ طويل حتى عاد طائرُ البطِّ الى بيت المزارع، وبَصَقَ من منقاره كُرَةً صغيرةً بيضاءَ راحتْ تَتَدَحْرجُ على أرضِ الغُرفة. نظرت زوجةُ المزارع الى الكُرة وقالت: - ما هذه؟ فأجابها الطائر: - هده لؤلؤة! وأظنُّ أنها لؤلؤة ثمينة جداً. ركضت زوجةُ المزارع، والتقطتِ الكُرَة الصغيرة، وبعد أن فَحَصَتْها بعينيها هتفت: - نعم. هده لؤلؤة حقيقية! إنني لا أصدِّقُ عينيّ! من أين أتيت بها أيها الطائر؟ قال الطائر: - لقد اصطدتُ ذات يوم سمكةً من البحرِ، وعندما بدأتُ بأكلها، اكتشفتُ أنَّ في جوفها لؤلؤة، فطرحتُ اللؤلؤة جانباً وتابعتُ أَكْلَ السَّمكة... وعندما طلب مني ولداكما ما طلباهُ منذ قليل، تذكَّرتُ المكان الذي رميتُ فيه اللؤلؤة، فذهبتُ الى هناك وأتيتُ بها. ثم التفت الطائر الى المزارع وتابع يقول: - بِعْ هذه اللؤلؤة الثمينة، واشترِ لوَلَدَيْكَ ما يحتاجانه، واستعِنْ على فقركَ بما يبقى لديك من المال. عندما انتهى الطائر من كلامه صفَّق بجناحيه ليطير فاستوقفه المزارع وسأله: - الى أين أنت ذاهب؟ أجاب الطائر: - ينبغي أن ألحقَ برفاقي الى احدى البحيرات البعيدة في وسط قارة آسيا. قال المزارع: - ألن نراك مرَّة ثانية؟ قال الطائر: - بلى... إنني أمرُّ كل سنة فوق قريتكم، وسأراكم في مثل هذا الوقت من العام القادم. وانطلق طائر البطّ مُحلّقاً وهو يقول: - الى اللقاء. فلوَّح المزارع وزوجتُهُ وولداه بأيديهم وهتفوا بصوتٍ واحد: - الى اللقاء. وتابعوا جميعاً طائر البطَّ بنظراتٍ حزينة حتى غابَ وراء الأُفُق.