- لماذا لا نحب يوم الأحد؟ لماذا يتفق الناس على عدم محبة يوم الأحد مع انه يوم عطلة؟ - تماماً لأنه يوم عطلة. فيوم العطلة تكون انساناً حراً، وتفعل بالوقت ما تشاء. لكن حين تميل الشمس الى المغيب يبدأ تحققنا الدوري من فشل جردة الحساب: إننا لم نسيطر على الوقت الذي كان لنا... اننا لم نحسن استعمال حريتنا الصغيرة... انه أمر محزن اذ لن نجد مسؤولاً - غير أنفسنا - نتهمه بقتل هذه الحرية. تقفز المرأة الشابة على سريرها كالرقّاص طيلة نهار الأحد. هذا ما تحب ان تفعله بحريتها. لكنها عند المغيب تجد نفسها متعبة. تتساءل بسأم: أهذا كل ما أحسن فعله بحريتي؟! أحداً آخر؟! يجلس الشاب المستوحش في المقهى الملآن. المقاهي غير غرف جلوس الناس الوحيدين... يستأنس بقراءة جريدته على خلفية لغط الآخرين الدافئ. وعند المغيب يجد نفسه ما يزال وحيداً على طاولته فيتذكر ان اللغط ليس لغط العائلة. يرى الجالسين في المقهى وحيدين وغرباء، ويرى انه، لأحد آخر لم يذهب للاجتماع بعائلته. انه - صباح كل أحد - يكره زيارة العائلة ويسترجع الحرية التي لم تكن له صغيراً. حينها كان مجبراً على زيارة العائلة الكبيرة، وكان يفكر في نفسه انه، حين يكبر ويصبح حراً، فسوف لن... تقف الفتاة التي ودّعت صديقها على رصيف القطار صامتة. هذا أحد آخر انتهى بالفراق... وبالحيرة. كان صديقها أجمل عند الصباح. كان أمامه النهار بطوله ليكون ذلك الذي تحلم به... ذلك الذي ستكون حرة في الانفصال عنه وتركه الى غير رجعة إن لم يستطع ان يكون في جمال حلمها. لكنها قبلته طويلاً على رصيف القطار وعادت لتشتري خبز المساء وهي تقول في نفسها: إنه أحد آخر، لم أتركه ولم يكن كحلمي به... يذهب الفلاحون يوم الاحد الى القداس. تعب الأيام الستة سيحملهمّ الى راحة الكنيسة وخشوع التراتيل البطيئة. انه يوم حرٌ، بلا حقول. وسيتلكأون في الباحة ليمرّ الوقت كبزّاقة متخمة. وعند المساء تفكر الفلاحة انها لم تصلي فروضها. تقول وهي تجفف يديها من ماء الجلي: انقضى أحد آخر وأنا لم أقرأ اشبيّتي. أحد آخر أنشغلُ بالمدعوين وبالطبخ وأهمل شفعائي... أنسى غذاء الروح. * * * - ماذا يفعل المساجين والمعتقلون يوم الأحد؟ - انهم ينظّفون غرفهم. يستحمون جيداً وطويلاً ويكتبون رسائلهم... حتى تلك التي يعرفون انهم لن يرسلوها. - وكيف يعرف رواد الفضاء البعيدون أنه يوم الأحد؟ انهم يعرفون من بطء حركتهم في اليوم السابع. فاليوم السابع هو حائط تعب الأجساد. هكذا تدور الأرض. - والمهاجرون؟ ماذا يفعل المهاجرون الغرباء يوم الأحد؟ - لا يغفل المهاجرون يوم الأحد أبداً. لا ينسونه. إنهم متعلقون جيداً بمقاييس الوقت، يحسبون بدقة الأيام الستة التي انقضت، تماماً كما يحسبون مدخراتهم. اليوم السابع كأنه للوطن البعيد. يعدّون أطعمة البلاد ويتلفنون. اليوم السابع هو يوم الاتصالات المخفضة. يطيلون السؤال، والكلام يميل الى الدردشة مع الأهل والأصحاب البعيدين. فالوقت حرّ والدقائق بنصف الثمن العادي... انهم على مقربة. * * * تقول السيدة التي تفهم بنفوس البشر ان الذين لا يحبون الآحاد هم الذين لا يحبون طفولتهم ولم يتصالحوا معها. فالأحد - تقول السيدة - يشبه تلك الاكواخ التي نعمّرها في الغابة صغاراً، ونستعيدها صورياً كلما اشتقنا الى الطفولة. - ولماذا يحب المهاجرون الأحد، أيتها السيدة، بغض النظر عن علاقتهم بالطفولة؟ - لأن الأحد يقرّبهم من بلادهم، وبلادهم هي الطفولة. - لكن، أنا مهاجرة ولا أحب الأحد. - من أي بلادٍ أنت؟