نشر النروجي كنات هامسون روايته الأولى "جوع" سنة 1890. كان في الواحدة والثلاثين ولا أحد يعرفه. بين ليلة وضحاها بات نجماً. في السنوات الباقية من القرن التاسع عشر كتب حفنة روايات مشابهة. بطل واحد غريب يشبه هامسون ويعيش مواجهة تراجيدية مع القدر والعالم. تزوج ثم طلق ثم تزوج ثانية. الوقت والاعتراف به بدلا اسلوبه. من الغنائية انتقل الى الملحمية. عام 1919 أصدر "نمو التراب". رواية في مجلدين. نَفَسُها التوراتي جذب الاكاديمية السويدية. فأعطته نوبل الآداب 1920. تُرجمت "جوع" الى العربية سنة 1965. كان مؤلفها مات قبل 13 سنة عن 93 عاماً. "دار المدى" أعادت أخيراً اصدار هذه الترجمة القديمة. لكن كنات هامسون لا يحضر بين القراء العرب. بدليل انه لا يحضر بين الكُتاب العرب. الكاتب الجيد هو أولاً قارئ جيد. الواحد يتعلم الكتابة وهو يقرأ. لكن هذا اعتبار مهمل بيننا في الأغلب. لا نقرأ. الوقت يتسرب كحبات رمل من بين أصابعنا. ولا نقرأ. قراءة "جوع" تُشبع. فرانز كافكا 1883 - 1924 عرف هذا باكراً .ياسوناري كاواباتا 1899 - 1972 أيضاً. وكذلك اسحق سنجر 1904 - 1991. يصف هامسون احاسيس بطله ببراعة غير مسبوقة. رجل جائع يتنقل في شوارع كريستيانا اسم مدينة أوسلو حتى عام 1924. ينام في غرفة فقيرة. أو يفترش عشب المقبرة في طرف المدينة. يجوع ولا يبحث عن عمل ليشبع جوعه. يمشي أمام مخبز. يشم الرائحة ويوشك على الموت جوعاً. لماذا يفعل ذلك؟ الجواب في الرواية. يملك هامسون ان يصور تقلبات المزاج وأحوال النفس كمن يتابع حركة مُذَنَب في شاشة تلسكوب. بالكلمات يرسم خطاً بيانياً لنبضة الدم في شريان العنق. لتوتر الأعصاب. الترجمة العربية تُظهر ذكاء الجملة في "جوع" كما تفعل الترجمات الانكليزية. خصوصاً ترجمة الشاعر الأميركي روبرت بلاي. الطبعة الأولى من هذه الترجمة ظهرت سنة 1967. وفي 1997 صدرت الطبعة الثلاثون. حين صدرت "جوع" سنة 1890 توقف القراء والنقاد النروجيون طويلاً أمام الجملة الجديدة التي أتى بها هامسون. الدقة والاقتضاب وغياب الإنشاء. سلاسة العبارة. البولندي سنجر نوبل الآداب 1978 قدم اقتراحاً: بين 1883 و1886 تشرد هامسون وراء الأطلسي. عمل في مهن متفرقة. حقول القمح في مونتانا. معامل الحديد في شيكاغو. هناك، على وقع الكلمات الانكليزية وموسيقى العبارات العامية الصلبة، صنع هامسون مجده الأدبي. عثر على أسلوبه الشخصي في الكتابة. رجلٌ أُعطي ان يكون صاحب صوت يخصّه .رجلٌ أُعطي ان يسمع صوت أعماقه.