القادة الفلسطينيون في رام الله وغزة اكدوا لي في اتصالات هاتفية عدة هذا الأسبوع ان لا جديد البتة في المواجهة مع الاسرائيليين. وهم قالوا ان آرييل شارون يصعد في وتيرة العنف والعدوان، الا ان المقاومة ستستمر مهما كان الثمن. وقال بعض القادة انه لا يتوقع شيئاً قبل انتخابات ليكود في تشرين الأول اكتوبر، عندما يواجه شارون منافسه على زعامة اليمين بنيامين نتانياهو، لذلك فالفلسطينيون يرتبون وضعهم للصمود على الأرض، لأن اي عناصر جديدة ستكون من الخارج. وأشار مسؤولون فلسطينيون الى تصريحات وزير الخارجية شمعون بيريز عن التهدئة على مراحل، وفي مناطق محددة واحدة بعد الأخرى، وقالوا ان لا مشكلة في لقاء بين بيريز والرئيس عرفات. غير انهم يشعرون بأن وزير الخارجية الاسرائيلي لن يحصل من شارون على اي تنازل يضعف موقفه في انتخابات ليكود. اذا كان الوضع في الداخل هو مزيد من العنف الاسرائيلي، والصمود الفلسطيني، فماذا يوجد في الخارج؟ عشية افتتاح مؤتمر وزراء الخارجية العرب في القاهرة امس تحدثت هاتفياً مع السيد عمرو موسى، الأمين العام لجامعة الدول العربية. وهو قال ان الوزراء العرب سيدرسون ما يمكن عمله، في مجلس الأمن او خارجه، ويراجعون التطورات الخطرة الأخيرة وسبل الرد المتاحة على اسرائيل. وهناك ورقة فلسطينية مدروسة للعرض على الوزراء تشرح الوضع الداخلي، والحاجة الى دعمه، والموقف الاعلامي، وسبل مواجهة التصعيد الاسرائيلي. كما ان سورية تقترح اجراءات للتنسيق العربي في مؤتمر ديربان المناهض للعنصرية. السيد عمرو موسى قال ان اسرائيل كسبت حروباً ضد العرب في الماضي، الا انها لم تستطع ان تفرض رأيها عليهم، ويجب ان يفهم شارون والاميركيون ان اسرائيل لن تستطيع ان تفرض رأيها على الفلسطينيين هذه المرة ايضاً. وقال الأمين العام: "لن نسمح بفرض السلام الاسرائيلي كائناً ما كان الأمر"، ولا بد من العودة الى التفاوض على أساس القرارات الدولية ومرجعية مؤتمر مدريد. وأكد السيد موسى ان اسرائيل لن تكون فوق القانون، وشارون ربما يستطيع ان ينفذ مخططه، الا ان النتيجة لن تكون ما يريد، لأنه لن يستطيع فرض ارادته. وتوقع ان تستمر المقاومة، وقال انه طالما هناك احتلال فستكون هناك مقاومة، وهم قد يسمونها عنفاً أو أي شيء آخر، الا انها مقاومة للاحتلال وستستمر. هناك قدر طيب من التنسيق بين وزراء الخارجية العرب لمواجهة اسرائيل، وقد تبادل المصريون والاردنيون الآراء قبل ذهاب الدكتور أسامة الباز، مستشار الرئيس مبارك، الى واشنطن، وبعد عودته منها. ووزير خارجية مصر السيد أحمد ماهر اختصر الموقف بوضوح في مقابلة صحافية اميركية. فهو قال انه اذا ضغطت الولاياتالمتحدة على اسرائيل لكبح هجومها العسكري والعودة الى المفاوضات، فمصر والأردن سيفعلان الشيء نفسه مع الفلسطينيين. والمهم ان هذا يجب ان يتم في وقت واحد، فتوقف اسرائيل اجراءاتها، ويتخذ الفلسطينيون خطوات من ناحيتهم لن تتخذ الا ضمن اطار سياسي. وقال السيد أحمد ماهر في المقابلة انه لا يوجد حل من دون تدخل الولاياتالمتحدة. وقال لي وزير خارجية الأردن السيد عبدالإله الخطيب الكلام نفسه في اتصال هاتفي. والوزيران ماهر والخطيب يقولان ان مصالح الولاياتالمتحدة ستتعرض الى الخطر إذا استمرت في عدم التدخل. الديبلوماسية السعودية ليست بعيدة من هذه الافكار، وهي تعمل بصمت وبشكل مباشر. ويقول وزراء عرب ان المملكة العربية السعودية هي الاكثر نفوذاً لدى الولاياتالمتحدة والاكثر تأثيراً فيها بسبب المصالح الاميركية الاستراتيجية في المنطقة، وأيضاً لأن كبار المسؤولين في الادارة الجديدة يعرفون المسؤولين السعوديين معرفة شخصية، ويحترمون مواقفهم، ويستمعون اليهم، ويتشاورون معهم. وإذا كان من نقطة تكررت في اتصالاتي الهاتفية هذا الأسبوع، فهي اصرار الدول العربية كلها على عدم السماح لشارون بالاستفراد بالفلسطينيين، وعلى رفض السلام الاسرائيلي مهما كان الثمن. الوزراء العرب كانوا يفضلون لو ان فلسطين وقطر لم تطلبا اجتماع مجلس الأمن هذا الأسبوع، اولاً لأن اكثر السفراء العرب في اجازة والموضوع يتطلب حضور الوزراء، لا السفراء وحدهم، وثانياً لقرب اجتماع مجلس الأمن من اجتماع وزراء الخارجية في القاهرة، وثالثاً لأن الولاياتالمتحدة ستستخدم الفيتو لمنع صدور أي قرار لا توافق عليه اسرائيل. وكانت الوقاحة الاميركية الاسرائيلية ظاهرة في اجتماع مجلس الأمن الاثنين، فالسفير الفلسطيني ناصر القدوة طلب مراقبين دوليين، وسفير اسرائيل يهودا لانكري قال ان القرار المقترح "منحاز" لأنه يحمّل اسرائيل مسؤولية العنف، والسفير الاميركي بالوكالة جيمس كاننغهام أيّد اسرائيل بشكل أعمى، كالعادة، مع ان هذه تتهم الفلسطينيين بالعنف، ثم ترفض دخول مراقبين يثبتون التهمة، وتجد الولاياتالمتحدة هذا الموقف منطقياً. والمشكلة في النهاية مع الولاياتالمتحدة لا اسرائيل، والدول الغربية تحاول الآن ان تقنعها بالتدخل، لحماية مصالحها الاستراتيجية، وعلاقاتها مع الدول العربية المعتدلة، ولمنع انفجار لا مصلحة لأي طرف فيه. والديبلوماسية المصرية والأردنية والسعودية والسورية وغيرها تعمل معاً، كما تعمل منفردة، لاقناع الولاياتالمتحدة بالتدخل قبل فوات الأوان.