لم يبال المغاربة بكثرة المهرجانات التي عرفها بلدهم هذا الصيف. وان كان لبعض هذه المهرجانات تاريخه الضارب في نسيج التبادلات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية بين القبائل كموسم صيفي مخصوص ببعض العادات والطقوس. عملت سياسة المهرجانات على الافادة من هذه العادات وتخريجها في قالب سياحي واعلامي خصوصاً أن جل المهرجانات يفتقد لمثل هذا التاريخ ويصعب تكريسه كظاهرة مجتمعية ذات صلة بثقافة المنطقة التي يقوم فيها. فأكثر المهرجانات مُحدث لغرض الترفيه، بل أصبحت هذه الوظيفة طاغية على ما عداها في عدد من المهرجانات. ففي الرباط مثلاً لم يأبه القيمون على اعداد البرامج بضرورة تجسيد الغاية من عقد مهرجان سنوي في مدينة تحتاج الى ابراز وظيفتها الثقافية وهويتها التاريخية وخلق توازن بين الثقافي والفني في فضائها المجتمعي المغلق. إذ طغى الاهتمام بجلب المغنين وبعضهم من الدرجات الدنيا لسهرات الليل، ولم يقدم اي مجهود في تنظيم الفقرة الثقافية لقاءات وندوات من البرنامج جيداً، بل وجرى الاخلال في أكثر من مناسبة بما كانت وعدت به. ولا تعكس هذه الملاحظات تعليقاً فردياً بقدر ما تؤشر على اما أصبح ظاهرة اعلامية في المقام الأول تسخر لها امكانات التلفزة الرسمية في المتابعة اليومية، وظاهرة مجتمعية أيضاً غرضها جمع الناس في وقت معلوم حول مغن بالخصوص، وخلق الهيصة معه! بل وأصبح المهرجان في بعض الجهات كالسعيدية في شمال شرقي المغرب وهي معروفة بمجتمعها المحافظ المغلق مثار نقد وسخط إذ اكتسحت المدينة أيام مهرجانها السياحي مظاهر الفساد الأخلاقي مومسات. وهو ما جعل هذا المهرجان وغيره، ينأى عن وظيفته الثقافية. وعلى رغم اتساع ظاهرة المهرجانات ودخولها يومياً بيوت المغاربة عبر الاعلان والتعريف بها في التلفزيون وبعض الجرائد، لم يهتم المتتبعون منهم بغير مستجدات المسألة المازيغية التي عادت لجذب الاهتمام بها من جديد، لما تحمله من رهانات تتجاوز في هذه المرحلة الثقافي والمجتمعي، وتؤكد على الأبعاد الاقتصادية والسياسية لخطاباتها. في انفتاح على السياسي وفي بحث عن المشروع الكفيل بجعلها خطاباً مقبولاً. عادت المازيغية بقوة الى المشهدين الثقافي والاعلامي في المغرب في المدة الأخيرة عبر السجال المتبادل بين بعض العاملين في حقلها اللغوي والثقافي، وعبر الاعلان عن وضع المؤسسات العليا في البلد لتصور أطلقته للعناية بأوضاعها من طريق إحداث مركز علمي هو "المعهد الملكي للثقافة الامازيغية. وتضاعفت المؤشرات الدالة على انتقال عمل الحركة الأمازيغية، الذي كان محصوراً حتى الآن في الاهتمامات الثقافية واللغوية والاقتصادية، الى المجال السياسي بعد إقدام السلطات المغربية على منع لقاء كان سيجمع بعض القياديين العاملين في حقلها، وقيام مسؤولين من القصر الملكي بالاتصال ببعضهم من أجل بلورة أرضية خاصة بالعمل الأمازيغي، ونقل التصورات النظرية التي تشكلت لدى الجهات الرسمية الى مبادرة متكاملة بين المجتمعين السياسي والمدني. وذلك لمنع البعض من استغلال المسألة للدعاية السياسية أو الدعوة الى انشاء أحزاب سياسية جهوية أو على أساس عرقي أو لغوي، وهو ما يتعارض مع روح الدستور المغربي الذي يمنع قيام الأحزاب على أي من هذه الأسس.