لم يكن وزير الخارجية الكويتي الشيخ صباح الاحمد في حاجة لاستباق زيارة الرئيس السوري لبلاده باعلان ان لا علم له بمبادرة يحملها الرئيس الضيف لتحقيق تقارب بين الكويتوالعراق. فالرئيس بشار الاسد نفسه يعلم، بالطبع، ان الظروف السياسية السائدة بين العراق وجيرانه لا تسمح بمثل هذه المبادرة، اذ ان ما يصدر عن بغداد، لغة وسلوكاً، لا يزال حتى الآن بعيداً عن امكان التوصل الى تسوية تلبي المطالب الدولية والكويتية من جهة، وتتجاوب مع رغبة النظام العراقي في رفع العقوبات من جهة اخرى. لا مفر اذاً، من ادراج زيارة الاسد الى الكويت في اطار سياسة توازن بين العراق وجيرانه تنتهجها دمشق تحت لافتة الاقتصاد. وهي سياسة يمكنها ان تجني ثمارها اقتصادياً، لكنها، في شقها السياسي المتصاعد صعبة الهضم لدى الكويتيين لاعتقادهم الثابت باستحالة التطبيع مع نظام صدام نتيجة شكهم الدائم في نواياه. بيد انه على رغم استبعاد وجود مبادرة كاملة متكاملة فان الكويت كانت تنتظر طرحاً سورياً ما يتعلق بالشأن العراقي، فلم يغب عن بالها ان تستذكر تصريح وزير الخارجية العراقي الجديد ناجي صبري الحديثي بأن بغداد تضع شروطاً للتطبيع مع الكويت والسعودية، وهو التصريح الذي يرد عليه الكويتيون بالقول: "نحن من يضع الشروط"، ويدللون بذلك على استحالة الرهان على مقاربات عراقية اكثر عقلانية تجعل ممكناً رأب الصدع الخليجي، واعادة اللحمة الى تضامن عربي اكثر من ضروري في هذه المرحلة. واذا نحّينا جانباً السجال الاعلامي بين الكويتوالعراق والذي ينعكس دائماً على امكان تحقيق تقارب، فان دمشق تدرك صعوبة الذهاب في اي مسعى حميد الى درجة المبادرة. فالاقتراحات الدولية بصيغتها الفضلى وبنسختها الروسية المتعاطفة مع العراق، لا ترضى بأقل من تطبيق القرارات الصادرة عن مجلس الامن، وروسيا نفسها التي لوّحت بالفيتو للحؤول دون اقرار "العقوبات الذكية"، صاغت اقتراحاً بعد الجهود التي بذلها مبعوثها كارتوزوف في الكويتوالعراق والسعودية وهو زار دمشق ايضاً لم يرضَ بأقل من قبول العراق فرق التفتيش والتعاون مع الاممالمتحدة لتنفيذ قراراتها، بما في ذلك ما يتعلق بالاسرى الكويتيين، ليلي ذلك مخطط زمني لرفع العقوبات الاقتصادية ثم العسكرية... وبالطبع، لكانت المسألة أهون وقابلة للأخذ والرد لو كانت في يد الكويت، التي قبلت الاقتراح الروسي مبدئياً، او لو كانت للكويت الكلمة الاساسية في هذا الشأن. بالتأكيد لا يغيب عن بال دمشق، في اطار سعيها الى التوازن في علاقاتها الخليجية، ان اي عودة للتضامن والتماسك في النظام العربي هي قوة لها في صراعها المركزي مع اسرائيل، لكن دمشق لا تمتلك الاوهام في امكان تحقيق ذلك مع عراق صدام حسين. فالرئيس الاسد نفسه نسب اليه القول في الجمعية الوطنية الفرنسية ان ما بين سورية وصدام احياناً اكثر مما بينه وبين اميركا. كذلك، لم يجفّ بعد ما كتبه عدي في صحيفة "بابل" ضد سورية اثناء زيارة مصطفى ميرو "الاقتصادية" التي اعلن خلالها ان "اي اعتداء على العراق هو اعتداء على سورية"، هذا اذا نسينا انه يوم قررت سورية قبل اربع سنوات فتح الحدود البرية مع العراق كان الرئيس العراقي يستقبل زعيم "الاخوان المسلمين" في سورية الذي بايعه قائداً للامة. لأجل كل ذلك تقتضي الواقعية القول ان طموح سورية في سعيها الى تقارب عراقي كويتي لا يمكن ان يتجاوز سقف "ورقة عمان" التي رفضتها بغداد في القمة العربية الماضية، مع فاصلة اضافية، تتعلق ب"تعهد الطرفين الكويتوالعراق عدم تهديد سيادة الطرف الآخر". وهذا الطموح ان تحقق لن يضمن تطبيعاً للعلاقات ولا عودة لها. لكنه يمكن ان يضمن على الاقل قمة عربية مقبلة في بيروت، لا تتسبب "الحالة العراقية" في تفجيرها، في وقت يعجز العرب حتى ولو كانوا متفقين ومجتمعين عن ردع شارون او عن تقديم دعم حقيقي للانتفاضة.