منعت "هورجادة - سحر العشق" في مصر فأصدر المخرج رأفت الميهي روايته عن منشورات درويش برس، باريس، والتف بالسهولة العادية حول قرار المنع كما فعل وسيفعل غيره. لا تعاني الحريات من تظاهر الحكومات أنَّ منع التعبير عن المشكلات الحساسة يلغيها أو يحلها أو يسمح بتجاهلها. ولا يشكّل المنع أكثر من حل وسط يحقق فيه الفنان والكاتب عمله في وقت تتفادى السلطة وجع الرأس والمواجهة مع المتشددين. الا ان عجز المؤلف عن التعبير الحر في بلاده يفضحها رأساً وقاعدة، ويكشف خوف الاثنين من الاعتراف بعمق الانشقاق الاجتماعي ومحاولة علاجه من جذوره. يغطي الجنس الصريح مساحة كبيرة من "هورجادة" التي رسم غلافها بشار العيسى، ولا شك في أن الأدب العربي يتجه الى مزيد من التفصيل في هذا الاتجاه. لكن الجنس فقد صدمته خصوصاً لدى من يعيش في الغرب ويتعرض لمواجهة دائمة مع العري والجنس في مختلف الفنون. سبقت الكاتبات العربيات زملاءهن الى تحدي مجتمعاتهن ووضعهن بتسمية الأشياء بأسمائها منذ السبعينات، وربما كان الجديد في رواية رأفت الميهي الكمية لا أكثر. الزوجان الشابان سارة وقدري يعبّران بالجسد عن المشاعر، والجنس حب لدى المهندس البارع وزوجته الجميلة. يتكرر الفعل في البيت ويمتد الى الكشك الخشب الذي يبنى للمهندسين في الورشة، ويبدو هذا طبيعياً وعادياً الى درجة تتساءل معها سارة لماذا لم يتحابا فوق الصخور. يتغيّر العالم معه ليصبح جنة، وفي الصفحة الرابعة عشرة يواكب اللقاء الحميم صورة جديدة للكشك الخشب: "فجأة ظهرت أشجار وغنت طيور واندفعت شلالات يغطيها الزبد الأبيض، حتى ان قدري مات على صدر زوجته إذ انطفأ فجأة بعدما شاركها الفراش، والقارئ لا سارة هو من يفكر انها كانت محظوظة لأنه لم يمت في الكشك مثلاً. لكن "هورجادة" تعاني الاغراق وتثير الضجر بجوها الجنسي الملح. السياح الغربيون يمارسون أفعالاً جنسية علناً ويضاجع أحدهم صديقة زميله أمام الجميع لكي "يثبت أن الجنس لا علاقة له بالعواطف" ص 31. ولئن جعل الميهي هورجادة أو الغردقة امرأة في تشبيه قديم ومألوف جعلها "مثل الحور كل يوم تجدد عذريتها" ص 21، وفصّل التشبيه الجنسي ص 83، فأثار تساؤلي عن تشديد الكتاب الرجال على المرأة - الأرض وتمجيد عذريتها الذي يناقض اعلاء الجنس. يعود هذا مشكلة لا أمراً طبيعياً عندما تضطر زهرة الحامل الى القبول بزوج مسن لحمايتها من عقاب مجتمعها. وربما كانت مسألة العذرية مشكلة خالد نفسه الذي يعترف انه يحب زهرة وآمنة لكنه يفضل الأخيرة من دون معاناة طويلة ويقرر الزواج منها. زهرة أكثر اثارة للاهتمام من بقية الشخصيات. معقدة وملونة خلافاً لسارة المسطحة التي تكاد تمد مأساتها لتشمل الآخرين بها. رفضت سارة موت زوجها واعتبرته سخيفاً: "لم يكن يقود عربة ولم يكن يحارب". كتبت الرسائل لنفسها باسمه وانتظرت وصول ساعي البريد بشوق. لم تكن مجنونة، ص 38، لكنها مزجت احداثاً وقعت بما تتمنى ان يحدث وبدأت تساؤلاتها الموجعة: "ما معنى فكرة البناء والتقدم وتجاهل فكرة الحياة؟" كان يمكن أن يكون نمط الحياة أجمل، ولأنه ليس كذلك يتحول قدري الى الشبح الذي نراه في بعض الأفلام يلازم حبيبته بعد موته ويوجه حياتها. تحاول الضغط على زهرة وخالد ليبقيا معاً، وترى الفتاة ان سارة "تريد أن تستمتع بقصة حب أياً كان الثمن الذي سيدفعه أبطالها" ص 80، وترفض اجبار الضابط على الزواج منها درءاً للفضيحة. تجد سارة عزاءها في رؤية ثنائي تعرفه يرث قصتها مع قدري ويكملها، وتتحفنا ص 102 بالخطاب الخالد المضجر عن الحب الذي نكاد لا نعرفه الا بأقلام الكتاب: "الحب هو ان نرى اللحظة ولا نخاف الغد... ان تغلي ذاتك وماضيك ووجودك لكي تدخل في وجود جديد ويصبح لك ماضٍ جديد يبدأ حيث بدأ الحب معك". لكن زهرة هي زهرة هورجادة الحرة التي لا تقبل التسويات على حساب مبادئها وحساب من تحبهم. كانت تخرج وتسهر من دون ان تفقد احترام احد لأنها لم تعط من دون رغبة بالعطاء، وبدأ حبها لخالد بالرغبة في الهائه عن ألمه بعد ابعاده عن حبيبته. أحب آمنة القبطية، لكن رفض أهلها علاقتها بشاب من دين مختلف دفعهم الى ارسالها الى الدير. تقبّل زهرة خالداً كأنها تختبر نفسها في الوقت الذي تعبّر جسدياً عن تعاطفها. لا تشعر برغبة وتتساءل ما اذا كانت مخلوقاً آخر "مخلوق عاجز لم يكتمل" ص 75. مع ذلك تطلب منه ان يتزوجها كأنها تعوّض عن رفض أهل آمنة له بالقول ان ثمة من يرغب به في المقابل. كانت زهرة له واحداً من الشباب وشعر انها "صديق بالغ في التعبير عن تعاطفه". لكن صحوة الرغبة في جسده دفعته الى الموافقة، وعندما بادر هو الى ضمها "رعبها زاد. انها لا تشعر بأي شيء هل خلقت غير مكتملة الطبيعة؟" ص 76. تضع التجربة زهرة أمام طبيعتها فتراجع نفسها بحساب الخير والشر. حرمانها والديها وظروفها القاسية لم تزرع الشر في صدرها، ص 80، وكانت دائماً أكيدة ان الدنيا ستصبح واسعة الأفق يوماً ف"ماذا فعلت؟ ولماذا فعلت؟ بل ماذا فعلوا بها". تطاول المراجعة أيضاً خالداً الذي يجد ان الفرد هو من يجلب الشر لا الجماعة. الأديان لا تمنعه من الزواج بها بل الانسان "هذا المخلوق الغبي... هو الذي يضع ويصنع الشر حتى يحرم نفسه من المتعة... الانسان لا يرضيه ان يكون سعيداً بلا حواجز... بلا ممنوعات" ص 74 و75. يبرئ الدين سياسياً واجتماعياً ويرد على الارهابيين والمتعصبين: "الدين لا يدعو الى القتل أو رجم قصة حب أو اقتلاع شجرة..." ص 75. لكنه لا يقف كفرد في مواجهة الأفراد الآخرين، ويفضل رمز القوة الهرب الى اميركا للزواج من حبيبته بدلاً من أن يدافع عن خيارهما وسط ظروف صعبة. التغيير يأتي على يد فانوس، العجوز القبطي، الذي يغيّر دينه ليتزوج زهرة ويحمي سمعتها. أما خالد فتبرأ من زهرة فور عرض الزواج بآمنة والذهاب الى أميركا. يقول ان آمنة "روح تحيط به وتسكن داخله" لكن ما حدث مع زهرة "لا شيء. نداء للطبيعة أحسه جسدها وجسده". ولا يلبث ان يدرك انه يحب المرأتين "هذه حقيقة... لو تمكن ان يضم الاثنتين الى صدره، يعبدهما معاً لفعل" ص 107. هل يتأثر خالد هنا بتراثه أم بمشاعر معقدة تتمرد على القواعد؟ خان حبه مرتين، والحسنة الوحيدة فيه انه منح زهرة الاحساس وان كان جعل الفتاة التي خشيت الا تكون طبيعية تحمل من لقاء واحد. الحب وحده طريق التغيير والمصالحة، يقول الميهي، وان حمل معظم اثقاله فانوس الذي يبدو انه غيّر دينه لأنه أقلية أو عجوز، وفي الحالين ضعيف وعليه التنازل. يسير السرد في اتجاه واحد وتبرز فيه خفة الدم المصرية وقدرة الروائي المخرج على تقديم نص لا مكان فيه للملل ويمتزج فيه العامي بالفصحى. الا ان لا عذر هناك للأخطاء اللغوية من نوع "لم يكون" ص 13، "حموم" بدل الاستحمام ص 28، "حتى يكون هناك مبرراً لقتله" ص 32، "لا أعتقد ان هذا مناسباً" 43، "الأحمر والأبيض لونين جميلين" 45، "عرايا" بدل عراة 64، "بشرة" بدل بشرى 72، "القدمين" بدل الساقين 83 الخ.