فيما يستمر التباطؤ الاقتصادي المقلق في الولاياتالمتحدة، تتصاعد مؤشرات دخولها مرحلة اقتصاد البيولوجيا، بدءاً بقرار الرئيس جورج بوش السماح بتجارب الخلايا الجذعية، مروراً باستضافة النقاش عن أول تجربة في استنساخ البشر، وصولاً إلى ما أعلنه أخيراً علماء من جامعة "ديوك" أن استنساخ البشر لا يتضمن مخاطر ظهرت في استنساخ الحيوانات. وفي دراسة تنشرها مجلة "الجينيات الجزيئية الإنسانية" اليوم الخميس، بيّن الاختصاصيان كيث كيلان وراندي جيرتل، وكلاهما يعمل في جامعة "ديوك"، أنهما وجدا فارقاً جديداً بين الإنسان والكائنات العليا من جهة، والحيوانات الثديية من جهة أخرى، يتمثل في جين يفرز هرموناً لحفز نمو الجسم، إسمه "آي جي أف أر 2 أر" IGFR2R. وتحمل الخراف والفئران والنعاج، وهي حيوانات أجريت عليها تجارب الاستنساخ، هذا الجين الذي يزيد في ضخامة الجسم، ويجعل الاستنساخ محفوفاً بالمخاطر، في حين يمتلك الإنسان زوجين من هذاالجين، يوقف إحداهما عمل الأخر، فلا يفرز هورمون النمو الزائد، وبالتالي تقل الخطورة في حال الاستنساخ! وفي رد فعل أول، أعرب البروفسور دون وولف، من جامعة أوريغون، عن إعجابه بالدراسة التي كشفت تركيبة يتوارثها البشر منذ ملايين السنين. لكنه تحفظ عن اعتبارها سبباً كافياً لتأييد إجراء تجارب لاستنساخ بشر. وفي نَفَسٍ مُشابِه، لم يجد البروفسور كيفن إيغان، من "معهد ماساشوستس للتقنية"، في تلك الدراسة ما يؤيد قبول استنساخ الإنسان. اقتصاد البيولوجيا وعلى رغم نفي جامعة "ديوك" أن دراسة كيلان وجيرتل تشجع الاستنساخ، يصعب التغاضي عن أثر البحث في النقاش الدائر على الموضوع، وكذلك عن السياقين السياسي والاقتصادي اللذين يرافقانه. والواضح أن اقتصاد البيولوجيا، الذي يتضمن تصنيع أعضاء بديلة واستيلاد كائنات معدّلة جنينياً واستنساخ بشر وحيوانات لغايات شتى، بات موضع تنازع وتنافس عالمي شرس. واستهلت بريطانيا الدخول إلى أموال البيولوجيا، إذ شَرّعَ برلمانها عدداً من القوانين التي تتسامح في شأن تجارب الخلايا الجذعية، التي تستخدم في صنع أعضاء بديلة، والاستنساخ. وفي سابقة أولى ولافتة، بدا أن المؤسسة السياسية الأميركية ضغطت على الإدارة الجمهورية المحافظة، وأرغمتها على قبول تجارب الخلايا الجذعية التي تتضمن إجهاضاً وحتى استنساخ بشر، وهو ما دأب بوش على مناهضته في حملته الرئاسية. وترافق ذلك مع نقاش في "الأكاديمية الأميركية للعلوم" في شأن احتمال حمل 200 امراة بطريقة الاستنساخ. وفي سياق ذلك النقاش، برز رأي علمي مهم لفت إلى مخاطر الاستنساخ، وإلى طابعه التجريبي المحض، والذي يصعب القبول بتطبيقه على البشر. وعلى سبيل المثال، ذكّر البروفسور أيان ويلموث ومساعده في الفريق الذي استنسخ النعجة "دوللي"، بأن التجربة الناجحة كانت فريدة بين 217 تجربة فاشلة. وأيدهما علماء كثيرون، مثل وولف وإيغان، اللذين استنسخا قردة وفئراناً، على التوالي. ومال الرأي في نقاش "الأكاديمية الأميركية للعلوم" إلى اعتبار فرص نجاح أي تجربة لاستنساخ بشر راهناً، واحداً في المئة، وعلا صوت الفاتيكان محذراً من الاستهانة بحياة البشر المقدسة وبأجسادهم. ثم جاءت هذه الدراسة من جامعة "ديوك"، التي يصعب القول إنها تثبط عزم من يروم استنساخ الإنسان. ويميل خبراء الاقتصاد إلى ملاحظة الأهمية المتصاعدة لاقتصاد البيولوجيا، خصوصاً مع الأزمة القاسية لاقتصاد الكومبيوتر والإنترنت. لذا تبدو الدراسة كأنها تأييد لصوت الأموال والمصالح، التي ما زالت تعلو فوق كل اعتبار في العلم والأخلاق والدين والفلسفة.