يقترح الياس حبيقة، الوزير والنائب اللبناني السابق، بل المسؤول الأمني السابق في "القوات اللبنانية"، انه "بريء" من دم ضحايا مجزرة صبرا وشاتيلا. مؤسف انه لا يزال في لبنان متسع لأشخاص سجلت باسمهم ارتكابات، موجودة في وجدان الناس، ويأتون أمام الكاميرات ليفغروا عيونهم في عيون المجتمع من قبيل انهم يعرفون الحقيقة، والحقيقة انهم أبرياء، لكن الاتهامات ظلمتهم. الياس حبيقة بريء ومظلوم، إذاً، وهذه ليست مزحة. هو على الأقل يقول ذلك، ويعد بالبرهنة عليه. الجميع ينتظر منذ زمن رؤيته وراء القضبان، لكنه يطل على الشاشات في مؤتمر صحافي. ومن لا يستحي يقول ما يشاء. لذا فهو قال انه "مرتاح" الى طرح قضية صبرا وشاتيلا في محكمة بلجيكية، بل "مرتاح" الى وضعه، بل حريص على "سمعته". إذا كان حبيقة بريئاً فهذا يعني ان كل لبناني، بل كل عربي، أينما كان موقعه يوم المجزرة، هو متهم. كانت هناك مجزرة تدور وقائعها طوال 38 ساعة، وكان لحبيقة رجال داخل المخيم، وكان هو مسؤولهم ومرجعهم، ويقول الاسرائيليون انه كان موجوداً في الموقع أو على مشارفه وأنه كان يتلقى اتصالات من رجاله. وهذا كله يصنع براءته من دم الضحايا. تأسيساً على ذلك، قد يبدو اتهام ارييل شارون مجرد تحامل وسوء نية. ف"براءة" هذا تغذي "براءة" ذاك. لا يزال الياس حبيقة ينظر الى المجزرة على أنها مجرد واقعة من وقائع الحرب اللبنانية، وهو يلمح الى أن محاكمة هذه المجزرة في حد ذاتها لا بد أن تفتح ملف الحرب كله. فمنطق الحرب يغطي كل الفظائع التي يمكن أن ترتكب فيها، ومتى أصبحت المجازر مبررة فلا استثناء لواحدة منها. وبالتالي لا يلام "مقاتل لبناني" على ما يفعله دفاعاً عن "قضيته"، حتى لو فعله برعاية اسرائيلي، وليس أي اسرائيلي، انه شارون نفسه. صبرا وشاتيلا اصبحت منذ زمن عنواناً في سجل الجرائم ضد الانسانية. وان يكون معظم الضحايا من الفلسطينيين الذين كان حبيقة يقاتلهم فهذا لا يغير شيئاً من طبيعة مجزرة هزت الضمير العالمي وانحفرت في ذاكرته. هذا لا يعني اطلاقاً نسيان ضحايا مجازر أخرى واحترام برائتهم وارواحهم. لكن هذه التي وقعت في صبرا وشاتيلا كانت مجرد قتل للقتل خارج الحرب. والأهم أن هناك دولة هي اسرائيل كانت مسؤولة في تلك اللحظة عن سلامة المدنيين في المناطق الخاضعة لنفوذها. وهذه المسؤولية هي التي تشكل أساساً لمساءلة شارون ومحاسبته. هناك واجب ملح بأن يساهم أي عربي اليوم في دفع المحكمة البلجيكية أو سواها على رغم ان وزير الخارجية البلجيكي قصد برلين خصيصاً لطمأنة رئيس الوزراء الاسرائيلي الى توجيه الاتهام لشارون. وكان حبيقة واضحاً بأن هذا ليس هاجسه ولا غرضه، مع انه مسلح ب"اثباتات" وأدلة حسية. ماذا يريد أن يثبت بها؟ انه بريء؟! وماذا عن شارون، ألا يتهمه؟ حبيقة هو المتهم والشاهد الذي يستطيع اغراق شارون أو انقاذه. ولكن هل له مصلحة في اغراقه، ألا يخشى أن يغرقا معاً؟ الأغرب ان الحماية والتغطية السوريتين اللتين يتمتع بهما حبيقة لم تمنعاه من الاستمرار في مقاربة قضية صبرا وشاتيلا بالعقلية الميليشوية، كما لو أن الحرب اياها لا تزال دائرة. لذلك يعزو اتهامه وتوسيخ سمعته الى خصومه الذين يستخدمون المجزرة ضده لأسباب، كما قال، "عقائدية وسياسية وحزبية وطائفية وشخصية" ! لكن المسألة ليست مسألة خصوم، فكل سياسي له خصوم وليس كل سياسي متهماً بالتورط في مجزرة مثل صبرا وشاتيلا. لا شك أن غياب التدخل القضائي اللبناني في قضية قد تتفجر عند القضاء البلجيكي، هو ما يتيح لحبيقة أو سواه أن يقدم نفسه كبريء مفترض، بل ان يصبح طرفاً لديه اتهامات يوجهها... الى ضحايا المجزرة.