فتاة في مقتبل العمر، لم تنس شيئاً من تفاصيل زينتها، تهبط عصر يوم الجمعة الثامن من حزيران يونيو على إحد مراكز الاقتراع لانتخابات الرئاسة الإيرانية، وتلتحق بالصف الطويل المخصص للنساء بانتظار دورها للإدلاء بصوتها. كانت الفرصة اثناء الانتظار مؤاتية لإجراء حديث سريع معها حول دوافعها للمشاركة، ومن ستنتخب، وبلا أي تردد أو مواربة قالت: أنا أحب خاتمي وسأقترع له، فهو رجل صادق وصريح ويؤمن بالديموقراطية، إضافة الى أنه وسيم، والأهم من ذلك، اننا النساء في فترة رئاسته اصبحنا اكثر انطلاقاً، ولم نعد نخشى التعرض للمضايقة أو الملاحقة إذا ما انحسر الحجاب او غطاء الرأس قليلاً أو كثيراً عن شعر الرأس، لم نكن نستطيع ان نضع على وجوهنا احمر الشفاه الخفيف أو الثقيل، ان نزجج حواجبنا بعدما كان هذا الأمر يعد في الماضي من الأشياء النافرة، وقد ينظر الى الفتاة التي تقوم بذلك نظرة سيئة، فالعادة كانت ان على الفتاة المحافظة على عذرية شكلها وجسمها من دون اي تعديل او تجميل الى اليوم الذي تتحول فيه الى زوجة، اما "الكحل" حتى الخفيف وغير الواضح منه داخل العين فلم يكن من اليسير اللجوء إليه أو حتى الإفادة العلنية منه. وتضيف هذه الناخبة، في السابق كان شعر الواحدة منا يعاني من الانحباس تحت غطاء الرأس، ولم يكن يشكل جزءاً من تكوينها او مظهرها الخارجي، وحرمانه من الشمس وأشعتها يصيبه بالتقصف والمرض، أما منذ خمس سنوات، فتنفس الرأس والشعر معه، وبدأ الحجاب أو الغطاء ينحسر بالتدريج، حتى باتت "الغرة" أو مقدمة الشعر تتلاعب براحة مع كل نسمة هواء، وأصبح من الطبيعي ان تترك الواحدة منا شعرها يطول الى أقصى حدود الأغطية أو القماش المتعارف على الرأس، ليطل أطرافه من تحتها حراً طليقاً، وبدأت رحلة التعرف على الألوان والصبغات، وأصبح من النادر ان تترك فتاة شعرها على لونه الطبيعي، أو على الأقل، تعمد الى تخليله بأوان متعددة او ما يسمى بال"بالياج والماش"، مترافقاً مع ماكياج مناسب وواضح. ثم ترفع أصابعها وتشير الى ألوان الأظافر وتقول لم نكن نستطيع ان نفعل ذلك من دون ان نتعرض للمساءلة، أما اليوم فبات الأمر طبيعياً ومن مستلزمات المظهر الجمالي لأي سيدة مدنية من دون الاستعانة بالقفازات خصوصاً إذا كان الأمر يستدعي الذهاب الى إحدى الدوائر الرسمية. من اجل ذلك كله، ومن أجل الحفاظ على كل هذه الأمور، انتخب خاتمي، لأنه لا يفرض علينا اشياء لا نريدها أو نرفضها، ويحترم المرأة ويدرك مطالبها ويتفهم حاجاتها. على الجهة الثانية من الشارع، فتاة في أواسط العقد الثالث، لا تتجاوز سن الخامسة والعشرين تقود سيارة صغيرة من نوع KIA- Prid - تجميع ايراني بيضاء اللون - وإلى جانبها سيدة لم تتجاوز الأربعين، ومن داخل السيارة تصرخ الأكبر سناً، وكأنه هالها رؤية الصف الطويل للمنتظرين على باب مركز الاقتراع "ما الخبر هل هناك توزيع لمواد تموينية وراء كل هذا الازدحام؟!". بعد لحظات تنزل سيدتان بكامل أناقتهما، فارعتا الطول، تضعان نظارتين سوداوين لاتقاء أشعة الشمس المائلة الى الغرب، لم تنسيا شيئاً من تفاصيل الزينة وكأنهما كانتا على دعوة الى حفلة خاصة، احمر الشفاه بلون الجوز ليتناسب مع لون الثياب خفيف الكثافة يحوطه "كونتور" بلون اكثر كثافة معلناً عن حضوره إذ يعطي بعداً جمالياً للوجه الذي غيبته بقايا غطاء الرأس وأكلت من اتساع دائرته قليلاً، نزلتا من السيارة، لتنضما الى طابور المنتظرات للإدلاء بصوتيهما، طبعاً وبعد سؤالهما لمن ستصوتان؟، تقولان من دون تردد "لخاتمي". منذ ثلاث سنوات، واللباس الرسمي النسائي المعروف ب"المانتو" يتعرض لحملات من التعديل والتغيير، وأول ما تعرض له من تعديل، كان في شكل الأكمام التي ازدادت اتساعاً وتواصلاً مع القسم الرئيسي ليطلق عليه "مانتو الوطواط" وأصبح من السهل على الأذرع الإطلالة منه على الهواء الطلق لتعلن عن وجودها ورغبتها في الخروج، او خروج صاحبته منه، بعدما كان الرسغ يعاني الأمرّين ليعلن عن وجوده. التغيير البارز الذي أصاب "المانتو" هو التشذيب الذي بدأ المقص القيام به من الأسفل صعوداً الى الأعلى، وبات يشبه كل أنواع "الجاكيت" إلا الاسم الموضوع له، اما ما احتفظ منه بالطول الأساسي له، فلم يسلم أيضاً من عمل المقص، الذي عاث فيه تمزيقاً من الطرفين والخلف الى حدود الخصر، ومن الأمام حيث غابت الأزرار الى حدود الخصر ايضاً، ولم يتبق من المانتو سوى ما يحجب القسم الأعلى من الجسم، ومن الناحية العليا أصبح من القليل ان تشاهد سيدة ترتدي لباساً فضفاضاً تعلوه ياقة تفترش اعلى الكتفين، بل استدارت تصاحبها فتحة تهبط نزولاً لتصل الى مشارف الصدر الذي يقاوم للإعلان عن حضوره اكثر فأكثر، إلا أن بقايا الخوف المتبقي، وإن غاب عند بعضهن، يمنع ذلك، وقد أصبح غطاء الرأس أقل حرصاً على ستر هذه الانفراجات الحادثة على العنق. في المقابل، بدأت النساء عملية إعدام بطيء للّون القاتم، كالأسود والكحلي، وصار من الطبيعي ان يشاهد المراقب الألوان الفرحة والمتعددة تغزو اسواق الألبسة النسائية. سيدة اخرى تقول: في الماضي القريب لم نكن نملك الجرأة على الخروج الى الشارع. نحن لا نلبس "فورم" كاملاً اي البنطلون يعلوه المانتو، اما الآن فبات في إمكان الواحدة منا ان تخرج الى الشارع وهي تلبس المانتو ومن تحت تنورة أو الجاكيت والبنطلون، من دون ان تكون هناك حاجة الى استخدام عباءة أو تشادور ليخفي ما نلبسه، ومن الأشياء الأخرى التي أصبح في إمكاننا ان نقوم بها ولم تكن في الإمكان في الماضي ان تخرج السيدة او المرأة من دون ان ترتدي جوارب تحجب القدمين الى الركبتين، الآن في إمكان المرء أن يشاهد لمعان السيقان من تحت المانتو أو ما يسمح بالإفراج عنه تحت اعين الناظرين وأشعة الشمس. قد يكون القول المعروف "أن تأتي متأخراً، خير من ان لا تأتي أبداً" هو من اكثر الأقوال انطباقاً على موضوع الأزياء التي تغزو المجتمع النسائي الإيراني هذه الأيام بعد انقطاع دام سنوات عن متابعة آخر المستجدات على هذا الصعيد، والدافع لهذا الكلام هو ما يستطيع المرء مشاهدته من انتشار لموضة البنطلون القصير ذي الفتحة على الجانبين أو "البنتاكور". وتحرص الفتاة التي ترتديه ان تلفت الأنظار بأي طريقة ممكنة. وهو بدأ يشكل ظاهرة بين الفتيات من الجيل الجديد. اما الحجاب أو غطاء الرأس، فلم يعد مقتصراً على نوع محدد أو طبيعة خاصة من القماش، بل استطاعت المرأة الإيرانية ان تفيد من الإمكانات المختلفة الكامنة في أنواع القماش، وتستعملها غطاء للرأس. وفي المؤتمر الصحافي الذي عقده الرئيس محمد خاتمي في اليوم الأخير من الحملات الانتخابية، وفي رد على سؤال احد الصحافيين الإيرانيين الذي سأل إحدى النساء عن سبب مشاركتها في الانتخابات واختيارها خاتمي، قالت انها تعتقد ان خاتمي سيساعد النساء على التخلص من الحجاب، وقال خاتمي لا يمكن تعميم بعض حالات من هذا النوع على كل المجتمع الإيراني، فغالبية النساء الإيرانيات يتمتعن بالالتزام والإيمان، أما في الإطار العام فلا يمكن الرضى بأن تتخلى المرأة عن الخفر والحياء الذي يميز كيانها، وفي الوقت ذاته، جرى فرض أشياء على النساء والمجتمع لا علاقة لها بالدين وهذا امر لا يمكن ان نقبل به في المستقبل.