يقول أحمد شوقي في قصيدة "مقتل بزرجمهر"، وزير كسرى الملك الايراني الساساني، ومطلعها: يا يوم قتل بزرجمهر، واصفاً ابنة الوزير التي خرجت معترضة على قتل والدها فيقول: ما كانت الحسناء ترفع سترها لو ان في هذه الجموع رجال واذا كان لا يجوز ان يتخذ هذا البيت من الشعر دليلاً منفرداً على تاريخية الستر في الثقافة الايرانية منذ عهود ما قبل الاسلام يمكنه ان يشكل مدخلاً الى كلام ايرانيين معاصرين على تاريخية الستور. وفي هذا الاطار تقول السيدة جميلة كديور النائب في البرلمان الايراني، ان "التشادور" الذي ترتديه هي والكثير من الايرانيات، إضافة الى انه واجب ديني، يعتبر هوية ثقافية وحضارية ايرانية، وله بعد وطني وقومي، وهو الكلام الذي اكد عليه السيد هادي خامنئي عضو المجلس النيابي. هذا البعد القومي والوطني والتاريخي للحجاب او بالمعنى الايراني الادق "التشادور" هو خاصية ايرانية بامتياز، وتوافق مع الثقافة الاسلامية التي دخلت الى ايران في اواسط القرن السابع الميلادي، انطلاقاً من انه يأتي من زاوية الامر بالستر من دون ان تحدد ماهيته او حدوده، وكذلك من الفضاء المفتوح لاحكام الحجاب التي سمحت لمخيلة كل فرد ان يراه بالطريقة او النمط او الشكل الذي يناسبه او يتوافق مع عقائده وعقده وتعقيداته، فتراوح الامر به ما بين الاختفاء الكامل للمرأة وراء جدار من القماش، الى الاجازة لها بأن تبدي القليل شرط الاّ تحمل علامات تبرج واضحة ولافتة للآخرين - الرجل، فتقع في نفسه وتحتل حيزاً من شهوته. وايران من البلدان الاسلامية القليلة، وتكاد تكون الوحيدة، التي تتميز بالتعدد العرقي والإثني والديني الواسع، وهذا التعدد سمح بتجاور ثقافات تتفق في لاوعيها حول النظرة الى الحجاب والستر، فاذا سلمنا بأن للتشادور جذور تاريخية ساسانية، من السهل القبول بأن الديانة الزردشتية الساسانية، التي ما تزال حية ومعترفاً بها في ايران، تتقبل هذا الزي، انطلاقاً من انها الصاحب الاصلي للفكرة، اضافة الى ان الديانتين اليهودية والمسيحية تتبنيان الفكرة في حدود مختلفة وما زالت ترجمتها تظهر في الدوائر الدينية الخاصة والضيقة، الى جانب ان مختلف الديانات او المعتقدات الاخرى تنتمي الى حد ما لإحدى الديانات السماوية الموجودة. الحرب على الحجاب بعد وصول رضا شاه الى الملك على انقاض السلطنة القاجارية، اعلن الحرب على الحجاب وعلى الزي التقليدي للرجال، وبدأ بتطبيق هذه السياسة من منزله، اذ امر زوجته وبناته بذلك، الامر الذي احدث موجة من الرفض انطلاقاً من ابعاد دينية، مع ذلك فتح رضا شاه الطريق امام شريحة من النساء الايرانيات لمواكبة الازياء الاوروبية التي كانت غريبة عن يومياتهن. لكن الحجاب او الستر او التشادور الذي يستغرق المرأة من رأسها الى اخمص قدميها بقي راسخاً لدى شرائح واسعة. مع انتصار الثورة الاسلامية في اواخر السبعينات، واقرار دستور جديد يعتمد على الاحكام الشرعية الاسلامية، اصبح الحجاب نصاً دستورياً لا يمكن مخالفته، حتى على الزائر الاجنبي لايران، لكنه لم يضع شروطاً على نوعيته وشكله، سوى شرط الستر، الامر الذي فتح مخيلة النساء ومصممي الملابس الى اللعب على القماش، وابداع اشكال مهمتها مراعاة القانون، لكنها تفتح مخيلة المشاهد او الرائي على احتمالات الخيال الخصب، وتمنح الجسم ابعاداً اكثر تحديداً يزيد من غموضها هذا الستر الموحي، لكن ذلك ولّد مستويين من الحياة، الاول عام والثاني خاص، ففي الاول الذي يشكل الشارع فيه، فضاء مشتركاً للجميع، ومكاناً لتطبيق القانون، وَحَّدَ الزي الرسمي المانتو في شكل قسري بين المظهر الخارجي لمعظم النساء داخل حدوده، تبعاً للنظرة الخاصة لكل واحدة منهن وكيف تريد ان يبدو مظهرها الخارجي، مع فسحة واسعة للشعر بأن يخرج ويظهر من تحت غطاء الرأس وذلك بالإفادة من موروث ثقافي وقومي يأتي من الحياة اليومية للعشائر الايرانية والذي ما زال متبعاً ويسمح للمرأة بأن تبرز بعض شعرها من الامام والخلف، وأفادت من هذا الامر معظم النساء من طريق تعميم الخاص وجعله امراً واقعاً، كما يقول احد الباحثين في الشأن الاجتماعي. اما على المستوى الخاص، فإن الامور تنفتح على جميع التوقعات، اذ يشكل فضاء المنزل، ساحة لعرض آخر ما تم ابتكاره من تصاميم وازياء استطعن الحصول عليها او انتجتها معامل الالبسة الايرانية. وفي هذا المجال تعرض محال الالبسة النسائية على وجه التحديد، احدث التصاميم الاوروبية لمختلف الاذواق والمناسبات، الا ان استعمالها غير ممكن على الملأ، لكنه محصور في اجواء خاصة ولأشخاص محددين، داخل المنازل والحفلات من اعراس واعياد ومواليد وغيرها. والمحال التي تعرض اكثر الملابس إثارة، والتي يغلب عليها طابع "الهوت كوتور" لا يخفي اصحابها انها تلاقي اقبالاً من الجميع، وهي موزعة بين ازياء لمختلف المناسبات والاذواق، منها لفترة بعد الظهر او العصر، وأكثرها ملابس ذات طابع رياضي خفيف، وذات الوان فرحة، ومنها لحفلات الاعراس، ومنها للسهرات. وهذه يغلب عليها اللون الاسود المائل الى اللمعان والحفر الطويل الذي ينسدل الى الاسفل مترافقاً مع فتحات طويلة على الجانبين لتظهر ما امكن من الجسد من مختلف الجهات. هذه المحال المتخصصة، كانت في البداية تعرض بضاعتها مستفيدة من التماثيل مانيكان من دون رؤوس، غير ان الشرطة الاخلاقية طلبت من اصحابها الاّ يقوموا بذلك مراعاة للحشمة والاخلاق، ومذذاك وهم يعرضون الملابس مستفيدين من العلاّقات، التي تفقد الثياب الكثير من جمالياتها، كما يقول احد اصحاب هذه المحال، في العاصمة طهران، اما في المدن الاخرى، وخصوصاً في المدن ذات الطابع الديني، فالأمر يختلف، اذ عمدت شرطة الاخلاق الى منع عرض الملابس النسائية في الواجهات، انطلاقاً من انها تساعد على انتشار الفساد الاخلاقي بين الشباب من مختلف الفئات، واعتبر كل من يقوم بذلك مخالفاً القانون ويعاقب على ذلك. اقبال المحجبات اما الملابس المعروضة في الواجهات فتحظى باقبال واسع لدى المحجبات، غير ان الافادة منها تختلف، اذ ان المراقب لا يرى هذه الثياب في شكل علني مطلقاً، بل ما يوحي الى وجودها على مداخل الاماكن التي تقام فيها الحفلات، بخاصة او الاعراس، ويدرك منها ان حفلاً ما يقام في هذا المكان، تشي به مظاهر المكياج للنساء المدعوات. وبما ان المحجبات قد يشاركن في حفلات الاعراس التي يفصل فيها بين الرجال والنساء، فيرتدين هذا النوع من الملابس ولا تختلف أذواقهن عن أي سيدة غير محجبة. يبقى ان الذوق النسائي الايراني لم يغب في شكل مطلق عن احدث التصاميم الاوروبية للازياء، الا ان الواقع الموجود لا يسمح الا ببروز ومشاهدة نوع واحد من الازياء المتمثل ب"المانتو" الذي كان في البداية يسيطر عليه اللون القاتم، الى حد انه كان يذكّر بالزي الموحد في الصين الاشتراكية، غير ان الفترة الاخيرة شهدت تطوراً في تحديد الشكل والمظهر ل"المانتو" الذي خرج من القتامة الى تعدد الألوان، ليتحول بعدها الى نوع يشابه العباءات النسائية التي تنحصر مهمتها باخفاء موقت يوحي بالمستور، وقد يصل الامر في بعض الاحيان الى الانحسار ليرتفع الى مستوى المينيجيب بتحويله لنوع من القمصان الطويلة الفضفاضة تعلو سروالاً من الجينز ضيقاً يواكب آخر ما انتجته الموضة، خصوصاً في الشكل الضيق من اعلى الجذع يتسع كلما اقترب من القدم. اما اذا كان من النوع العادي، فالمرأة او الفتاة التي ترتديه تعمد الى طيه من أسفل ليكشف عن جزء من ساقيها. الموانع كثيرة لمعرفة التطور الفعلي للذوق الايراني في الازياء، لأن الدخول اليه دخول الى الحريم وما يستتبعه من عواقب، والعرض والاستعراض على الجسد ممنوع، لكن السؤال الذي يدور في ذهن أي مراقب هو: ماذا لو ترك المجال حراً للنساء في ارتداء ما يردن من ملابس هل كن سيكتفين بما يصلهن من تصاميم من الخارج، ام انهن سيعمدن الى تجاوزها الى ما هو اكثر تلبية لرغباتهن؟ سؤال لا احد يدعي ان باستطاعته الاجابة عليه وهو متروك لمتغير جذري قد لا يحدث في المستقبل المنظور.