استقطبت رياضة الفورمولا واحد منذ العام الماضي سائقين ناشئين شكلوا "براعم" ابطال حقيقيين ليس في تطلعاتهم الى مقارعة الكبار في المستقبل فقط، بل في خوضهم صراعات المقدمة الحالية بجدية كبيرة عكستها نتائجهم الميدانية الباهرة. واعتبر البريطاني جنسون باتون، عراب ظاهرة التألق الاكبر ل"البراعم" في العام الماضي، والذين حتموا هبوط المعدل الوسطي لسن السائقين من 32 عاماً عام 1997 الى 25 عاماً هذا الموسم. وارتبط ذلك بواقع انضمامه الى حظيرة ويليامس العريقة، والتي اعتادت احتضان ابطال العالم فقط في صفوفها في الاعوام السابقة. واذهل هذا الانضمام حتى المدير الفني باتريك هيد الذي اتهم مالك الحظيرة فرانك ويليامس بالجنون في البدء، قبل ان يدرك اهمية خياره. وصرح ويليامس في نهاية الموسم بان باتون سيكون سائق البطولات والانجازات الكبيرة بعد اعتزال ميكايل شوماخر "كون اسلوب قيادته مذهل بالاعتماد على امتزاج سلاحي السرعة القصوى والاعصاب الفولاذية، ما يحتم صعوبة ايجاد اي نقطة ضعف في ادائه". وبالتأكيد لم يكن هيد الوحيد الذي شكك بصوابية خيار ويليامس، اذ انضم اليه بطل العالم السابق الاسكتلندي جاكي ستيوارت، بعدما اعلن استياءه من اجراء انتقال باتون السريع من تنافسات الكارتينغ الى الفورمولا واحد في فترة 18 شهراً فقط. يذكر ان بروز نجومية باتون ارتبط بصدفة لقاء عمل حصل بين هيرالد هويسمان، احد السائقين السابقين، ومهندس حلبات الكارتينغ البلجيكي بول ليمانز في 12 شباط 1998 في النروج، من اجل تشييد احدى الحلبات الخاصة للاول، ودردشة دارت بينهما حول افضل سائقي كارتينغ شاهدهما ليمانز في حياته، ليجيب الاخير بانهما بطل العالم البرازيلي الراحل ايرتون سينا وباتون... وتلا ذلك عرض هويسمان خدماته الادارية على باتون، الذي كان مجهولاً بالكامل وقتذاك. ووفر هويسمان لباتون بالتعاون مع رجل الاعمال الثري ديفيد روبرتسون، الرعاية المادية لخوض موسم التنافس الكامل في سباقات الفورمولا فورد، والذي شهد انتصاراته المتعاقبة ما لفت انظار مديري الحظائر البارزة اليه، واهمها ماكلارين وبروست وويليامس ليوقع مع الاخيرة في كانون الثاني من العام الماضي... وهو انتقل بالاعارة عاماً واحداً الى بينيتون، بعدما عجز اداريو الحظيرة عن الغاء اتفاقهم السابق مع الكولومبي خوان بابلو مونتويا للدفاع عن الوانهم هذه السنة. واللافت ان باتون لا يزال يخضع لمعاملة المبتدئين من قبل المشجعين ووسائل الاعلام التي تناقلت اخباره الاجتماعية التي تعكس ميوله "الطفولية" في ادارة شؤونه الاجتماعية الخاصة والتمتع بملذات الحياة المرتبط بترفه المبكر، علماً انه يتقاضى اجراً سنوياً مقداره 5 ملايين دولار. وفي هذا السياق، لفت اقتصار اهتمام مجلة "فورمولا واحد" المتخصصة في احد اعدادها على عرض تفاصيل حياة باتون الكاملة في مقال شامل تجاهل كلياً اراءه الفنية والتكتيكية في استراتيجية فريقه بينيتون هذا الموسم. وعرض المقال لتفاصيل امتلاكه منزلاً فخماً في بلاده، علماً انه يتحدر من منطقة "فروم" المتواضعة، واستئجاره شقة مزودة تجهيزات الرفاهية كافة في امارة موناكو، ليس بسبب الرغبة في التهرب من الضرائب الباهظة المفروضة على مداخيله المادية فقط، بل تيمناً بسلفائه من الرياضيين البارزين الذين اختاروا الامارة مقراً لاقامتهم من اجل زيادة شهرتهم وتأمين افضل وسائل تعزيزها عبر الرعاية الاعلامية الكبيرة. وتطرق المقال ايضاً الى شؤون حياته الخاصة وشجونها، على غرار حرصه على القيام بغسل ثيابه بنفسه، ونزعته الى ارتياد المطاعم، وتناول وجباته المفضلة فيها من دون النظر الى تكلفتها، او اقامة الحفلات بحضور حشودٍ كبيرة من المدعوين، وايضاً مفاخرته بارتداء الثياب المصنوعة من جلود الحيوانات النادرة وحبه لصديقته لويز التي تكره الفئران. واشار المقال الى ان باتون يعيش في دنيا الاحلام منذ ان اطلق مسيرة احترافه في عالم الفورمولا واحد مع فريق ويليامس في العام الماضي، ويجعل ذلك عالم الفورمولا واحداً بالنسبة اليه اشبه بمدينة "ديزني لاند" والتي تمنحه وسيلة كاملة للهو والمتعة. واذا كان لا بدّ من تفسير لواقع نجاح "البراعم"، ومن باتون ومونتويا الى سائق سوبر الفنلندي كيمي ريكونن وزميله في الحظيرة الالماني نيك هيدفيلد وسائق ميناردي الاسباني فرناندو الونزو في تغيير النظرة الرياضية اليهم، بعدما اجتذبوا اهتمام كبار حظائر الفورمولا واحد التي لم يتردد القيمون عليها في اغداق الاموال الطائلة عليهم، فيتجسد بحسب السائق الفرنسي السابق جاك لافيت، والذي يضم رصيده 176 سباقاً بين عامي 1974و 1986، في ان قيادة سيارات الفورمولا واحد الحالية باتت اكثر سهولة في ظل اعتماد نظام المقود نصف الاوتوماتيكي "في حين اننا كنا نستعمل يدينا الاثنتين للتحكم بالمقود، وتغيير السرعة في السابق، اضافة الى استعانتنا بوسيلة الضغط بكامل وزننا على الفرامل لتأمين فاعلية الكبح". ورأى لافيت ان هذه السهولة تلغي حاجة السائقين الى الخبرة الكبيرة "علماً انه من ايجابيات السيارات الحالية تطور ناحية الامان فيها، ما يمنح السائقين الشجاعة الكافية لابراز نزعة المجازفة المفرطة لديهم بسرعة بخلاف سائقي الحقبات السابقة، الذين كانوا ينتظرون اكتسابهم الخبرة المناسبة لاستعراض مواهبهم الفعلية. يذكر ان لافيت انخرط في مدرسة التدريب الخاصة بسيارات الفورمولا واحد في سن ال25 عاماً، وخاض سباقه الرسمي الاول في السنة التالية في فئة الفورمولا 3، قبل ان يستهل مسيرته في الفورمولا واحد في سن ال31. وفي السياق ذاته، اشار دنيس شوفرييه، احد تقنيي حظيرة بينيتون، الى ان الوسائل التقنية التي توفرها الحظائر اليوم عززت مقومات التركيز على القيادة لدى السائقين في السباقات، وقلصت بالتالي حجم تدخله لمعالجة المشاكل الطارئة، باعتباره يملك الرؤية التقنية الاكثر شمولية. "وعموماً يمتلك السائقون "ثقافة" التعامل مع التقنيات الحديثة، علماً ان باتون ورايكونن اكتسباها من خلال مشاركاتهما في سباقات الكارتنغ".