شكل انسحاب فريق هوندا الياباني من بطولة العالم لسباقات سيارات فورمولا واحد لعام 2009 نتيجة الازمة المالية العالمية بداية لسلسلة طويلة من المفاجآت فرض اخرها نفسه تحديدا في الجولة قبل الختامية في البرازيل والتي شهدت تتويج سائق غير مرشح بطلا للعالم تمثل في البريطاني جنسون باتون. لم يكن هذا التتويج الفردي الفصل الاخير في قصة "مفاجات 2009" بل امتدت لتشمل انتزاع فريق "براون جي بي" اليافع لقب الصانعين مخترقا الحصار المضروب من قبل الثنائي الشهير ماكلارين مرسيدس وفيراري. وتمثلت نقطة التحول عام 2009 في اقدام مدير فريق هوندا السابق, البريطاني روس براون, على شراء الحظيرة اليابانية التي بات اسمها "براون جي بي". ولم يكن انسحاب فريق بعراقة هوندا متوقعا خصوصا ان الصانع الياباني فرض نفسه علامة راسخة في عائلة الفئة الاولى لفترات متقطعة منذ 1964, لكن الحقيقة صدمت الجميع عند اعلان القرار الصعب في الخامس من كانون الاول/ديسمبر 2008. وشكل انسحاب هوندا التي عجزت عن سداد مبلغ 500 مليون دولار اميركي نظير المشاركة في البطولة, صدمة انذرت جميع المعنيين بهذه الرياضة, فولدت فكرة "تقليص النفقات" كدافع للاستمرار في اكثر الرياضات كلفة في العالم. واثارت خطوة براون "الخبير" ارتياح المعنيين وخففت من حدة الجو العام, خصوصا انها انقذت مصير 700 موظف في الشركة اليابانية. وابصرت "براون جي بي" النور وحافظت على سائقي هوندا, البرازيلي المخضرم روبنز باريكيللو وباتون بعد ان كان الاخير تحديدا واجه خطر الغياب عن بطولة 2009, مع العلم بانه فكر جديا بالاعتزال قبل سنوات نتيجة فشل الحظيرة اليابانية في تأمين سيارة قادرة على المنافسة على اللقب العالمي بشقيه, الخاص بالسائقين والخاص بالصانعين. وكان الفريق الياباني قرر التركيز مبكرا على صنع سيارة جديدة افضل لعام 2009 بعد موسم مخيب للامال في 2008, وما هي الا ايام حتى تحول "كابوس هوندا" الى ما يشبه الحلم بالنسبة الى باتون عندما سطر "براون جي بي" بداية نارية في بطولة العالم باحتلاله المركز الاول في جائزة استراليا الكبرى, المرحلة الافتتاحية, متقدما على باريكيللو. وصعد باتون (29 عاما) في سباقه ال154 الى الدرجة الاولى من منصة التتويج للمرة الثانية في مسيرته منذ 2006 عندما فاز مع هوندا بالذات بسباق جائزة المجر الكبرى. وبات "براون جي بي" اول فريق مبتدىء ينتزع المركزين الاول والثاني في السباق الافتتاحي منذ 1954 عندما فاز الارجنتيني خوان مانويل فانجيو بسباق فرنسا الكبرى تحت لواء مرسيدس, تلاه زميله الالماني كارل كلينغ في المركز الثاني. ولم تمض سوى ايام حتى اعاد باتون الكرة في كوالالمبور عندما انطلق من المقدمة قبل ان يحرز لقب بطل سباقها الذي لم يكتمل بسبب الامطار الغزيرة التي هطلت وحولت المضمار الى برك مائية, ويحتفظ السائق البريطاني بصدارة الترتيب العام. وسعى باتون الى احراز فوزه الثالث على التوالي في الصين غير انه حل ثالثا تاركا المركز الاول للالماني الصاعد سيباستيان فيتيل, سائق ريد بول - رينو, والمركز الثاني لزميل الاخير الاسترالي مارك ويبر. وقبل جائزة البحرين الكبرى, الجولة الرابعة من السلسلة, رشح باتون فريق ريد بول لتشكيل اكبر خطر عليه وعلى حظيرته في حلبة صخير, غير انه ما لبث ان محا تلك الشكوك وسيطر على السباق محققا انتصاره الثالث في اربع جولات. ولا شك في ان السائق البريطاني استفاد, شأنه شأن عدد اخر من السائقين, من رياح التغيير التي عصفت بقواعد اللعبة وطاولت تعديلا كاملا في نظام الشكل الانسيابي وعودة الى استخدام اطارات ملساء بالاضافة الى ادخال نظام استعادة الطاقة الحركية. كما لا يمكن اغفال قرار الاتحاد الدولي للسيارات بخصوص "نواشر" السيارات التي استخدمتها فرق براون وتويوتا ووليامس والذي اعتبرها مطابقة للمواصفات الى تنص عليها لوائح فورمولا واحد, ما اضطر باقي الفرق الى البدء في العمل على تطوير سياراتها على الفور وهو الامر الذي استغرق اسابيع عدة. ومع انتقال المنافسات الى اوروبا, احرز باتون (172 سباقا و7 انتصارات و7 انطلاقات من المقدمة) المركز الاول في اسبانيا (برشلونة) وموناكو وتركيا, ومذاك لم تطأ قدما السائق النقطة الاعلى من منصة التتويج بيد انه جمع بعدها من النقاط ما امن له لقبا عالميا اول كان في الامس القريب بعيد المنال. وبات باتون عاشر بريطاني يحرز اللقب العالمي بعد ان سبقه اليه مايك هاوثورن عام 1958 (فيراري), وغراهام هيل عام 1962 (بي ار ام), وجيم كلارك عام 1963 (لوتوس كلايمكس), وجون سارتيز عام 1964 (فيراري), وجاكي ستيوارت عام 1969 (ماترا فورد), وجيمس هانت عام 1976 (ماكلارين فورد), ونايجل مانسل عام 1992 (وليامس رينو), ودايمون هيل عام 1996 (وليامس رينو), ولويس هاميلتون عام 2008 (ماكلارين مرسيدس). من جانبه, دخل براون التاريخ بعدما قاد "براون جي بي - مرسيدس" لان يصبح اول فريق يتوج بلقب الصانعين في اول موسم له. ولم يكن الانتصار المستحق الذي حققه براون الاول له على الاطلاق اذ ان الرجل الذي بدأ مشواره الشغوف في رياضة المحركات عام 1976 والذي يدين بالكثير الى مواطنه فرانك وليامس الذي ضمه الى طاقمه الميكانيكي سنة 1978, توج عامي 1994 و1995 بلقب السائقين مع الالماني ميكايل شوماخر عندما كان مديرا تقنيا في بينيتون, ثم كرر الامر ذاته عندما لحق بالاخير الى فيراري حيث توج مع فريق "الحصان الجامح" بستة القاب للصانعين وخمسة للسائقين. والمؤكد ان الانتصار الذي سطره براون حمل طعما مختلفا عن ذاك الذي خطه مع بينيتون وفيراري كون الفريق, بطل 2009, حمل اسمه وكان مالكه والمشرف عليه. وبدا ان لقصة المجد اليافعة تتمة, تحديدا في 20 تشرين الاول/اكتوبر الماضي, عندما اكد باتون انه يريد البقاء مع "براون جي بي", مشيرا الى ان المال ليس دافعا قويا بالنسبة اليه. وبعد اقل من اشهر, تسارعت الاحداث الدراماتيكية عندما اشترى المصنع الالماني العملاق مرسيدس 75.1 في المئة من اسهم "براون جي بي" (45.1 في المئة لدايملر و30 في المئة ل"ابار للاستثمار". اما الحصة المتبقية فتعود الى براون ونيك فراي واعضاء اخرين), واطلقت على الفريق اسم "مرسيدس جي بي" تمهيدا لمشاركته في بطولة الموسم المقبل. وسيبقى روس براون مديرا للفريق الذي حافظ على مقره الحالي في براكلي الانكليزية عوضا عن الانتقال الى المانيا. وفي 18 تشرين الثاني/نوفمبر, نصح براون سائقه باتون بالبقاء تحت جناحه في الموسم المقبل وعدم الانتقال الى ماكلارين الا ان اليوم نفسه شهد الاعلان عن انتقال السائق البريطاني الى الحظيرة البريطانية - الالمانية ليزامل مواطنه لويس هاميلتون. ولم يكن قرار رحيل باتون مفاجئا لان مفاوضاته مع براون لم تثمر بعدما طالب السائق برفع راتبه السنوي الى 6.5 مليون يورو, وهو مبلغ لم يكن روس مستعدا لدفعه. وعلق باتون على انتقاله الى ماكلارين التي مددت عقدها مع مرسيدس من اجل ان تزودها الاخيرة بالمحركات حتى 2015 قائلا: "من الصعب دائما ان تتخذ قرارا بترك فريق امضيت معه فترة طويلة لكن التحدي هو فحو الحياة, والامر الاهم ان تتحدى ذاتك. فزت ببطولة العالم مع "براون جي بي" في الموسم الماضي ولن انسى هذا الامر بتاتا. كنت دائما مصمما على ان اضع لنفسي تحديات جديدة. ولهذا السبب قررت الانضمام الى ماكلارين مرسيدس". واعتبر باتون نفسه عقب فوزه بالسباق التركي في 2009 "اعظم سائق في تاريخ فورمولا واحد". تصريح مبالغ به بالتأكيد غير انه عكس الانتفاضة المعنوية لسائق موهوب, ليس الافضل في تاريخ الفئة الاولى (احتل المركز 30 في استفتاء اجري مؤخرا وشمل 217 سائقا) بيد انه بطل العالم, اقله, في الوقت الراهن. ___________ * سهيل الحويك