السعودية بلد كبير وممتد يحمل في أرجائه عادات وأعرافاً وتقاليد مختلفة. فما يستساغ في الشمال ليس بالضرورة أن يقبل في الجنوب، فلكل منطقة طريقة خاصة بها في التفكير، فأهل المدر أعرف ببلادهم ولهذا يفضلون السياحة فيها وأهل الوبر كذلك، والكل مقتنع ببيئته، وأن فيها ما يميزها عن غيرها، وكما قالت العرب "كل فتاةٍ بأبيها معجبة". تسعى دوائر رسمية وشعبية في السعودية جاهدة منذ سنوات الى استقطاب السعوديين، خصوصاً فئة الشباب للسفر دخل بلادهم الشاسعه التي تعادل مساحتها ثلثي القارة الاوروبية، هذا السعي واكبته محاولات تكلل بعضها بالنجاح لاستثمار التنوع الجغرافي والبيئي والثقافي، والافادة من ثراء الموروث والعادات في مختلف المناطق السعودية في اتجاه تقليص سفر الشباب الى الخارج، وجذبهم الى الداخل. واذا كانت المحددات الاخلاقية والاقتصادية هي المحك الاساس لكل هذه المساعي فإن للشباب آراء تتفق وتختلف، تؤيد وترفض، وتتداخل برؤى ربما كانت صحيحة في نظر البعض، وربما لم يحالفها الحظ، فكيف ينظر هؤلاء الشباب الى موضوع السياحة داخلياً وخارجياً خلال اطول فرصة او اجازة في الصيف. عاشق عسير الطالب الجامعي ياسر حمود - 21 عاماً - يقول ان العطلة الصيفية تمثل فترة راحة واستجمام، لذا يفترض ان تكون العطلة فترة يستعيد فيها الانسان شيئاً من عافيته وقوته، لا ان تكون محطة أخرى للارهاق والتعب، فتشكل عبئاً اضافياً. ويضيف: "اختلف كلياً عن معظم زملائي الذين يفضلون قضاء العطلة الصيفية خارج السعودية، لأنني استمتع وأتلذذ بأيام الاجازة في بلادي، خصوصاً في منطقة عسير - جنوب السعودية - التي تتميز باعتدال مناخها في فصل الصيف، كما هو حال المناطق المرتفعة في السعودية". ويروي ياسر برنامجه المفضل لقضاء الاجازة فيقول: مع بداية كل اجازة صيفية اتجه مع اسرتي الى مدينة أبها لقضاء معظم الأوقات هناك، وننتقل يومياً بين المنتزهات الطبيعية، كمنتزه عسير الوطني الذي يشمل مواقع عدة، مثل منتزه السودة والقرعاء ودلغان، وتحوي هذه المنتزهات أماكن للجلوس والتنزه والتخييم، فنحمل غداءنا لنتناوله بين أشجار العرعر والسحاب، ونتجه بعد ذلك للتنزه بين الأشجار إلى أن يحل غروب الشمس، لتتحول الحياة الى داخل مدينة أبها، لقضاء أمسيات حالمة بين ردهات الحدائق المنتشرة في أرجاء المدينة، والتي لا تخلو من الأكشاك التي تبيع بعض الاكلات الشعبية. ويشير ياسر الى أن قضاء الصيف في منطقة عسير، كان يقتصر على التنزه في الأماكن الطبيعية، فيما تبدل الحال خلال الموسمين الماضيين في مدينة أبها باقامة مهرجانات صيفية مملوءة بالبرامج والانشطة المتنوعة، كالعروض المختلفة لمحتويات الاسواق. وهناك مركز الملك فهد الثقافي الذي يهتم بالجوانب الثقافية المختلفة في مدينة أبها، وقرية المفتاحة التشكيلية التي تحتوي على صالات لعرض الفنون التشكيلية، كما يباع فيها بعض الأشياء التراثية، اضافة إلى وجود مسرح ضخم يستطيع أن يستقبل3500 شخص. سياحة عربية على الجانب الآخر يترقب الموظف الحكومي خالد محمد 25 عاماً، قدوم العطلة الصيفية بشغف يبرره بالقول: "إنني من هواة السياحة، وأفضل السياحة الخارجية عموماً وخصوصاً في الدول العربية مثل سورية والمغرب والاردن تحديداً، ويرجع السبب في ذلك إلى أن السياحة الخارجية تساعد الشخص في التعرف الى البلدان وخصوصاً بلدان العالم العربي، فعادة اراقب عادات الشعوب العربية، لأنني قبل زيارة الدول العربية كنت أؤمن في قرارة نفسي بأن هناك اختلافاً بيننا وبين الآخرين من العرب، وعندما نستمع الى لهجات الشعوب العربية الأخرى لا نفهمها، حتى أنني اعتقدت انهم ليسوا عرباً، لكن بعد ان اقتربت منهم، وجدت ان ما كنت أحمله من انطباعات كان مغايراً للواقع، فهم متشابهون بالكلية، حتى أن اللهجة المحلية تستطيع فهمها بكل بساطة، وأعتقد اننا لو استطعنا زيارة البلدان العربية سنتمكن من الاقتراب أكثر، فالجميع متشابهون". ويضيف: "العرب لا ينظرون الى السائح العربي كأجنبي خصوصاً في بلاد الشام، هناك اشياء كثيرة تشدني، فهي مهد الحضارة العربية، كما تتمتع ايضاً بأجواء لطيفة ومناظر خلابة، وبالنسبة الى شخص مثلي يعشق الحضارة الانسانية القديمة، تعتبر آثار بلاد الشام مثل جرش مقصداً شبه سنوي لأكتشف شيئاً جديداً لم اكتشفه في العام الماضي". وينتقل خالد بالحديث إلى بيروت، فيقول: "اقصدها لجوّها العليل بالنسبة الينا مواطني الخليج، ولما تتمتع به بيروت من ثقافة متاحة للجميع، فيكفي ان تقترح اسم كتاب حتى ترى كتباً. اضافة إلى وجود افضل الروايات التي لا تجدها هنا، إما لانعدام القارئ او لكونها ممنوعة لسبب او لآخر، بينما تجدها في بيروت بطبعات جديدة، فيشعرك هذا بأن هناك من يقرأ، إلى جانب التعامل الراقي الذي تلقاه في الشارع اللبناني، فالبقال مثلاً عندما يتحدث معك عن شأن عام يخص الوطن العربي تستشف المرارة العربية في حديثه، لكنه يعبر عنها بطريقة تدل على المستوى الحضاري والكبير الذي وصل اليه هذا الشعب الصغير بحجم سكانه الكبير بثقافته". وتجد في سورية - والحديث لخالد - "مودة السوريين وجمال طبيعتهم الخلابة التي تفتقر اليها جزيرة العرب عموماً، لهذا تسحرنا ويشعر كل منا انه شاعر بحجم نزار قباني، لكنه شعر يصعب التعبير عنه، وافضل السفر كثيراً لوحدي، لأنني لم اجد من يفكر مثلي في زيارة المكتبات والمتاحف والآثار. فالكل يطمع في زيارة الملاهي الليلية، ويريد ان يزور البلدان العربية تحقيقاً للشهوات، اما أنا فأريد البحث عن ادلة تؤكد التطابق بيننا نحن كعرب". أما الشاب لافي خلف 24 عاماً فله نظرة أخرى حول كيفية قضاء العطلة الصيفية، يقول: "ان مفهومي للسياحة لا يختلف عن مفهوم الكثير من أبناء منطقتي الشمالية والوسطى في السعودية، فالسياحة عند الذين لا يقطنون المدن الكبيرة، تبدأ عند قدوم فصل الصيف، حيث ترتفع درجات الحرارة كعادتها معلنة بداية موسم السياحة البدوي، فمع انطلاق العطلة الصيفية يخرج الكثيرون من المنازل ليعيشوا حياة الاجداد، التي تجسدت في السابق، في رعي الابل والأغنام، والتنقل للبحث عن مواقع الماء والمراعي الخضر، إلى جانب الصيد القنص. وأعتقد ان السياحة ليس هدفها الاساس الترفيه المطلق، باستثناء قلة قليلة، بل - من وجهة نظري - التعرف الى الاماكن والعادات. والسياحة التي اتحدث عنها، ليست سياحة في مفهوم الآخرين - المتمدنين -، فهي في نظرهم مجرد مزاولة حرفة الرعي، مع ان معرفة مشقة رعي الابل والاغنام، تثري ثقافة الناشئة في ظل المدنية المصطنعة. ففي اثناء التنقل بالابل الجمال في الصحراء، نكتشف حياة الصحراء التي نعتقد انها متشابهة، لكن الحقيقة ليست كذلك، فهذه الصحراء هي في واقع الأمر، ملك لقبائل عدة مقسمة بينها منذ الأزل، لكل قبيلة عاداتها التي تختلف عن الأخرى، وبحكم التنقل نكتشف الفروق بين القبائل ونحكم على الجميع فنأخذ الجيد منها ونعيب الذميم منها، وبهذا نزداد معرفة اكثر ببلادنا. فهذه الاشياء لا نتعلمها في المدارس". ويضيف لافي: "ابرز ما في هذه السياحة الجافة كثيراً - بسبب جفاف الصحراء - ان الشخص يتعلم الجلَد والشدة وكل ما يصنع الرجولة، كما نتعلم خصائص هذه الصحراء التي نعيش عليها، فهي شحيحة الغذاء والماء، لكنها رحبة تسع الجميع. ان البيئة الصحراوية تكسبك معلومات عدة عن حيوانات كثيرة لا تعرفها إلا من خلال المشاهدة التلفزيونية، لكن بالمشاهدة الحية تعرفها عن قرب، فالأفعى تشاهدها في الصحراء كل يوم، وهي مخيفة، لكن مع الممارسة اليومية تنقشع هذه الرهبة، يصبح هذا الزاحف المخيف مجرد مستهدف ضعيف لا يطمع بأكثر من النجاة بحياته من هذا الشخص الاشد فتكاً منه، وذلك ينطبق على معظم الكائنات الحية في هذه الصحراء الواسعة، وأستطيع القول إن الصحراء قد لا تكون جذابة للسياح، لكنها بالتأكيد مفيدة لمن يبحث عن التميز عن الآخرين". تباين الشباب التباين في نظرة الشباب السعودي الى السياحة يؤكد ظهور وعي في مفهوم السياحة التي تُعد حتى الآن في بعض الأوساط المتقدمة في العمر ضرباً من ضروب الإفساد في الأرض لارتباطها بالمجون من ناحية والجهل بطبيعة البلدان الأخرى من ناحية اخرى. ويعتقد الاكاديميون والباحثون في السعودية من خلال مقالات ودراسات نشرت في الصحافة المحلية ان تغير المفاهيم السياحية لدى الشباب يعود الى جملة اسباب يرون اهمها: تطور وسائل الاتصال، ودخول الانترنت، وازدياد معدلات التعليم العالي، وتغير نظرة الشباب للعالم الآخر وما يسمونه "زوال الرهبة" من التعايش والاختلاط بالشعوب الاخرى. ويقول طبيب مختص بالامراض التناسلية طلب عدم ذكر اسمه انه في مقابل النماذج "الايجابية" سياحياً لبعض الشباب، هناك نماذج "فاسدة" وان كانت قليلة "وهي النماذج التي تزورنا آخر كل صيف لطلب العلاج من الامراض الجنسية". ويعتقد الطبيب ان هذه الظاهرة تراجعت كثيراً مع انتشار الامراض الخطيرة وإحجام الشباب "من الجنسين" عن الممارسات الخاطئة في الخارج. وفي الاجمال لا يمكن تحديد توجهات الشباب في السعودية تجاه السفر، خصوصاً ان الكثير منهم يفضل ان تبقى تفاصيل اجازته "سرية" وهي عادة معروفة في السعودية وتتمثل في ان يخبر الشاب اهله وأصدقاءه بوجهة سفر معينة بينما يسافر هو في الاتجاه الآخر تماماً.