Clauve Brzozowski. Du Foyer National Juif a L'Etat D'Isra‘l: Analyse d'une Spoliation. من الوطن القومي اليهودي إلى دولة إسرائيل: تحليل اغتصاب. L'Harmattan, Paris. 2001. 270 Pages. لا شك أن أجرأ ما في هذا الكتاب هو عنوانه. فهو لا يتردد في أن يصف ما جرى في فلسطين منذ اطلاق وعد بلفور عام 1917 إلى قيام دولة إسرائيل عام 1948 بأنه "اغتصاب". وأهمية هذا الوصف وجرأته معاً تعودان إلى أنه صادر عن شاهد عيان غير قابل للطعن في موضعية شهادته. فكلود برزوزوفسكي هو من مواليد فلسطين عام 1930، ومن أسرة بولونية يهودية كانت استقرت في القدس منذ أجيال عدة في عهد الامبراطورية العثمانية. ولا يخفي ك. برزوزوفسكي أن موضوع هذا الاغتصاب شعب وأرض. فإسرائيل ما كان لها أن تقوم ما لم تطرد الفلسطينيين من أرضهم وما لم تستول على هذه الأرض وتصادرها في عملية نهب منقطعة النظير، في تاريخ القرن العشرين على الأقل. وتفاصيل هذا الاغتصاب المزدوج يمكن اختصارها في رقمين، واحد يتعلق بالبشر والآخر بالأرض. فعندما رأت بواكير المشروع الصهيوني النور - وهذا قبل أن يصدر هرتزل كتابه عن "الدولة اليهودية" عام 1896 - ما كان تعداد السكان اليهود في فلسطين يزيد على 12 ألف نسمة، وكانوا يتوطنون في المدن الأربع الأثيرة في التراث اليهودي: القدس وطبريا وصفد والخليل. وكان جلهم رجال الدين ومن الحرفيين والتجار الصغار من خياطين واسكافيين ومجلدين وصاغة وساعاتيين، ولم يكن بينهم سوى مزارع واحد يستثمر أرضاً، وهذا بشهادة تشارلز نيتر، ممثل جمعية "العهد الإسرائيلي الكوني" في فلسطين عام 1869. ومن دون دخول في تفاصيل بدايات الهجرة اليهودية إلى فلسطين، بالتواقت مع تفاقم الاضطهادات اللاسامية لليهود في روسيا وأوروبا الشرقية، فإنه عند صدور وعد بلفور عام 1917، لم يكن تعداد اليهود في فلسطين، من مقيمين دائمين ومهاجرين جدد، قد تعدى الثمانين ألفاً. وخلافاً للتقليد اليهودي المحلي، وحتى لتوصية هرتزل الذي كان يعتبر أن الفلاحين هم طبقة قيد الانقراض تاريخياً، فإن معظم المهاجرين الجدد القادمين من أوروبا الشرقية اختاروا أن يكونوا "عمال أرض". وعلى هذا النحو أنشأوا لأنفسهم، بالإضافة إلى مدينة تل أبيب، خمسين مستوطنة زراعية تمتد على مساحة 60 ألف هكتار. وباستثناء هذه ال600 كم مربع، التي استحصلوا عليها بالشراء على مدى أربعين عاماً من الاستيطان، لم يكن اليهود يملكون أرضاً في فلسطين. فقد كانت كلية ملكية الأرض تعود إلى العرب، سواء كانوا من الفلسطينيين المقيمين أم من العرب المالكين من لبنانيين وسوريين وعراقيين ومصريين. وعلى هذا النحو يمكن القول إن المسار التاريخي الذي استغرق ثلاثين سنة ما بين الوعد بإعطاء "وطن قومي" لليهود إلى قيام دولة إسرائيل قد تحكم به هدفان لا ثالث لهما: تحويل الأقلية اليهودية، عن طريق الهجرة، إلى غالبية، وبالتالي إلى "شعب يهودي"، وتحويل هذا الشعب إلى مالك للأرض التي ما كان يملك حتى 1917 سوى اثنين في المئة منها، وهذا عن طريق الشراء قبل قيام دولة إسرائيل، ثم عن طريق المصادرة بعد قيامها. الشق الأول من قصة هذا التحويل هو المعروف. فعلى مدى ثلاثين عاماً تضاعف عدد المهاجرين اليهود أحد عشر ضعفاً ليصل إلى 650 ألفاً يوم قرار التقسيم. وفي الوقت الذي حولت فيه الهجرة اليهود إلى غالبية، فإن الهجرة المضادة - أي النزوح القسري أو الارادي - هي التي حولت الفلسطينيين إلى أقلية. فقد تقلص عدد العرب في الدولة اليهودية الجديدة من 400 ألف قبل التقسيم إلى 100 ألف فقط في نهاية 1948. وفي الوقت الذي تدفق فيه على الدولة الجديدة 350 ألف مهاجر يهودي اضافي في 1949، كان تعداد النازحين من الفلسطينيين قد ارتفع إلى 900 ألف 485 ألفاً في الأردن و128 ألفاً في لبنان و83 ألفاً في سورية، بالإضافة إلى 200 ألف في غزة. وفي المقابل، فإن الشق الثاني من قصة الاغتصاب، ونعني اغتصاب الأرض، غير معروف بما فيه الكفاية، ونادراً ما يشار إليه في الدرلسات المتداولة عن الصراع العربي - الإسرائيلي. وميزة كتاب ك. برزوزوفسكي أنه يعقد فصلاً ختامياً لبيان الكيفية التي تحولت بها الأرض الفلسطينية إلى أرض يهودية. فمنذ 1901 كان المؤتمر الصهيوني الخامس قد أنشأ صندوقاً خاصاً، أسماه "صندوق إسرائيل الأزلي" لشراء الأراضي من ملاكها العرب ولتحويلها إلى أراضٍ مملوكة "للشعب اليهودي بأسره" ملكيةً "أزليةً" وغير قابلة للنزع الى الأبد. ومن البداية عمل هذا الصندوق تحت شعار "اشتراكي" هو: "الأرض لمن يزرعها لا لمن يملكها". وقد حصل الصندوق على الأراضي الفلسطينية، بالشراء دونماً دونماً حتى استطاع في 1947 ان يضع يده على نحو من مليون ونصف مليون دونم 1500 كم2، اي ما يعادل 6 في المئة من اجمالي مساحة فلسطين. وحتى بعد قيام دولة اسرائيل وتوقيع اتفاقات الهدنة التي أقرت لها بحدود أوسع بنسبة الثلث من تلك التي أقرها لها قرار التقسيم، بقيت ملكية الأرض فيها موزعة على النحو التالي: 7 في المئة من الأراضي مملوكة ليهود، و37 في المئة مملوكة لفلسطينيين، و1 في المئة مملوك لأجانب، و55 في المئة أراضي دولة. وكما تقضي أصول القانون الدولي، وضعت الدولة الجديدة يدها على كامل الملكية العامة التي كانت عائدة الى الدولة القديمة، من دون ان تدفع فيها قرشاً واحداً، فصارت اسرائيل مالكة على هذا النحو ل62 في المئة من الأراضي الفلسطينية. لكن الفلسطينيين، من مقيمين ونازحين ظلوا مالكين ل37 في المئة من الأراضي، أي ما يعادل 7500 مليون دونم من أصل 20900 مليون دونم. والحال ان جملة التشريعات العقارية التي أصدرتها الدولة العبرية الجديدة خلال العامين الأولين من وجودها استهدفت تجريد الفلسطينيين من ملكية هذه الملايين السبعة والنصف من الدونمات الباقية في ايديهم. وكانت هذه الملكية تتوزع في 1948 على النحو التالي: 540 ألف دونم من الأراضي الغنية والمروية وفي جملتها بيارات حيفا المشهورة، و4960 ألف دونم من الأراضي القابلة للزراعة قمحاً وحبوباً، و1930 ألف دونم من الأراضي القاحلة، هذا في الريف. اما في المدن فكانت ملكية الفلسطينيين تتألف من 56 الف دونم من الأراضي المبنية 36 الف دونم في المدن الكبيرة مثل القدس وحيفا ويافا، و20 الفاً في المدن الصغيرة والقرى. ومن جراء النزوح الجماعي للفلسطينيين عام 1948 قدرت نسبة الأملاك التي أخلوها بأربعة أخماس الأراضي الريفية، وتسعة اعشار العقارات المدنية. وحتى قبل ان تضع الحرب العربية - الاسرائيلية الأولى أوزاها وتوقع اتفاقات الهدنة، صدر قانون اسرائيلي في 15 تشرين الأول اكتوبر 1948 يبيح لوزير الزراعة ان يضع اليد على الحقول العربية المهجورة لتوزيعها على من يختاره من المزارعين اليهود. وفي 12 كانون الأول ديسمبر 1948 صدر قرار ثان يبيح وضع اليد على الأملاك العربية المهجورة في المدن، سواء كانت منقولة أم غير منقولة. وعلى هذا النحو استقر 40 ألف مهاجر يهودي في بيوت الفلسطينيين في حيفا، و45 ألف مهاجر آخر في يافا. وفي نهاية 1949 كانت جميع منازل الفلسطينيين الشاغرة قد استقبلت نزلاء جدداً. وتمت مصادرة لا المزارع والبساتين فحسب، بل كذلك المخازن والمستودعات والبضائع ووسائل النقل، فضلاً عن الفبارك وورشات العمل، وسائر الفنادق والمطاعم والمقاهي ودور السينما. وبكلمة واحدة، كانت عملية وضع اليد، كما يقول برزوزوفسكي "تامة شاملة". ولكن حتى بعد الاستيلاء على الممتلكات بقيت مسألة الملكية معلقة، ولذا صدر في 14 آذار مارس 1950 "قانون ملكية الغائبين" ليحسم المسألة. فقد اعتبر هذا القانون ان "الغائب" هو كل فلسطيني أو عربي من بلدان الجامعة العربية السبعة كان يقيم في فلسطين قبل الأول من ايلول سبتمبر 1948 ثم هجر ملكه بعد ذلك التاريخ. ونص القانون على ان أملاك هؤلاء الغائبين ستدار من قبل هيئة خاصة للحجز سماها باسم "هيئة حراسة أملاك الغائبين". ولم يحدد القانون أجلاً للحجز ولا كيفية رفعه. وفي وقت لاحق اعطت حكومة بن غوريون الحق ل"هيئة التنمية الاسرائيلية" في ان تطلب من ادارة الحجز ان تحول اليها ملكية كل عقار ترى فيه منفعة اقتصادية للبلاد. وعلى هذا النحو تم تحويل الملايين من دونمات أراضي الفلسطينيين "الغائبين" وعقاراتهم الى "ملكية للشعب اليهودي غير قابلة للنقل" مقابل أثمان متواضعة تدفعها هيئة التنمية الاسرائيلية لإدارة الحجز، وتسجلها هذه في "دفاتر ديون" لصالح "الغائبين". وقد قدرت مصادر جامعة الدول العربية عام 1950 قيمة هذه "الديون" بخمسة مليارات دولار. كما قدرها المحامي جاك خوري، سكرتير الوفد الفلسطيني الى منظمة الاممالمتحدة، ب4.8 مليار دولار. والحال ان هذا المبلغ ينبغي ان يضاعف أربع مرات على الأقل اذا ما أخذ في الحساب تراكم "الفوائد" على مدى الخمسين سنة الفائتة. وعليه يكون اليوم "للغائبين" من الفلسطينيين دين اجمالي على الدولة العبرية يتراوح بين 50 و80 مليار دولار. وان المرء ليتساءل: ما الذي ينتظره هؤلاء "الغائبون" أو ورثتهم ليرفعوا أمام المحاكم الدولية المختصة دعاوى لرد مستحقات ديونهم اليهم؟