اقتصر دور الفلسطينيين في عملية اوسلو على رد الفعل، وحان للفعل الفلسطيني اخذ زمام المبادرة السياسية، وبالتالي تجاوز اوسلو. وبسبب تمسك الاميركيين، وقوى دولية اخرى، بعملية اوسلو، فان تجاوزها لا بد ان يتجنب اعطاء الانطباع بأن الفلسطينيين قرروا اهمالها والتخلص منها. وهذا يتطلب بدوره العمل في اتجاهين في آن: اولاً: حصر التحرك السياسي الفلسطيني المنبثق من اوسلو بربط العودة الى تلك العملية بقيام الدولة اليهودية بخطوات عدة اهمها: أ - تنفيذ بنود كل الاتفاقات الموقعة، خصوصاً ما يتعلق باعادة انتشار القوات الاسرائيلية والسماح للسلطة الوطنية الفلسطينية ببسط سيطرتها على الاراضي الفلسطينية التي نصت تلك الاتفاقات على انسحاب اسرائيل منها. وهذا مطلب مشروع ومنسجم تماماً مع التزامات اسرائيل تجاه عملية اوسلو. ب - وقف عمليات الاستيطان اليهودي في الضفة الغربية وقطاع غزة، خصوصاً ان تقرير لجنة ميتشل الذي وافقت عليه اسرائيل ينص على ذلك. ثانياً: التحرك بفاعلية وحيوية ضمن خطة استراتيجية مبادرة تطرح مشروع سلام شامل للنزاع الفلسطيني الاسرائيلي يحافظ على الجزء الاكبر من الحقوق الوطنية الفلسطينية من دون التعارض مع الشرعية الدولية. وفي سبيل تفعيل التحرك الفلسطيني، الذي يسعى الى العمل من خلال اوسلو، نقترح ما يلي: 1- اصدار كتاب يسمى "الكتاب الابيض" يحتوي على نصوص اتفاق اوسلو، وكل الرسائل المتبادلة بين الحكومة الاسرائيلية والسلطة الوطنية ومنظمة التحرير، اضافة الى نصوص كل الاتفاقات السياسية المتعلقة باعادة الانتشار والاتفاقات الامنية والاقتصادية، مع تحديد ما نفذت اسرائيل من تلك الاتفاقات حتى الآن. 2- اصدار كتاب، او بالاحرى كتيب، يشرح بالتفصيل ما عُرض على الفلسطيبنيين اثناء محادثات كامب ديفيد الثانية، ويحدد الموقف الفلسطيني تجاه ذلك العرض، واسباب رفض الفلسطينيين له، ومدى تعارض هذا العرض مع الشرعية الدولية ومبدأ الارض مقابل السلام. 3- الاصرار على ان وجود القوات الاسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غزة يشكل احتلالاً اجنبياً، وان بناء المستوطنات اليهودية في تلك المناطق يعكس عقلية استعمارية، وانه حان الاوان لانهاء آخر احتلال واستعمار من نوعه في القرن العشرين وما بعده. وهذا يستوجب بدوره الاعلان، بشكل واضح، ان منظمة التحرير الفلسطينية تؤكد اعترافها بالدولة اليهودية ضمن حدود 4 حزيران يونيو للعام 1967، وانها لا، ولن، تعترف بأية حدود غيرها ولن تقبل بمكافأة العدوان والاحتلال. 4- العودة الى وصف المخالفات واعمال العنف والاحتلال والاستعمار التي ترتكبها اسرائيل بأنها صادرة عن يهود اسرائيل وليس عن الاسرائيليين، لان في اسرائيل مسيحيين ومسلمين يعارضون بشدة السياسات التعسفية والاجراءات غير الاخلاقية المتعارضة مع قرارات الشرعية الدولية ومبادئ حقوق الانسان. ان جميع يهود العالم مع استثناءات قليلة، يقفون اليوم خلف الدولة اليهودية ويبررون مواقفها والدفاع عن جرائمها من دون ان تمس سمعتهم بسوء. واذا كانت الدولة اليهودية تقول أنها تضع 92 في المئة من اراضي اسرائيل وديعة لمصلحة يهود العالم، وان هؤلاء لا يعترضون على ذلك، فقد آن الاوان كي يتحملوا مسؤوليتهم تجاه جرائم دولتهم. وهذا من شأنه دفع المنظمات اليهودية العالمية التي تريد حلاً سلمياً للنزاع الى انشاء وتفعيل معسكر سلام يهودي خارج فلسطين بمقدوره الضغط على قادة اسرائيل واعادتهم الى الرشد. يخشى يهود اوروبا واميركا من احتمال تحول الصراع السياسي الدائر في الشرق الاوسط الى صراع ديني يخرج من منطقة الشرق الاوسط الى حيث يعيشون، ويتسبب ايضاً بعودة بعض مظاهر العنصرية الغربية ضدهم. وتجدر الاشارة هنا الى ان ما تحتفظ به دولة اسرائيل ك"وديعة" للشعب اليهودي من اراضي نسبتها 92 في المئة مما تدعي ملكيته هي اراضٍ وممتلكات للاجئين الفلسطينيين الذين شردتهم الجيوش اليهودية منها واستولت عليها في العام 1948. 5- ان تقوم جامعة الدول العربية، بالتعاون مع كل الدول العربية والصديقة، بالضغط على الدول الاوروبية للاقرار بأن الوجود العسكري الاسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة احتلال اجنبي، وان سياسة الاستيطان استعمارية، وان السلام العملي والانساني والقانوني لن يتحقق من دون انهاء الاحتلال والاستعمار. على الوفود العربية التي تزور الدول الاجنبية وتتفاوض معها ان تصر على ان تشمل البيانات المشتركة الخاصة بالزيارات والمفاوضات النص على بندي الاحتلال والاستعمار. 6- بسبب تراجع الاعلام الفلسطيني الى درجة الصفر تقريباً، نقترح تفريغ 25 - 30 مثقفاً عربياً واجنبياً وربطهم، ان امكن، بمؤسسات اوروبية واميركية، وتكليفهم بتحمل مسؤولية شرح وجهة النظر الفلسطينية والعربية للغير ضمن استراتيجية اعلامية واضحة. اما فيما يتعلق بالشق الثاني من الاستراتيجية الذي يستهدف طرح خطة عمل سياسية بديلة ومبادرة، فنقترح ان تشمل الخطة الخطوط العريضة التالية: 1- الاعتراف بدولة اسرائيل ضمن حدود 4 حزيران للعام 1967. 2- الاصرار على حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره واقامة دولته الوطنية المستقلة على كامل اراضي الضفة الغربية وقطاع غزة التي احتلتها اسرائيل في العام 1967 بما في ذلك القدسالشرقية. 3- الالتزام بإقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح تسعى لاقامة علاقات جوار وتعاون وتفاعل ثقافي واقتصادي وعلمي مع جيرانها واستعدادها للدخول معهم في اطارات تعاون وتوحد سياسية واقتصادية. 4- الاستعداد للتفاوض لحل قضية اللاجئين الفلسطينيين على اساس قرار هيئة الاممالمتحدة 194 الذي يعترف بحقهم في العودة والتعويض. 5- الاستعداد للتفاوض بشأن انهاء الاحتلال الاسرائيلي للضفة الغربية وقطاع غزة، واعلان ان الموقف الفلسطيني سيكون مرناً فيما يتعلق بمراحل الانسحاب الاسرائيلي وتوقيت نهاية الاحتلال. وهذا يعني ان التفاوض سيكون بشأن مراحل انهاء الاحتلال الاسرائيلي وكيفيته وتوقيته، وليس على الاراضي الفلسطينيةالمحتلة او اي جزء منها. 6- بسبب الطبيعة الخاصة للقدس فان الموقف الفلسطيني على استعداد للنظر في امكان تأسيس حقوق دينية لليهود في القدسالشرقية على ان لا تتعارض مع حرية العبادة لأتباع الديانات الاخرى او مع السيادة الفلسطينية على تلك المناطق. 7- مطالبة اسرائيل ويهود العالم من خلفها وكذلك بريطانيا واميركا، بالاقرار بالمسؤولية التاريخية تجاه ما اصاب الشعب الفلسطيني من ويلات ومعاناة. حاولت كل الحكومات الاسرائيلية تبرير ما قامت به من اعمال عنف، وحتى احتلال الاراضي العربية بأنه ضرورة لضمان امن اسرائيل واليهود في فلسطين. لكن الفلسطينيين والعرب لم يوجهوا التحدي المطلوب لاسرائيل ولا للولايات المتحدة لتعريف متطلبات الامن الاسرائيلي وتحديدها. آن الاوان لتوجيه هذا التحدي والاعلان عن الاستعداد الفلسطيني والعربي للتجاوب مع تلك المتطلبات مع الحفاظ على حقوق السيادة والاستقلال الفلسطينية والعربية ضمن الحدود السياسية. ان الامن بطبيعته مشترك ومن المستحيل ان يشعر جار بالأمان ما دام جاره او جيرانه الآخرين مهددين، وهذا يفرض المساواة في حقوق السيادة بين الدول المتجاورة. يتطلب وضع خطة استراتيجية جديدة وتنفيذها تشكيل فريق سياسي جديد يتولى هذه المهمة لأن الفريق الحالي غارق في اوسلو ومنشغل بتفاصيلها والقضايا اليومية الملحة في الداخل. لذلك نقترح توسيع مجلس الوزراء الفلسطيني الحالي وضم 5 - 7 وزراء بلا وزارة، جدد يمثلون الداخل والخارج، وتكليفهم، كفريق، بوضع الخطة المطلوبة وتنفيذها. وفي حين يركز الفريق الحالي على اوسلو وادارة الصراع اليومي مع الدولة اليهودية، يركز الفريق الجديد على الساحة الدولية وكيفية التعامل مع الغير على اساس الخطة الاستراتيجية المقترحة. وحيث ان الانتفاضة هي ورقة الضغط الاهم، وربما الوحيدة، التي يملكها الفلسطينيون اليوم، فان المنطق والواقع السياسي يفرضان الحفاظ عليها ودعمها وتفعيلها باستمرار. ومن اجل ان تعكس الانتفاضة اصراراً على انهاء الاحتلال والحصول على الحرية والاستقلال من دون ان تتهم بالارهاب والعنف، من الواجب الابتعاد عن كل عمل من شأنه اثارة ردود فعل سلبية لدى الرأي العام العالمي. يراهن شارون وفريقه العنصري على ان الوقت يعمل لمصلحتهم، وان العرب يزدادون ضعفاً يوماً بعد آخر. آن الاوان لتحدي هذا النمط من التفكير اليهودي وتوظيف الوقت لمصلحتنا وضد الدولة اليهودية. وهذا ليس ممكناً فقط، بل ايضاً ضرورة انسانية وقومية، وربما حتمية، للحفاظ على الوجود العرقي. * كاتب فلسطيني مقيم في واشنطن.