يثير رضوخ اللبنانيين، مرغمين، لضرورة اعتماد حزام الأمان، أخيراً، الطرائف في المجتمع ولا سيما عبر الأعمال الكوميدية على الشاشة الصغيرة ويدلُّ معظمها على صعوبة تعاملهم مع هذا الواقع الجديد. ولا عجب! فالموقف العدائي الذي كان يتخذه اللبناني، بالإجمال، من التقيد بوضع الحزام، يشكل انعكاساً لشخصيته الجانحة نحو الرغبة في التحرر من القيود على أنواعها. ولا ريب ان السائق اللبناني معتزٌ وواثق بنفسه وقيادته حتى التأثير على سلوكه في هذا المجال. ونرى ترجمة لذلك حين نسمع منه عبارات من نوع: "مستحيلة هي القيادة في هذه البلاد، انا انتبه كثيراً لكن ماذا نفعل بالغير؟" وخلاصة هذه العبارات التي تشدد على ضرورة الحذر في القيادة من... الآخرين، ان الجميع يخشى قيادة الجميع. فمن يبقى؟ اما حزام الأمان الذي يجب ان يكون نوعاً من أسلوب نجاة في كل الحالات، فكان الناس يتخذون منه موقفاً متعالياً. فيصفه البعض بأنه مزعج للحركة. ويرى بعض آخر انه محض تقليد للغربيين، معتبراً الأمر مدعاة سخرية فما العبرة من وضعه اثناء القيادة في الأزقة والشوارع الضيقة الكثيرة؟ ويفلسف آخرون هذا الشأن اذ يقولون بعدم سلامة وضع الحزام أو ضرورته بوجود كيس الهواء، أو في حال الحريق في السيارة أو حتى الغرق. لكن هذه الحالات لا تتعدى الواحد بالألف. وحيال النسبة المرتفعة لحوادث السير في لبنان ولا سيما في الصيف - والأسباب يطول شرحها هنا إذ تبدأ بسلامة الطرقات، وحالة السيارات، ولا تنتهي بحسن القيادة ووعي السائق الذهني والعملي فتمر بالسرعة وطريقة الجلوس وأسلوب العبور وغير ذلك - همّت جمعيات أهلية للقيام بحملات تحذيرية لتجنب حوادث السير ولعل أبرزها "تجمع الشباب للتوعية الاجتماعية يازا. وقد ركّزت هذه الحملات الى حد بعيد على ضرورة استخدام الحزام. وعلى رغم انها اتخذت الطابع البسيط للدعاية المباشرة. واستعرضت ممثلين ومذيعين ووجوهاً معروفة نصحوا باتخاذ هذه الخطوة الوقائية، فإن الاحصاءات أشارت الى ارتفاع نسبة المتقيدين من 9 في المئة عام 1998 الى 19 في المئة آخر أيار مايو عام 2001. إلاّ ان تحديد وزارة الداخلية الأول من حزيران يونيو بداية لالزامية استعمال الحزام، احدث صدمة كبيرة ترجمت في مرحلة أولى بارتفاع نسبة الملتزمين الى 72 في المئة، على ما ورد في احصاء لجمعية مؤسسة الأبحاث العلمية SRF. ثم الى 90 في المئة، في الأسبوع الثاني من تموز بحسب مصادر وزارة الداخلية. ويرى زياد عقل، رئيس تجمع يازا، ان استيعاب المجتمع اللبناني لهذا لمفهوم السائد في العالم، والضروري كان يحتاج بعد سنوات الحرب الطويلة، الى تلازم وتكامل بين حملات التوعية وفرض القوانين. ويصنف تقيد 19 في المئة من اللبنانيين بمبدأ استعمال الحزام من دون الرادع القانوني بالإشارة الايجابية التي تعززت أخيراً مع الذاتية تحت طائلة محضر الضبط والغرامة. ويشير عقل، على سبيل المقارنة، الى ان نسبة الملتزمين من دون رادع قانوني كانت في كندا خمسة عشر في المئة، كما ان السعودية أمهلت ثمانية أشهر بين اصدار القرار بالالزامية وبداية تنفيذه. واللافت نسبة الملتزمين من الشبان مرتفعة نظراً لقدرتهم على التجاوب والاطلاع كما يقول السيد عقل. وما اعتماد معظم الدول الزامية الحزام ووضع شركات السيارات له في انتاجها سوى دلالة على اهميته اذ يثبت الراكب بالكرسي ويخفف من الأضرار الممكنة في حال حصول حوادث. لكن الثغرة تبقى اليوم في تقيد الجالس الى يمين السائق بالقانون علماً ان هذا المقعد يسمى "مقعد الميت" نظراً لارتفاع نسبة الخطر من الموت على الجالس فيه في حال الحوادث. ويعود ذلك في المبدأ الى الفرق في التركيز والوقاية بين الراكب الأمامي والسائق. وتشير الإحصاءات الى ان الحملات الإعلامية، نجحت في نقل نسبة واضعي الحزام من تسعة في المئة عام 1999 الى أربعة عشر في المئة آخر أيار عام الفين وواحد، لترتفع في مرحلة أولى الى تسعةٍ وأربعين في المئة. وتجدر الإشارة الى ان تحرير محضر ضبط بالغرامة يشمل استعمال الحزام سواء للسائق أو للراكب الى يمينه. وتصل هذه الغرامة الى حدود الخمسة والسبعين ألف ليرة لبنانية اي ما يعادل خمسين دولاراً أميركياً. وإذا كان استعمال حزام الأمان قد بدأ يفرض نفسه تدريجاً، محارباً رواسب المواقف العدائية وله سلاح الغرامة المرتفعة في عزّ الأزمة الاقتصادية، فإن أمان السائقين والركاب. ما زال يحتاج الى مزيدٍ من الاستكمال. في هذا الصدد، يحضر الى هذا الذهن، ذلك الإعلان، المستورد ربما، الذي مرّ على شاشاتنا الصغيرة ويصوّر رب عائلة يقود سيارته مع زوجته وأولاده ويكاد يصطدم بشاحنة. لحظات قليلة في الكمية، كثيرة التأثير في المضمون تمرّ نظراًَ للمؤثرات البصرية المستعملة، نرى خلالها احتمالات الحادث ومصير الركاب المأسوي. لكن في اللحظة الأخيرة، نتنفس الصعداء لأن الجميع كان مثبتاً الى الحياة بواسطة حزام الأمان، بمن فيهم الأولاد في الخلف. ولا يوجد بعد، قوانين صارمة في ما يتعلق بهذا الشأن ما يدفع الأهل بثلثيهم الى الابتعاد عن وضع أولادهم في كرسي الأمان المخصص للأطفال دون الثالثة، في حين ان حزام الأمان في الخلف لم يتحوّل بعد الى ضرورة. وتراقب الجمعيات الأهلية اليوم وضع السير وسلامته وقد شكلت لجنة برعاية رسمية من وزارة الداخلية تهتم في جانب منها بهذا الشأن. وتكبر هنا لائحة المطالب المرتبطة بأمان الركاب والسائقين ولا تغفل عن ركاب الدراجات النارية والأمان لديهم يكون في الخوذة الواقية مكان الحزام. لكن نتائج الأبحاث التي قامت بها المؤسسة العلمية لا تبدو مشجعة إذ ان الملتزمين بوضع الخوذة لا يتجاوزون الأربعة والعشرين في المئة. وبين الحزام والخوذة وكلاهما واقٍ، يبقى سيف القانون هو القادر على الحفاظ على سلامة الركاب والسائقين والمارة. ولعلّ العدائية تجاه ما يوفر هذه السلامة كانت دعوة غير مباشرة الى القانون ليمارس دوره هو كضامن وحافظ ومشجع.